أحمد بن سليّم*
تشهد صناعة الماس تحولاً جذرياً لكنه لا يحدث بفعل الأسباب التي قد تخطر على بالك، فعلى الرغم من أن ظهور الماس الاصطناعي يشكّل بلا ريب منعطفاً قلب الموازين كلياً، فإن تضافر عوامل من قبيل تراجع الطلب والعقوبات وتزايد الوعي الأخلاقي لدى المستهلكين يعيد اليوم رسم ملامح مستقبل سلعة لطالما كانت تاريخياً إحدى السلع الأكثر رواجاً في العالم أجمع.
يعيش سوق الماس العالمي- الذي تبلغ قيمته قرابة 80 مليار دولار- حالة من التقلبات الكبيرة، وكما أشار تيم تريدجولد في مجلة فوربس: «يفقد تعدين الماس بريقه بفعل ارتفاع الحصة السوقية للماس الاصطناعي». ويُعزى هذا التحول إلى عوامل عدة على رأسها زيادة وعي المستهلكين بالمخاوف الأخلاقية التي تكتنف عمليات تعدين الماس والقدرة على تحمل تكاليف البدائل الاصطناعية وتوافرها بوتيرة متنامية وتراجع الطلب عموماً لا سيما من الصين، وقد استجابت شركة دي بيرز- عملاق صناعة الماس- لهذه الضغوط بخفض أسعار الماس الخام مؤخراً بنسبة تتراوح من 10 إلى 15%، في حين أن تغيّر حجم الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية والصين أفضى إلى تراجع الأسعار إلى مستوى هو الأدنى على مدار 14 عاماً.
يشكّل الماس الاصطناعي منافساً للماس الطبيعي لعدد من الأسباب: أولها، أنه أرخص بكثير مقارنة بالماس المستخرج، ويسلط مارتن رابابورت- الشخصية الرائدة في تجارة الماس- الضوء على هذه النقطة بوضوح كبير بقوله: «إن الماس الاصطناعي يحقق هامش ربح بنسبة 1,422% مقارنةً بهامش ربح الماس الطبيعي الذي يتراوح من 6% إلى 9%»، وهذا التفاوت في الأسعار، إلى جانب أن التفريق بين الماس الطبيعي والماس الاصطناعي يكاد يكون مستحيلاً، هو ما يجعل من الأخير خياراً يجتذب المستهلكين بوتيرة متزايدة يوماً بعد يوم. ومثلما جاء على لسان سوزان جاك- الرئيسة والمديرة التنفيذية للمعهد الأمريكي لعلوم الأحجار الكريمة: «إن بمقدورنا التمييز كلياً بين حجر الماس الطبيعي والاصطناعي، ولدينا العديد من الأدوات التي نطورها ولكن استخدامها ينحصر في إطار قدراتنا الداخلية لتصنيف أنواع الماس ويكاد يكون من المستحيل على معظم الناس النظر إلى حجر ماس اصطناعي وحجر ماس طبيعي- جنباً إلى جنب- والتمييز بينهما، بل إن التفريق بينهما يستعصي حتى على علماء الأحجار الكريمة لأنه يتطلب مجموعة مهارات تتفرد بها المختبرات المختصة».
ثانياً، إن تعدين الماس هو نشاط مكلف بكل ما للكلمة من معنى في كل مرحلة من مراحله بل ويصعب التنبؤ بمردوده أيضاً، وفي حين أن التعدين ينطوي بعض الشيء على المقامرة في المضاربة والحصيلة، يجسّد الماس الاصطناعي- في المقابل- منتجاً يمكن التنبؤ بمردوده إلى حد بعيد وتسهل فهرسته بمنأى عن أيٍ من أعباء البيئة والتأثير الاجتماعي والحوكمة المقترنة بالماس الطبيعي، غير أن تأثير الماس الاصطناعي يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد المنافسة مع الماس الطبيعي، إذ تفتح خصائصه الفريدة آفاقاً جديدة للابتكار والاستخدام، ويرتبط مستقبل الماس الاصطناعي ارتباطاً وثيقاً بقطاع التكنولوجيا لأن صلابته الاستثنائية وتوصيله للحرارة وخصائصه البصرية تجعل منه الخيار المثالي للاستخدام في صناعة أشباه الموصلات وأجهزة الليزر وغيرها من التطبيقات ذات التقنيات المتطورة، ويؤكد ازدهار الطلب على الماس الاصطناعي أنه ليس مجرد ظاهرة عابرة بل إنه أضحى أصلاً ثابتاً في الاقتصاد العالمي، وتعليقاً على مشروع شركته، قال الرئيس التنفيذي لشركة دياموند فاوندري مارتن روشيزن: «لطالما كانت خطتنا الرئيسية تتمثل دوماً في استخدام الماس المستدام أولاً متى أمكن الاستغناء عن الماس المستخرج من المناجم، أما الخطوة الثانية فكانت استخدام رقاقات ألماس أحادية البلورة لتمكين تطوير التكنولوجيا الأكثر تقدماً». بقطر 100 مم فقط وبوزن 110 قراريط، يمكن تثبيت هذه الرقاقات- التي تشكّل ابتكاراً استثنائياً يُسجَل لشركة Diamond Foundry- فوق شريحة سيليكون عادية متناهية الصغر لتمكين تبديد الحرارة الناتجة، والحصيلة هي شريحة من السيليكون مقرونة برقاقة من الماس يمكن أن تعمل لمدة أطول وبوتيرة أسرع تصل إلى ثلاثة أضعاف سرعة الشريحة الاعتيادية بحرارة ناتجة أقل بكثير منها أيضاً.
بالتوازي مع حالة من التراجع المستمر أصلاً تشهدها تجارة الماس الطبيعي، رجّحت سياسات الاتحاد الأوروبي إلى جانب المخاوف الأخلاقية والبيئية الكفّة لصالح تجارة الماس الاصطناعي لما يتميز به من سهولة في صناعته ورخص ثمنه وتنامي الطلب عليه مقارنةً بالماس الطبيعي، وكما أوضح مارت رابابورت في تصريح نُشر في شهر نوفمبر الماضي: «يحاول الاتحاد الأوروبي استخدام العقوبات المفروضة من نظام عملية كيمبرلي ومجموعة السبع (G7) للسيطرة بصورة غير مشروعة على تجارة الماس الدولية عبر مركزه التجاري في بلجيكا باللجوء إلى عمليات تتمخض عن عقوبات إقصائية غير ناجعة في محاولة التفرّد بالسلطة والنفوذ دعماً للمصالح الوطنية لبلجيكا على حساب منتجي الماس ومصنعيه ومستهلكيه».
من هذا المنظور، يمثل هذا المشهد بتطوراته المتسارعة فرصة استثنائية ليس للمراكز الرائدة في مجال التكنولوجيا على مستوى العالم فحسب بل للدول الإفريقية المنتجة للماس أيضاً، وعوضاً عن النظر إلى الماس الاصطناعي بوصفه تهديداً، أضحى العالم يميل أكثر بكثير إلى الاستفادة منه في تحفيز نمو الاقتصاد وتنويعه، إذ إن تشييد منشآت الماس الاصطناعي في إفريقيا من شأنه أن يوفر فرص عمل جديدة ويعزز التقدم التقني ويخلق فرصاً لفنيي قطع الماس المهرة لصقل مهاراتهم مع قدر أقل من المخاطرة المقترنة بالتعامل مع أحجار الماس الخام باهظة الثمن، نتيجة لذلك، تنامت قدرة الدول الإفريقية الآن على الانخراط في كل من سوق الماس الطبيعي وسوق الماس الاصطناعي، ما يضمن- في المقابل- استمرار دورها وإرثها في صناعة الماس العالمية، ويجب بلا شك النظر إلى نجاح شركات الماس الاصطناعي في الأسواق الأخرى ذات النمو المتسارع على أنه مؤشر يبعث على التفاؤل بشأن مستقبل هذا القطاع وأبرز مثال على ذلك هو الطرح العام الأولي الشهر الماضي للمعهد الدولي للأحجار الكريمة (IGI) في الهند بعلاوة إصدار بواقع 22%.
* الرئيس التنفيذي الأول والمدير التنفيذي لمركز دبي للسلع
0 تعليق