الشارقة: علاء الدين محمود
حمل مهرجان الشارقة للشعر العربي على الدوام راية «ديوان العرب»، عالية خفاقة على مر السنوات، برعاية ودعم كبير من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حتى أصبح واحداً من أهم المنابر والمنصات الشعرية في العالم العربي، وذلك بفضل الاهتمام والحرص على التطوير والتجويد.
ظلت فكرة المهرجانات الشعرية تشغل بال المشتغلين بالشعر والقصيد على الدوام من شعراء وأكاديميين ونقاد ومتخصصين، وكانت تمثل هاجساً يؤرقهم على الدوام، إذ إن غياب الحراك والفعاليات المتعلقة بالنشاط الشعري يعني عملياً تراجعاً في مسيرة أهم الآداب التي عرفتها العرب حتى أطلقت عليه «ديوان العرب»، نسبة لأنه يحفظ السير والتواريخ والأمجاد والهوية، وكذلك يعني التدهور في مستوى اللغة نفسها، فالاهتمام بالشعر شديد الصلة بالعناية باللغة الفصحى والحفاظ عليها، لذلك شهد العالم العربي الكثير من المهرجانات الشعرية، وهي تقليد له علاقة بموروث قديم حيث كان الشعراء منذ القدم في فترة ما قبل الإسلام يستعرضون أشعارهم في مناسبات تأخذ الطابع الكرنفالي مثل «سوق عكاظ»، وغيرها، وتشهد تلك الاحتفاليات تنافساً كبيراً بين الشعراء من أجل الفوز بالأفضلية، وكان يصحب تلك العملية ممارسة نقدية في الحد الأدنى قبل أن يتطور النقد وتصبح له مدارس وتيارات واتجاهات في العصر الحديث، وأخذ التواصل العربي مع ذلك التراث القديم شكل المهرجانات الحديثة، حيث برز الكثير منها ولعل الناس دائماً ما تذكر منصات شعرية مثل المربد، ومهرجان القاهرة للشعر العربي، وغير ذلك من أنشطة تؤكد التواصل الذي لم ينقطع من أجل الحفاظ على الشعر العربي لمكانته الخاصة في التراث والثقافة العربية، وقد كان بروز مهرجان الشارقة للشعر العربي بمثابة منعطف خاص وكبير، حيث حمل كل تلك المعاني التي ذكرناها، واستوعب كل التجارب المتعلقة بتنظيم المهرجانات الشعرية العربية في الماضي والحاضر، غير أنه تفوق إذ اتسم بالاستمرارية والتطور، فمازال عطاؤه ممتداً حتى الوقت الراهن، ذلك لأنه وجد الرعاية والدعم والاهتمام واستشعار مسؤولية الأدب والثقافة وأهمية الحفاظ على التراث والهوية واللغة، مما جعل المهرجان منصة تنبض بالقصيد وتحمل لواء النظم خاصة في ظل تراجع الكثير من المهرجانات العربية لظروف وأسباب مختلفة.
بدايات
انطلق المهرجان في عام 1997، ومثّل حالة متوهجة ومستمرة دون توقف، حتى صار اليوم الحدث الأبرز الذي عمل بلا كلل على إعادة بريق الشعر، بعد أن كاد ينطفئ توهجه القديم الذي عرف به حتى وقت قريب، ومع مرور السنوات أصبح المهرجان قبلة للشعراء العرب الذين يفدون إليه من كل أنحاء العالم العربي، بل وحتى خارجه، ففي السنوات الأخيرة صار المهرجان يستقبل المواهب الشعرية من بلدان إفريقية وآسيوية يصدحون بالشعر بلسان عربي مبين، وذلك يؤكد النجاحات الكبيرة التي حققتها هذه المنصة المتوهجة، ولعل من أهم أسباب نجاح وتطور المهرجان أنه قد اهتم بالكثير من الجوانب من خلال الاستفادة من العديد من المهرجانات العربية، وتميز بكونه قد كسر نمطية الفعاليات والمهرجانات الشعرية من حيث التنظيم والرؤى والأفكار التي تشهدها الندوات الفكرية التي ظلت تتناول راهن الشعر العربي والاتجاهات الحديثة والموقف منها، إلى جانب التيارات القديمة، وظل يحتفي أكثر بالأجيال الشابة الواعدة، إلى جانب المخضرمين والرواد.
امتداد
ولعل الأثر الكبير والمباشر للمهرجان، هو أنه قد أسس لمهرجانات شبيهة في مختلف أنحاء العالم العربي، وذلك من خلال تدشين بيوت الشعر من قبل إمارة الشارقة في عدة عواصم ومدن عربية، تلك المبادرة التي أطلقها صاحب السموّ حاكم الشارقة في عام 2015، على غرار بيت الشعر في الشارقة، حيث وسعت تلك البيوت من توهج راية الشعر العربي وجعلت الاهتمام به حالة يومية، ولعل تلك المناسبة «إطلاق بيوت الشعر»، تكتسب خصوصيتها من كونها قد جاءت من قلب مهرجان الشارقة للشعر الشعبي، وتحديداً خلال دورته ال 13، وصارت تلك البيوت تنظم مهرجاناتها الخاصة في بلدانها وتقدم الجوائز وتحفز أجيالاً من الشباب المتحمس للشعر للسير في دربه، وتعيد شعراء من المخضرمين إلى واجهة القصيدة مرة أخرى بعد أن كادوا أن يبتعدوا عن الساحة نتيجة لضغوطات الحياة ولكونهم لا يجدون من يقدم لهم يد العون ويعينهم على الاستمرار في قرض ونظم الشعر، غير أنهم مع تلك البيوت التي انتشرت في البلدان العربية يتمتعون بالدعم والسند من أجل أن يتفرغوا لرسالة الشعر، وتلك من المعاني الكبيرة التي حملتها فكرة تلك البيوت، وهي أن لا تتنكس راية الإبداع الشعري.
حراك نقدي
مميزات كثيرة اكتسبها مهرجان الشارقة للشعر العربي، فهو ليس فقط مجرد منبر لإلقاء الشعر، رغم أهمية تلك العملية، بل ظل يهتم كذلك بالتنظير والدراسات، فكان أن اهتم بالحركة النقدية للشعر العربي بشكل كبير، وذلك عبر استضافة أبرز النقاد العرب، والذي ظلوا يقدمون بذلاً نقدياً مميزاً حول حركة الشعر على العموم، وتحولات ذلك الحراك من خلال الإبداعات والتوجهات الشعرية الجديدة والظروف التي انتجتها، وكذلك تناول القصيدة القديمة وعوامل استمرارها كونها تعبر عن الخصوصية العربية في الشعر، ولأنها ابنة الإبداع العربي الخالص الذي لم يأت من الخارج، وفي هذا السياق ظلت حركة تأثير التيارات الشعرية الغربية وحول العالم مثار اهتمام النقاد وكذلك الباحثون والأكاديميون والمختصون الذين ينتسبون إلى المجامع اللغوية في بلدانهم، وكذلك رؤساء وممثلو بيوت الشعر في العالم العربي، لذلك اكتسبت هذه الندوات النقدية والفكرية أهميتها الخاصة في المهرجان وجعلته أكثر تفرداً وتميزاً حتى غدا أكبر المنصات الشعرية المتخصصة في الوطن العربي، وكانت الدورة السابقة ال 20، قد حملت ندوة فكرية بعنوان «تطوّر لغة الشعر العربي»، كما ناقشت الدورة ال 19 قضية «الشعر بين التعبير والتأثير»، وحملت كل نسخة من الدورات السابقة للمهرجان قضية فكرية متعلقة بالشعر وطرحت حولها العديد من الرؤى.
تكريم
يبرز المهرجان الكثير من المشاهد العظيمة، فإلى جانب الأصبوحات والأمسيات التي يتدفق فيها العطاء الوجداني الشعري، وإلى جانب البذل الفكري والنقدي في الندوات والملتقيات، فهناك أيضاً أنشطة إنسانية حافلة بقيم الوفاء ومنها تكريم الشخصيات الشعرية البارزة في المشهد الثقافي العربي، تلك التي لها تأثيرها في عالم الشعر، واللغة العربية الفصحى، حيث تتعدد أغراض المهرجان الذي بات تجمعاً كبيراً يهتم بكل مجالات الشعر العربي، تاريخه وحاضره، وتقاليده وتياراته المتجددة، مع الحفاظ على السمات والمرتكزات الأساسية للشعر، ورعاية الموروث الشعري، الأمر الذي أسهم في إثراء الساحة بإنتاج أدبي غزير ومتميز، خاصة أن المهرجان اهتم بشكل خاص بجيل الشباب وبإبداعاتهم، ودعم المواهب الجديدة، وحرص على تكريم هذه المواهب، ودعمها في أوطانها مما يجعل الشعر جاذباً.
إصدارات وجوائز
ومن تلك الأنشطة الكبيرة لهذه المنصة المتميزة، هو الاحتفاء بالشعراء الذين يلقون قصائدهم في المهرجان من خلال طباعة دواوينهم ومجموعاتهم الشعرية، وكذلك تنظيم حفل للتوقيع على تلك الإصدارات مما يصنع حالة من التواصل بين جمهور «ديوان العرب»، والشعراء من كل الأجيال، إضافة إلى طباعة الأعمال النقدية، ويأتي في هذا السياق تخصيص المهرجان للعديد من الجوائز التي تمنح لكبار الشعراء والشباب المبدع من كل الأقطار العربية، الأمر الذي كان له كبير الأثر في تجدد الاهتمام الشعبي والجماهيري بالشعر العربي، وعودة لعلاقة كادت أن تفقد، خاصة مع بروز أشكال وأنماط أدبية وإبداعية جديدة صارت مصدر اهتمام الشباب العربي مثل الرواية، فالشعر كاد بالفعل أن يترك المجال لتلك الأجناس الأدبية الجديدة، غير أن حركة المهرجان الممتدة إلى خارج نطاق الدولة، أسهمت في تفعيل منجز الإبداع الشعري العربي، كما أعادت للشعر مكانته المركزية في قلوب العرب، فعادت الروح للشعر العربي لكي يظل منارة للتاريخ الإبداعي والحضاري، فالشعر هو منبع لأجمل المعاني الوجدانية، والقيم الإنسانية، والأخلاقية، والوطنية.
وتأتي الدورة الحالية التي تستضيف أكثر من 70 مبدعا، لتؤكد المكانة البارزة التي بات يحتلها المهرجان، وتشهد على التطور والعطاء المستمر في مسيرته التي لم تنقطع، حيث تشهد النسخة الحالية الكثير من الرؤى والأفكار الجديدة، إذ يحتفل المهرجان هذا العام بمرور 10 أعوام على انطلاقة مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة، بإنشاء بيوت للشعر في أقطار الوطن العربي، وهو حدث له أهميته في الحراك الشعري، نسبة لما قدمته تلك البيوت من خدمة جليلة للشعر واللغة العربية، ويتجدد اللقاء كذلك خلال الدورة الحالية مع البذل الفكري، من خلال ندوة تحمل عنوان «الشعر العربي من الثبات إلى التحوّل» ليتعرف الجمهور من خلال مجموعة بحوث ودراسات نقدية على أبرز القضايا التي تتصل بالشعر العربي، وتكتسب أهمية هذا العنوان الذي سيشهد بذلاً نظرياً كبيراً من خلال علاقة الشعر العربي بالاتجاهات والتيارات الشعرية الأخرى حول العالم ومدى التأثر بها، وإلى مدى استطاعت أن تصمد القصيدة العربية القديمة، كما ستبحث الأفكار المطروحة حول آفاق الشعر العربي، وذلك من خلال الأوراق التي ستقدم ومنها «أوّلية الشعر العربي»، للدكتور محمد أبو الشوارب «مصر»، و«التناص الشعري بين القديم والحديث»، للدكتور سلطان الزغول، و«الرمز وتحول الدلالات»، للدكتور ولد متالي لمرابط «موريتانيا»، إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى التي يطرحها المهرجان ويتصدى للإجابة على ما تطرحه من أسئلة، وتشتمل أعمال الدورة على الاحتفاء بعدد من المبدعين والنقاد.
شعراء إماراتيون ومختصون في الأدب أكدوا أهمية المهرجان في حديثهم مع «الخليج»، حيث أكدوا أنه نجح في النهوض بالإبداع الشعري، والحفاظ على اللغة العربية، ودعم الشعراء في كل العالم العربي، الأمر الذي انعكس على المشهد الأدبي.
قيمة
الدكتور الشاعر طلال الجنيبي استفاض في الحديث عن أهمية المهرجان، حيث وصفه بأهم المنصات العربية المعاصرة المهتمة بالشعر من حيث القيمة والحجم وتعدد الأغراض والأهداف، كما أنه يعتبر لقاء بالغ الأهمية للشعراء من العالم العربي وخارجه من أجل التعارف ومناقشة قضايا الشعر في الماضي والحاضر، ومعرفة ما يدور من حراك في كل بلد من البلدان العربية.
وذكر الجنيبي أن المهرجان يحفل بالعديد من الأنشطة والفعاليات، إلى جانب القراءات الشعرية، فهناك الندوات الفكرية التي تعرف براهن الشعر العربي وتطرح العديد من القضايا، وهناك التكريمات للمبدعين من الشعراء والفائزين بالجوائز، حيث أكد المهرجان عمق المشروع الثقافي للشارقة، وأهمية الشعر ودوره في الحفاظ على الهوية والثقافة وتشكيل الوجدان.
ولفت الجنيبي إلى أن المهرجان بات محطة مضيئة من محطات الحراك والفعل الثقافي في الدولة والعالم العربي أجمع، حيث إن هذه الدورة وما سبقها من دورات تؤكد أن تجربة المهرجان تسير في الطريق الصحيح وتعلي من شأن وقيمة الشعر الذي سيبقى هو ديوان العرب الذي يعكس هويتهم ويحمل تراثهم وماضيهم ويدلهم على حاضرهم ومستقبلهم.
وأوضح الجنيبي أن هناك الكثير من المهرجانات العربية التي توقفت أو تراجعت نسبة للظروف التي تعيشها بعض الدول، مما يشير إلى أهمية «الشارقة للشعر العربي»، الذي ظل يحمل شعلة القصيدة وهو أمر يحسب للدولة وللشارقة صاحبة المشروع الثقافي المتنوع والذي يحتفي بكل أشكال الأدب والفنون.
وأعرب الجنيبي عن سعادته في أن يكون ضمن المكرمين في هذه الدورة، حيث ظل ذلك هو ديدن الشارقة والمهرجان في تكريم الشعراء ودعمهم الأمر الذي يسهم في استمرار الإبداع الشعري، حيث ظل هذا الدعم ممتدا لكل الشعراء والنقاد حول العالم العربي.
استمرارية
الشاعر حسن النجار لفت إلى أن أهم ما يميز المهرجان، هو الاستمرارية، وتلك مسألة في غاية الأهمية، فتتابع دورات المهرجان جعلته من أهم المنصات الشعرية وشكلت مكانته الخاصة والكبيرة، حيث بات الملتقى الشعري الأكبر والذي تتوافد إليه الوفود من المبدعين والنقاد والمختصين من كل أنحاء العالم العربي، كما يوجد في هذه المنصة شعراء وشخصيات من جهات مختلفة خارج الوطن العربي مما يشير إلى توسع اللغة العربية في الكثير من البلدان، وذلك يخدم الشعر العربي كثيراً جهة بقائه وتطوره وانتشاره.
وأوضح النجار أن من عوامل نجاح المهرجان وتطوره هو اهتمام الشارقة بالانتصار للأدب والشعر والفنون كونها عاصمة للثقافة وصاحبة مشروع رائد في هذا المجال، وهذا المهرجان هو إحدى أهم الركائز التي يقوم عليها ذلك المشروع، لذلك يجد العناية الفائقة من صاحب السمو حاكم الشارقة.
ولفت النجار إلى أهمية الملتقيات والندوات الفكرية المصاحبة لأعمال المهرجان، فهي من الأنشطة التي تقدم إضاءة مهمة حول واقع الشعر العربي والرهانات والتحديات المتعلقة به، كما أن وجود شعراء من دول مختلفة هو مناسبة جيدة للتعرف إلى الأصوات الشعرية والتجارب المختلفة في العالم العربي.
عمود فقري
«الشعر هو العمود الفقري للثقافة والأدب العربي منذ القدم»، هكذا تحدث الشاعر أحمد المطروشي، حول أهمية هذا المهرجان الذي يتوهج بالقصيد وبعطاء المبدعين من الشعراء العرب، فهذه المنصة الجميلة تؤصل للشعر الذي هو وسيلة التعبير الأساسية للأمة العربية، حيث إن «ديوان العرب»، يربط بين الماضي والحاضر فهو جسر التواصل بين الأجيال العربية المختلفة، ويحفظ التراث ويحدث عن الأمجاد، إذ كان الشعر الأداة أو السجل الذي دوّن وقائع المجتمعات العربية المختلفة في الماضي، وهذا «السجل»، يفيد العرب في الوقت الراهن ويعلمهم كيف عاش أجدادهم وكيف عبروا عن أنفسهم، بالتالي فإن الشعر هو الصلة بين العربي وتراثه.
ولفت المطروشي إلى أن الحالة الشعرية كبيرة في العالم العربي ولابد من تأطيرها في مهرجانات تحتفي بها وتزيد من تألقها واستمراريتها، فبناء الحضارة يتطلب الاهتمام بكل الفعل الثقافي وفي مقدمتها الشعر الذي يمثل رأس الرمح في الأدب العربي وأهم حلقاته، وتلك هي المعاني التي تمثلها وجسدها هذا المهرجان المختلف في فكرته ومضامينه.
وأشاد المطروشي بالحراك الثقافي والشعري بقيادة صاحب السمو حاكم الشارقة، حيث استطاعت الإمارة أن تنجح في أن تصبح منارة ثقافية كبيرة ومن بين تجلياتها الواضحة هذا المهرجان الذي ظل يقدم الكثير من الرؤى والمقترحات التي تخدم الحراك الثقافي والشعري في مجمل أقطار العالم العربي.
وذكر المطروشي، أن هذا المهرجان يأتي ليعزز من مكانة الشعر والترويج له وتشكيل الذائقة الأدبية لدى الجمهور الذي سيتوافد لسماع الإلقاء الشعري في الأمسيات والأصبوحات، بالتالي فإن من أهم مكاسب هذا المهرجان هو أنه يزيد من الجمهور المحب للشعر، مما يعيد لهذا الإبداع مكانته.
وأشار المطروشي إلى أن المهرجان ظل في كل دوراته يكرم الشعراء والنقاد من مختلف أنحاء العالم العربي، ويخصص تكريماً للفائزين بالجوائز الشعرية والنقدية التي تطرحها إمارة الشارقة، إضافة إلى الملتقيات الفكرية التي تهتم بالمعطى والراهن الشعري.
مجد طويل
من جانبه قدم فهد المعمري، الأكاديمي والناقد والباحث في مجال الأدب العربي والتراث، مرافعة قيمة حول أهمية هذا المهرجان خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على اللغة العربية وإعادة مجدها القديم، حيث أشار إلى أن الشارقة دائماً ما تكون سباقة إلى ابتكار الأنشطة المهتمة باللغة العربية، حيث إن هناك علاقة كبيرة بين انتشار الشعر والارتقاء باللغة وتوهجها بحيث تصبح مفرداتها الفصحى متداولة بين الناس، وذلك ضمن الأهداف التي يعمل عليها «الشارقة للشعر العربي».
وذكر المعمري أن فكرة المهرجانات والأنشطة في مجال القصيدة ظلت حالة ملازمة للشعر العربي منذ ما قبل الإسلام، فقد كان هناك ملتقيات يُحتفى فيها بالشعر والشعراء مثل «سوق عكاظ»، وتوسعت تلك الفكرة في بدايات القرن الثاني الهجري فظهرت أسواق وملتقيات تمجّد الشعر، وظلت هي سنام اللغة العربية، ويأتي هذا المهرجان كامتداد أكثر عمقاً لتلك الظواهر المحتفية بالشعر.
وأوضح المعمري أن الدورات المتعاقبة للمهرجان أبرزت العديد من الشعراء، وعكست جماليات الشعر وفنياته من حيث المحسنات اللفظية والبلاغية والبديعية، حيث شكلت هذه الأمور مدرسة يحتذى بها، وظل المهرجان يناقش قضية اللغة العربية إلى جانب الشعر بكل أطيافه، وموضوعات حول القصيدة العمودية، حيث أعاد إليها الاعتبار لكونها أساس الشعر العربي القديم.
وأشار المعمري إلى أن المهرجان في كل دورة ظل يحمل قصائد جديدة تؤكد اتساع وتوهج مخيلة الشعراء العرب، وهي نصوص ذات سبك تسهم في ديمومة اللغة العربية، ومن هنا تأتي أفضلية وأهمية هذا المهرجان الذي يهتم بالشعر واللغة معاً.
أجيال متعددة
لعل من أجمل الصور والمشهديات التي يحفل بها المهرجان بشكل مستمر في كل دوراته، هي وجود أجيال مختلفة من الشعراء العرب في منبر واحد، الأمر الذي جعل منه حوارية تظهر صورة راهن الشعر العربي في تمازجه الإبداعي، ويطّلع على كل جديد في مجال الشعر عبر الندوات الفكرية التي كان لها إسهامها الكبير في تشكيل العلاقة بين الجديد والقديم، كما أن المهرجان ظل يقدم في كل دورة اسماً جديداً، فيعلن عن ميلاد نجم في سماء الشعر.
لقد ظل مهرجان الشارقة للشعر العربي يشكل حالة متوهجة للقصيدة العربية، ويسهم في إعادة التواصل واللحمة بين الشعوب العربية من خلال الشعر الذي يمثل حالة من الحب الفريد، وبات هذا المهرجان من دون شك، منصة جامعة بين مختلف الأنشطة الجمالية والفكرية، لتفتح نافذة مشرعة على الإبداع العربي الشعري، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في حضور وتطور الثقافة العربية.
0 تعليق