«القصة القصيرة»... درة السرد الإماراتي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود

الناشر: دائرة الثقافة في الشارقة
عرفت دولة الإمارات العديد من أشكال وأنماط الكتابة الإبداعية والسردية، ومن ضمنها القصة القصيرة والتي تعد من أصعب أنواع الكتابة، لأنها ترتهن بالعديد من الشروط والتقنيات على رأسها التكثيف والاختزال والذهاب نحو المعنى مباشرة، ولعب هذا الفن دوراً كبيراً في رصد الحراك المجتمعي في الدولة، وتناول المتغيرات الكبيرة التي طرأت على مجتمع الإمارات وبرز العديد من الكتاب والكاتبات الذين برعوا في هذا الضرب.
كتاب «القصة القصيرة الإماراتية»، للكاتب د. يوسف حطيني، الصادر في طبعته الأولى عام 2008 عن دائرة الثقافة، في الشارقة، هو من المحاولات العلمية والنقدية الجادة في الإحاطة بتاريخ وتيارات هذا الشكل الإبداعي في الدولة، حيث يتابع الكتاب مسيرة القصة منذ بداياتها والعوامل التي حكمتها وأثرت فيها، وأبرز التيارات التي نهلت منها، والكتابات القصصية الأولى منذ الرواد من جيل الرواد وحتى الوقت الراهن، وكيف كان لهذا الفن دور كبير في رصد المجتمع ومتغيراته والمنعطفات التي مر بها حتى منذ ما قبل التأسيس، حيث يغوص الكتاب عميقاً في المواضيع التي تناولها المؤلفون.
ويقع الكتاب في 395 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على مقدمة وخمسة فصول، يتناول الأول: «تأثيث الفضاء السردي: النص والدلالة»، بينما جاء عنوان الفصل الثاني ب«البحث عن الزمن المفقود»، أما الثالث، فقد حمل عنوان: «بناء الحكاية وصناعة العقدة»، بينما يركز الفصل الرابع على «الشخصيات بناؤها، نماذجها، وظائفها»، أما الخامس والأخير فهو معنون ب«الشعريّة إلى الإيقاع السّردي»، إضافة إلى «مسرد المجموعات القصصية الإماراتية»، وفيه يبرز الكتاب كبار المؤلفين في هذا المجال مثل: إبراهيم مبارك، وأسماء الزرعوني، وأسماء الكتبي، وأمنيات سالم، وأميرة السويدي، وباسمة يونس، وجمعة الفيروز، وحارب الظاهري، وشيخة الناخي، وصالح كرامة، وعلي أبو الريش، إلى جانب عدد كبير من الكتاب الإماراتيين الذين صالوا وجالوا في مجال القصة القصيرة وكانت كتاباتهم بمثابة نصوص تأسيسية، تبعتها العديد من الكتابات والإصدارات على أيدي جيل الشباب في الوقت الراهن، مما يلفت إلى المكانة الكبيرة التي تحتلها القصة القصيرة في خارطة الإبداع السردي الإماراتي.
*بدايات
يركز الكتاب على بدايات القصة القصيرة في الدولة، ويشير إلى أنها ظهرت في وقت متأخر نسبياً، مقارنة بظهورها في مختلف أرجاء الوطن العربي، وذلك يعود إلى تأخر حركة التعليم وظهور الصحافة. غير أن الطفرة التي حدثت في الإمارات في النصف الثاني من القرن العشرين لم تمس الاقتصاد فقط، بل شملت الصحافة والكتابة، تلك المجالات التي انتعشت بسرعة كبيرة، حيث تمكن المثقفون من الاطلاع على الآداب العربية والأوروبية والأمريكية ومحاكاتها في ما بعد في أنماط محلية، وقد أدى ذلك إلى ظهور مجموعات قصصية، وروايات إماراتية، رفدت الأدب العربي الحديث.
ويلفت الكتاب إلى أن الأدب القصصي الإماراتي ينقسم مجازاً إلى ثلاث مراحل تاريخية تتضمن الجيل المؤسس الذي فتح الباب لهذا الفن، ومنهم: عبد الله صقر، شيخة الناخي، محمد المر، عبد الحميد أحمد، عبد الرضا السجواني، وآخرون، وهناك الجيل الوسيط الذي شهد التحولات في المجتمع الجديد وعايش انعكاساتها على الثقافة، ومنهم مريم جمعة فرج، سلمى مطر سيف، إبراهيم مبارك، وناصر جبران، وناصر الظاهري، وغيرهم، وهناك كذلك الجيل الذي اطلع على تجربة المؤسسين، وعايش تجربة الجيل الوسيط، وحاول البحث في المضامين المطروحة، ونلمح من هؤلاء: أسماء الزرعوني، وحارب الظاهري..الخ.
*قضايا
يتناول الكتاب العديد من القضايا المجتمعية الملحة التي تناولتها القصة القصيرة من زوايا مختلفة، مثل قضية المرأة والزواج من الأجنبيات، حيث يتعمق المؤلف في تناول وضع المرأة في المجتمع وفي السرد القصصي، إضافة إلى عدد من المواضيع الأخرى، خاصة في ما يتعلق برصد التحولات الكبيرة في المجتمع نتيجة التطور والانتقال من واقع إلى آخر جديد.

*تقنيات
غير أن الكتاب يهتم بصورة أكبر بكيفية الاشتغال على عناصر السرد في القصة الإماراتية، وتقديم الأمثلة التي تضيء الجزئيات السردية، وتفاوت التعامل معها بين قاص وآخر، فعلى صعيد الفضاء السردي، اهتم الكتاب بخصوصية المكان الجغرافي الإماراتي، إضافة إلى تتبع رموز الفضاء الدلالي كالبيت والمدينة والبحر والصحراء، كما يبحث في الإشكالات التي تطرحها بعض القصص، وأنوع الحكاية التي تتعدد أشكالها وأنماطها، كما يركز الكتاب على دراسة «الحبكة»، وكيف تعامل المؤلفون مع عناصرها المختلفة، ويتناول كذلك الشخصية القصصية ومنابعها في السرد الإماراتي القصير، وما هي الطرق التي قدّم بها القاصون شخصيات قصصهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأهم الشخصيات في القصة القصيرة الإماراتية تلك التي يقسمها المؤلف إلى قسمين رئيسيين هما: نماذج الشخصيات الذكرية «الأب، والعامل، والمتمرد»، ونماذج الشخصيات الأنثوية «المستسلمة، والمتمردة»، أما في ما يتعلق بلغة القص، فإن الكتاب يهتم بصورة أساسية بالمستوى المجازي للغة، وذلك عبر تناول شعرية السرد القصصي والمجاز اللغوي، مع التنبيه على بعض معوقات اللغة السردية.
*صفة
يؤكد الكتاب على أن القصة الإماراتية لا تزال «غضة العود»، حديثة النشأة مقارنة بالممارسات الإبداعية في هذا المجال في دول عربية أخرى، إلا أنها تتميز بصفة أساسية ربما لا توجد في كثير من القص العربي، وهذه الصفة هي الغنى المكاني الذي يمتد بفضاء القص الجغرافي من أقصى العالم إلى أقصاه، وهذا يعود بالطبع إلى ظروف موضوعية أنتجتها كثرة الأسفار التي يقوم بها الإماراتيون حول العالم، للعلاج أو للاستجمام أو للاطلاع، ويتناول الكتاب مسألة تأثيث الفضاء الجغرافي للقص، حيث يشير إلى أنه مختلف عن ذلك الموجود في عوالم إبداعية أخرى مثل السينما والمسرح واللوحة الفنية، فهو أولاً وأخيراً فضاء نصي تصنعه الكلمات على الورق، والفضاء الجغرافي بمكوناته الواقعية ليس موجوداً إلا في تصوّر القاص، ولا ينقل القاص على الورق إلا بعض مؤثثاته الدالة، وقد اجتهد القاصون الإماراتيون في تأثيث فضائهم بالأشياء والألوان والأصوات والروائح من أجل تحفيز القارئ على إقامة الفضاء المتخيل.
*عوالم
يصطحب الكتاب القارئ في رحلة ماتعة عبر عوالم الكثير من المؤلفين في الدولة من خلال منتوجهم من المجموعات القصصية مثل: «الطحلب»، لإبراهيم مبارك، و«همس الشواطئ»، لأسماء الزرعوني، و«مندلين»، لحارب الظاهري، و«أيقونة حلم»، لسارة الجروان، و«حقل غمران»، لسعاد العريمي، و«رياح الشمال»، لشيخة الناخي، و«سهرة مع الأرق»، لصالح كرامة، و«الخشبة»، لعبد الله صقر، و«ذات المخالب»، لعلي أبو الريش، و«الفرصة الأخيرة»، لمحمد المر، وغير ذلك من مؤلفات ومجموعات قصصية تؤكد ثراء المنتج الإماراتي في مجال القصة القصيرة وتعدد الأساليب والتقنيات والتجارب.
إضاءة
يوسف محمد حطّيني من مواليد دمشق في عام 1963، وعمل محاضراً في جامعة الإمارات، وحصل على إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق عام 1986، ودبلوم الدراسات الأدبية العليا من ذات الجامعة عام 1988، ودبلوم التأهيل التربوي من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مدينة عمان عام 1996، وماجستير في الأدب العربي الحديث من جامعة دمشق عام 1992، ودكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة دمشق عام 1997، وله العديد من المؤلفات الشعرية والقصصية والنقدية.
*اقتباسات

«أثث الكتاب الإماراتيون قصصهم بالألوان والأصوات والروائح».
«الفضاء القصصي هو الذي تصنعه الكلمات على الورق».
«للقارئ دور مهم في إعادة تشكيل فضاء القصة».
«الثراء المكاني ميز القصة الإماراتية عن غيرها».
«ثمة صلة أصيلة بين المكان الأليف والأم».
«من أهم رموز الفضاء في القصة الإماراتية: البحر والصحراء».
«المرأة احتلت مكانة خاصة في القص الإماراتي».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق