«الخط الكوفي».. الحب جنة العشاق - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يمنح التنوع للخط العربي المزيد من مساحات الجمال، لأن تعدد أنواعه يفتح أمام الفنانين العديد من الفرص، ليعبروا عن ما يشاؤون، وفي القوالب التي يرون أنها مناسبة لذلك، وهي إحدى المميزات التي اكتسبها هذا الفن بفضل الخصائص التي تمتاز بها حروفه، مثل مرونتها وقابليتها للتطويع الفني، خاصة بعد أن أصبح الفنانون ينوِّعون في ألوان الحبر، مثل ما نجده في أعمال الخطاطة رشا قاسم شحبر.
تتميز أعمال رشا الخطية برونق خاص، لكونها من أولئك الخطاطين الذين يتوقون للعمل وفقاً لرؤاهم الإبداعية الشخصية، القادرة على استلهام روح الخط العربي الأصيل في مختلف أنواعه، وتقديمه للمشاهد بكل جمالياته الممكنة، إلا أنها تبدع أكثر في الخط الكوفي، الذي يظهر من خلال أعمالها فيه أنها تسعى دائماً إلى استحداث تصاميم وعلائق جديدة بين مكونات كلماته وأحرفه، حيث تخضع في مجملها لرؤيتها الفنية القادرة على ابتكار وتنفيذ لوحات تصطبغ بالبساطة، والتجديد القائم على تنوع المسطحات الخطية الكائنة، واستغلال الألوان في عكس المضامين العميقة لنصوص تلك اللوحات، وهو ما يتجلّى في هذه اللوحة.
* بلاغة
ارتأت رشا أن تختار للوحتها هذه الشطر الشعري الشهير الذي يقول: «وللنّاس فيما يعشقون مذاهبُ»، وهو نص شعري بليغ، ومغرق في وصف العاطفة، لأن قائله وصف فيه ما يتميز به كل عاشق في حبّه واختياره لمعشوقه عن سواه من البشر، وقد كتبته الفنانة بالخط الكوفي لأنها تعشقه أكثر من سواه من الخطوط، ولأنه من أجملها، فهو منظم من جهة أشكال حروفه المتشابهة، وتزيين التنقيط لها، ويتميز بحدة زوايا حروفه واستقامتها، وبوضوح كلماته، ما جعل البعض يسمّيه بالخط الموزون، رغم ما تتطلبه كتابته من اجتهاد ودقة في التصميم، أهّلته لأن يكون خطاًّ زخرفياً، فالخطاط يستطيع من خلاله تقديم العديد من الأشكال الزخرفية المتنوعة، كما أنه خط هندسي بامتياز، ما يسهل الإبداع فيه من طرف أي فنان لديه معرفة بالهندسة أو يمتلك ملكة التصميم بها، فهو يحتاج في كتابته إلى استخدام المسطرة والأدوات الهندسية، أو ما يقوم مقامها، لكونه أقرب إلى التصميم الهندسي المعماري، وأكثر مرونة لذلك من الخطوط العربية الأخرى، ويستطيع الخطاط من خلاله ابتكار واستحداث أشكال جديدة، مع الحفاظ على سماته وخصائصه التقليدية، التي لا تحول دون تقديمه في هيئات فنية ملونة ومبهجة.
* جماليات
نفذت رشا لوحتها الخطية في تكوين بديع، راعت في تصميمه كل الجماليات البصرية الممكنة، فظهر على شكل بوابة ضخمة، لأن الحب جنة يدخلها كل عاشق بمذهب العشق الذي يركن إليه.
وكتبت النص بشكل تنازلي في عدة مستويات، أفردت لكل كلمة أحدها، فكتبت في المستوى الأول العلوي «وللناس»، مبقية على واو العطف واضحة ومنفردة، ليستدعي المتلقي كل ما يخطر على باله مما يميز ما يعشقه، أو يسترجع ما سبق اطِّلاعه عليه من استخدامات هذا الشطر الكثيرة، ورسمت «للناس» في هيئة متناسقة الأجزاء، مستفيدة من ألف كلمة «مذاهب» الصاعدة من الأسفل، التي صار معها مقطع «للناس» في تناظر بصري متناسق، خاصة بتقويس لامه الأولى نحو اليمين، وألفه نحو اليسار، وكأنها بذَيْنِك التقويسين المتعاكسين في الاتجاه تشير إلى اختلاف أذواق الناس وميولهم، ثم كتبت في المستوى الثاني «فيما» بشكل عريض، مُرسلة ألفها مُقوَّسة على شكل نصف دائرة، ينتهي عند بداية الكلمة، ليكمل شكل البوابة مع تقويسَيْ «للناس» في هيئة بديعة، وللدلالة على شمولية ما يختلف فيه الناس، ثم كتبت في المستوى الثالث «يعشقون» بشكل عريض كذلك، حيث بدأت كتابتها من النقطة المقابلة لنهاية ألف «فيما» المُقوّسة، لتشير إلى تخصيص ما يعني النصُ اختلاف الناس فيه (العشق) الذي دلّ عليه الفعل «يعشقون»، ثم كتبت في المستوى الرابع السفلي «مذاهبُ»، بشكل عريض لتكون قاعدة للتكوين الخطي، وحاملة له، لكون دلالتها هي الحامل الكلي لمعنى النص، فالناس مذاهب مختلفة في عشقهم، وقد عمدت إلى تجسيد ذلك بصرياً، من خلال رسم ألف هذه الكلمة، منطلقة من الأسفل نحو الأعلى، حتى تخترق كل الكلمات، محدثة منعرجاً طفيفاً عند «يعشقون».
وقد نجحت في اختيار الألوان من خلال تدرجات اللون الأحمر في الكتابة والتنفيط، واللون البرتقالي في الخلفية، وهي ألوان عاطفية تبوح بما تبثه هذه اللوحة من طاقة العشق والحب والجمال في نفس المشاهد.
* إضاءة
ولدت رشا قاسم شحبر سنة 1981م في محافظة دمياط بمصر، وهي حاصلة على دبلوم فني في الزخرفة سنة 1999، ودبلوم في الخط العربي سنة 2003، ودبلوم التخصص والتذهيب 2005، كما أنها عضو في الجمعية المصرية العامة للخط العربي، ومدرسة للخط العربي في مدارس تحسين الخط، وفي الأزهر الشريف، ونظمت العديد من الورشات التدريبية في المجال، وشاركت في عدة فعاليات خطية داخل مصر وخارجها، منها معرض إبداعات خطية بأنامل نسائية، ومعرض ملتقى الدوحة سنة 2009، وملتقى الشارقة للخط العربي الذي شاركت في عدة دورات منه، وملتقى مجمع الملك فهد لخطاطي المصحف الشريف في المدينة المنورة، والملتقي الدولي لفن الخط العربي المعاصر في المدينة المنورة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق