تعرف إلى رأسمالية الكوارث - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

القاهرة: «الخليج»
في عام 2007، أصدرت نعومي كلاين كتابها «عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث» (ترجمة نادين خوري) كانت تستعد لإنجاز كتاب عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر والإرهاب والحرب، لكنها سافرت إلى العراق مراسلة صحفية، أثناء الغزو الأمريكي في 2003، وفي 2004 وقع تسونامي جنوب شرق آسيا، وبعده إعصار كاترينا، وبعد سنة من صدور الكتاب حدثت الأزمة المالية في عام 2008.
شاهدت كلاين كيف كانت القوى النيوليبرالية تستغل حالات الصدمة التي خلقتها تلك الكوارث، وكشفت عن ذلك بالتفاصيل في كتابها فبعد الفيضان الذي داهم نيو أورليانز، بات المكان يعج بآلاف الخيام، وبخليط من البشر الغاضبين والمنهكين، الخاضعين لحراسة دوريات جنود الحرس القومي، عصبيي المزاج، الذين لم يكن قد مضى وقت طويل على عودتهم من العراق.
كان ميلتون فريدمان المرشد الكبير لحركة الرأسمالية غير المقيدة، والرجل الذي يعود إليه الفضل في وضع نظام الاقتصاد العالمي المعاصر السريع من بين أولئك الذين رأوا في فيضان نيو أورليانز فرصة سانحة، فبرغم بلوغه الثالثة والتسعين آنذاك وتدهور صحته، استجمع قوته بما يكفي لكتابة افتتاحية صحيفة «وول ستريت» وجاء فيها: «بات معظم مدارس نيو أورليانز حطاماً تماماً، كما باتت منازل ألأطفال الذين كانوا يقصدونها، هذه مأساة لكنها أيضاً فرصة تتيح لنا إجراء إصلاحات جذرية في نظام التعليم».
تمثل مفهوم فريدمان للإصلاح الجذري في نيو أورليانز في وجوب استغناء الحكومة عن إنفاق جزء من بلايين الدولارات المخصصة لإعادة الإعمار على ترميم أنظمة التعليم الرسمي القائمة وتحسينها، والاستعاضة عنه بتقديم قسائم نقدية كافلة للمواطنين يقومون بإنفاقها في مدارس خاصة تمولها الدولة، وتتوخى إدارة العديد منها الربح، وقد كتب فريدمان في هذا السياق: «من الحيوي أن يكون هذا التغيير إصلاحاً دائماً، وليس مجرد سد مؤقت للهوة».
تلقفت شبكة من الأدمغة المفكرة اليمينية اقتراح فريدمان فتقاطر أصحابها إلى المدينة بعد هدوء العاصفة، ودعمت إدارة بوش خطط هؤلاء بعشرات الملايين من الدولارات بغية تحويل مدارس نيو أورليانز إلى «مدارس حكومية مستقلة»، وفي تلك المدينة ينظر سكانها من الأمريكيين الأفارقة إلى المدارس الحكومية المستقلة على أنها انقلاب على مكاسب حركة الحقوق المدنية التي أمنت معياراً تعليمياً موحداً لجميع الأطفال.
*انتظار الأزمة
عمل فريدمان وأتباعه النافذون على مدى أكثر من ثلاثة عقود على تعزيز تلك الاستراتيجية عن طريق انتظار وقوع أزمة كبيرة يعمد بعدها إلى بيع أجزاء صغيرة من الولاية للاعبين من القطاع الخاص، بينما يكون المواطنون لا يزالون في حالة ذهول إزاء الصدمة.
أفصح فريدمان في إحدى أكثر كتاباته بلاغة عن جوهر الخطة التكتيكية الشافية والمريبة للرأسمالية المعاصرة، وهي ما انتهى إلى اعتماده «مبدأ الصدمة» وقد قال في هذا الإطار: «وحدها الأزمة سواء كانت الواقعة أم المنظورة هي تلك التي تحدث التغيير الحقيقي، فعند حدوث الأزمة تكون الإجراءات المتخذة منوطة بالأفكار السائدة، وهنا تأتي على حد اعتقادي، وظيفتنا الأساسية وهي أن نطور بدائل للسياسات الموجودة وأن نبقيها حية ومتوفرة إلى حين يصبح المستحيل في السياسة حتمية سياسية».
توضح نعومي كلاين أن المرة الأولى التي تعلم فيها فريدمان كيف يستغل الصدمة أو الأزمة على نطاق واسع في منتصف السبعينات عندما عمل مستشاراً لدى ديكتاتور شيلي بينوشيه، فغداة انقلابه العنيف لم يصب المواطنون بحالة من الصدمة فقط، بل وجدت البلاد نفسها أيضاً ترزح تحت وطأة صدمة التضخم الحاد، وقد نصح فريدمان بإجراء التحول الأكثر جذرية في العالم، وعرف باسم «ثورة مدرسة شيكاغو».
*الصدمة الاقتصادية
تنبأ فريدمان بأن سرعة هذه التحولات الاقتصادية وفجائيتها وإطارها، ستثير ردود فعل نفسية في أوساط الشعب، وستسهل عملية التكيف، وقد نحت عبارة جديدة يصف بها تلك الاستراتيجية الموجعة، هي المعالجة بالصدمة الاقتصادية، وهكذا كلما فرضت الحكومات في العقود التالية برامج لتحرير السوق، كان العلاج بالصدمة الشاملة والفورية، أو «المعالجة بالصدمة» هي الأسلوب الذي تم اتباعه.
قام بينوشيه أيضاً بتسهيل عملية التعديل من خلال المعالجات بالصدمة الخاصة به، وكان يطبق ذلك في زنزانات التعذيب الجسدي الذي كان يفرضه نظامه على الشخوص المشكوك في أنهم أكثر استعداداً من غيرهم للوقوف في وجه التحول إلى الرأسمالية، وقد رأى كثيرون في أمريكا اللاتينية صلة مباشرة بين الصدمات الاقتصادية التي أفقرت الناس ووباء التعذيب الذي كان يعاقب في ظله آلاف الأشخاص الذين كانوا يؤمنون بنوع مختلف من المجتمعات.

أخبار ذات صلة

0 تعليق