إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
في بدائع البلاغة: الطَّيّ والنَّشْر، وهو: أن يذكرَ الأديب أموراً مُتعدّدة، ثم يذكر ما لكلّ واحد منها من الصّفات المَسوق لها الكلام؛ كقول ابن الرومي:
آراؤكُمْ ووجوهكُمْ وسُيوفُكُم
في الحادثاتِ إذا دَجَوْنَ نُجومُ
مِنْها مَعالمُ لِلْهُدى ومَصابحٌ
تَجْلو الدّجى والأُخْرَياتُ رُجومُ
فالآراء مَعالـــم، والوجوه مَصابح، والسيوف رُجوم.
وقــــول الـشـــاعـــرة حــمـــدة بنـــت زيــــاد:
ولما أبى الواشونَ إلّا افْتِراقنا
وما لَهُمْ عِنْدي وعِنْدَكَ مِنْ ثارِ
وشَنّوا على أَسْماعِنا كُلَّ غارةٍ
وقَلَّ حُماتي عندَ ذاك وأنْصاري
غَزَوْتُهمُ مِنْ مُقْلَتَيْكَ وأَدْمُعي
ومِنْ نَفَسي بالسَّيْفِ والسَّيْلِ والنَّارِ
فالمقلتان سيف، والدّموع سيل، والنَّفَس نار.
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
ذكرَ الطائرُ الرياضَ
نسيب عريضة
(بحر البسيط)
ذَكَرَ الطّائرُ الرِّياضَ فَغَنَّى
وتَناسى باللَّحْنِ أَسْراً وسِجْنا
نَسَماتُ الغُصونِ هَبَّت عَلَيْهِ
فَغَدا في هُبوبِها يَتَثنَّى
وتراءَت له الرِّياضُ عَلَيْها
يَرْفُلُ النُّورُ ما أُحَيْلى وأَسنى
وانْثَنى يَرْمُقُ الخَيالَ ويَشْدو
مِنْ فُنونِ الإنْشادِ لَحْناً فلَحْنا
وجَناحاهُ يَخفُقانِ ابْتِهاجاً
لخَيالٍ رأى به ما تَمَنَّى
شَدَّدَ العَزْمُ فيها ما تَراخى
ونَفى عَنْهما رُكوناً ووَهْنا
فاشْمَخرَّا ورَفْرَفا ثُمَّ كادا
أن يَطيرا لَوِ المَطِيرُ تَسَنَّى
صَدَما حاجزَ الحَديدِ فعادا
مقشعرَّينِ خَيْبَةً واسْتَكَنَّا
فَتَوارى رَوْضُ الخَيالِ بَعيداً
وبَدا دُونَه الذي كانَ أدْنى
من أسرار العربية
الشَيْءُ إذا جاوزَ الحَدَّ: طَغَى. وإذا توسَّعَ: تَفَهَّقَ. وإذا علا شيئاً: تَسَنَّم. وإذا ثار للضّررِ: هَاجَ، كَمَا يُقالُ: هاجَتِ الفِتْنَةُ، وهاجَتِ الرِّياحُ.. إلخ.
أولُ الشيء: الغُرَّةُ، ووَسَطُهُ: الكَبِدُ، وآخرُهُ: الخاتِمةُ، وحدُّهُ: الغَرْبُ، وأَعْلاهُ: الفَرْعُ. والجَمُّ: الكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ. والعِلْقُ: النفيسُ. والصَّرِيحُ: الخالِصُ. والرَّحْبُ: الواسِعُ. والذَّرِبُ: الحادُّ.
السَّحْلُ: الثَّوبُ الأبْيَضُ. النَّقا: الرَّمْلُ.الصَّبِيرُ السَّحابُ. الوَثِيرُ: الوردُ. القَشْمٌ: البُسْرُ الَّذِي يُؤْكَلُ قَبـــْلَ أَنْ يُـــدْركَ وهُوَ حُلْو. الخَوْعُ: الجَبَلُ.الرِّيمُ: الظَّبْيُ. اليَـــرْمَعُ: الحَجَرُ.النَّوْرُ: الزَّهْرُ. القَضِيمُ: الجِلْدُ؛ يقولُ النَّابِغة:
كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَها
عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَوَانِعُ
هفوة وتصويب
يستخـــدم كثـــر فــعل «أثّر» بغير الصواب، كقـــولهم «أَثّرَت الحادثةُ على فُلان»، والصّواب: «أثَّرَت فيه»، لأن الفعــل «أَثَّر» لا يتعـــدى إلّا بحــرف «في»؛ قال الشاعر:
أشْكو مِنَ الهَجْر في سِرِّ وفي عَلَنٍ
شَكْوى تُؤثِّر في صَلْدٍ من الحَجَرِ
ويقول آخــرون «أنت بمَثابة أخــي»، وهي خطأ، لأن «المَثــابــة» هــي المَكــان الــذي يجتمــع الناس فيــه بعد تفــرق، ومَثَبُ البِئْرِ: مَقامُ السَّاقِي، أو وَسَطُها. ومَثابَتُها: مَبْلَغُ جُمُومِ مائِها، والـمَثـــابـــةُ الـمَرْجِعُ والـمُجْتمَعُ والـمَنْزِلُ، لأَنَّ أَهلَـــه يَثُـــوبُون إِليــه أَي يرجِعُـــون، والصواب القــول «أنت بمنــزلة أخــي».. أو «أنــت مثــلُ أخي».
من حكم العرب
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
وتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغْني
ولا مِثلَ الشَّجاعَةِ في الحَكيمِ
البيتان لأبي الطيّب المتنبّي، يقول فيهما إن الرِّعْديد، يفسّر خوفه وجبنه، بمزيد الحكمة التي يمتلكها.. لكن هذا غير صحيح؛ لأنّ الشجاعة هي الأساس، ولاسيما التي تتوّجها الحكمة ورزانة العقل.
0 تعليق