لماذا التحليل الاقتصادي له حدوده؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لما يقرب من مئتي عام، منذ عصر آدم سميث، مروراً بما قدمه سولو ودينيسون من إسهامات، كان موضوع النمو الاقتصادي مادة للتنظير المجرد، إلا أن كل هذا تغير خلال العقدين الماضيين تقريباً، وذلك لسبب بسيط: فقد قام العديد من الاقتصاديين الرواد بعمل ذلك الجانب الممل – والمهم في الوقت ذاته – من حقل الدراسة المتعلق بالبيانات التاريخية التي يحتاج إليها الاقتصاديون لإجراء الاختبارات الإحصائية. ومن ثم شرح الكثير من الاقتصاديين نظرية النمو وأخضعوها لعدد كبير من الاختبارات الإحصائية. بيد أنه مع وجود أفضل البيانات –لا يزال الاقتصاديون، مثلهم في ذلك مثل علماء الاجتماع، يواجهون عقبات لا يواجهها نظراؤهم في العلوم الفيزيائية. على سبيل المثال: علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء – فالعلماء الفيزيائيون قادرون عموماً على اختبار نظرياتهم أو فروضهم بإجراء تجارب يستطيعون من خلالها اختبار أحد الأفراد، بعد إخضاعه لبعض التدخل (مثل إعطائه عقاراً معيناً، أو إجراء أسلوب جراحي معين عليه) وذلك في مقابل مجموعة تخضع للمراقبة، ليروا إذا كان هذا التدخل يمثل هذا الفرق الذي تقترحه النظرية أم لا. وهذه التجارب التي يجرونها في الغالب تأتى بنتائج سريعة جداً، في غضون أيام أو شهور، كما يستطيع علماء الفيزياء الفلكية أن ينظروا للوراء على مدى ملايين كثيرة من السنين بالنظر من خلال تلسكوبات فائقة القوة، أو مجسات أطلقت في الفضاء للاستفادة من سرعة الضوء، لكى يكتشفوا الحالة التي كانت عليها بعض الأشياء أو كيف كانت تسلك منذ ملايين كثيرة من السنين.
أما علماء الاقتصاد فلا يتمتعون بمثل هذه الرفاهية لأسباب عدة، أحدها هو أن الاقتصاديين لا يستطيعون إجراء تجارب مراقبة في جميع الاقتصادات، يمكن ملاحظة نتائجها في غضون وقت قصير، مع الأخذ في الاعتبار الوقت الطويل الذي يضيع في جمع وتحليل ما يكفي من البيانات كي يستخلص الاقتصاديون نتائج نهائية. فإذا كانت هناك سياسة معينة تنتج عنها فرصة معقولة لزيادة النمو، فإن الحكومات والشعوب التي تخدمها سيعملون – أو ينبغي أن يعملوا - على تنفيذها فوراً، ولا ينتظرون حتى يكتشفوا بعد سنوات طويلة ما إذا كانت قد تنجح أم لا. ومن ثم فإن الاقتصاديين في الغالب ينظرون إلى الوراء في محاولة منهم لوضع سياسات للمستقبل، وهم يفعلون ذلك بتطبيق أساليب إحصائية على مجموعات من البيانات التاريخية لفرز واحد أو أكثر من المتغيرات التي قد تفسر أنماط النمو، فإذا استطاع الاقتصاديون القيام بذلك، مع وجود أسباب تدعو إلى الثقة في النتائج، عندئذ يكون باستطاعتهم أن يقدموا وصفات إلى زعماء الحكومات، بها بعض الأمل بأن ما قاموا به في الماضي أمامه فرصة معقولة كي ينجح في المستقبل. فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي – على سبيل المثال – يسعى الاقتصاديون لكي يحددوا من بين مجموعة من «المتغيرات المستقلة»– مثل رأس المال، والعمالة وعوامل أخرى متنوعة يعتقدون أنها قد تسهم في التغير التكنولوجي – المتغيرات التي تحرك النمو الاقتصادي (وهو «المتغير التابع»، الذي يقاس عادة بنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلى، أو متغير آخر معين مصمم لقياس الابتكار أو التغير التكنولوجي مباشرة). بمجرد أن يعرف الاقتصاديون، أو يعتقدوا أنهم يعرفون، ما هي العوامل المهمة التي حفزت الابتكار في الماضي (وهى العوامل التي تسيطر عليها الحكومة بشكل مثالي سيطرة مباشرة، مثل الإنفاق على البحث والتطوير، والمعدلات الضريبية على الدخل أو المبيعات، أو الانفتاح على التجارة الخارجية والاستثمار). عندئذ يكون لديهم أساس لكي يسدوا للزعماء السياسيين المشورة التي تقوم على الحقائق، وليس ببساطة على النظرية أو ما هو أسوأ من ذلك، على التحيز السياسي أو الشخصي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق