الشارقة: علاء الدين محمود
تزايد كبير في انتشار ظاهرة القصص المصورة، «الكوميكس»، وهي العملية التي بدأت في الاتساع منذ أواخر القرن العشرين، ولطالما كانت تلك الحكايات والروايات المخصصة بشكل كبير للصغار والشباب شديدة الجاذبية، حيث تصمّم بطرق خاصة كوسيلة للتعبير عن الأفكار من خلال الصور، وغالباً ما يتم دمجها مع النص أو المعلومات المرئية الأخرى، وعادةً ما تأخذ تلك القصص شكل سلسلة من لوحات الصور، حيث تستخدم «الكوميكس»، وكذلك «المانغا»، اليابانية، مجموعة من الأدوات النصية للتعبير عن الأفكار والإشارة إلى الحوار، وذلك مثل: بالونات الكلام والتعليقات والمحاكاة الصوتية والسرد وتجسيد الأصوات وغيرها من الأدوات، وهذه الطريقة هي أشبه بعالم السينما الذي هو ضمن الفنون التي ما زالت تحتفظ بجاذبيتها بين مختلف الأجيال.
يعود تاريخ القصص المصورة الأوروبية إلى رسوم رودولف توبفر الكرتونية في 1830م، وتحولت إلى قصص شعبية في 1930 نتيجة لظهور كتب القصص المصورة مثل مغامرات «تان تان»، أما القصص المصورة الأمريكية فقد ظهرت في أوائل القرن العشرين عند ظهور القصص الهزلية في الصحف والجرائد، ومجلات القصص المصورة في 1930م وأصبحت شائعة بعد ظهور سوبرمان في عام 1938م، فيما يعود تاريخ «المانغا»، اليابانية إلى ما قبل القرن الثاني عشر، وتطورت في القرن العشرين عقب الحرب العالمية الثانية، ولئن ارتبطت «الكوميكس»، بالكوميديا والهزل، إلا أنها أضحت فيما بعد تشمل قصصاً وحكايات غير كوميدية.
أماكن جديدة
اللافت الآن أن انتشار هذه القصص بات يشمل موضوعات جديدة غير تلك التي اشتهرت بها من حكايات للصغار والشباب تتسم بروح الكوميديا والهزل، إذ صارت تتناول مواضيع جادة فلسفية وأدبية وفكرية، بحيث يتم تحويل مؤلفات وروايات لأدباء ومفكرين إلى قصص مصورة وهي المسألة التي أثارت الجدل والكثير من الأسئلة حول الغاية من ذلك الأمر، خاصة أن الكتاب الورقي نفسه بات محل جدل حول غروب شمسه مع الثورة الرقمية، والواقع أن هذا الاتجاه في التوجه نحو الروايات والقصص المصورة، من قبل البعض، يجد تبريره عند الذين خاضوا هذه التجربة في أن عالم «الكوميكس»، شديد الجاذبية، بحيث أن مؤلفات الكتب المصورة دائماً ما تأتي ضمن الإصدارات الأكثر مبيعاً في مختلف معارض الكتب حول العالم، فكان أن أغرت مؤلفو السير الذاتية والكتب الفكرية والأدبية الجادة في خوض هذه المغامرة والتي لقيت رواجاً كبيراً.
إن الفكرة الأساسية وراء ذلك التوجّه نحو «الكوميكس» هو تبسيط الأفكار والمفاهيم في بعض الأعمال الأدبية والفلسفية المعقدة والتي كادت أن تصبح مهجورة ولا يقبل عليها القراء نسبة لصعوبتها، إضافة إلى مسألة غاية في الأهمية وهي إضافة جمهور جديد من الأجيال الجديدة لقائمة عشاق الأدب الجاد والفلسفة خاصة شباب العصر الراهن الذين يميلون إلى فكرة الصورة أكثر من القراءة الطويلة المتعمقة التي تحتاج إلى زمن وجهد، ولئن كانت هذه الرؤية من شأنها أن تخصم من عملية قراءة المؤلفات التي تعتمد على الحروف والكلمات، إلا أن البعض يرى أنها توسع من مفهوم القراءة نفسه، بحيث لا يصبح محصوراً على الطريقة القديمة، فالهدف، عند هؤلاء، هو المعرفة مهما تعددت الوسائل والطرق.
مغامرات العقل
يشير العديد من الفنانين والنقاد وبعض الكتّاب، إلى أن فكرة القصص المصورة في عالم الفكر والأدب الذي تتجول فيه الأفكار والمعاني الكبيرة، تجمع بين التفكير الفلسفي والسرد البصري، وتلك الخلطة السحرية المعقدة تجعل الأفكار المعقدة أكثر سهولة في الفهم مقارنة بالنصوص التقليدية، حيث بإمكان القارئ خلال التعمق في النص المصور أن يمارس فعل الاكتشاف لعوالم الأديب أو الفيلسوف المعين، كما أن تحويل المفاهيم الفلسفية الصعبة والمركبة إلى حكايات مرئية يمكن القارئ من رؤية الرؤى والأفكار المجردة أثناء صناعتها من قبل الأديب أو المفكر، حيث إن الحديث هو عن وسيلة تجمع بين «الكتابة»، و«الصورة»، ولعل الجانب الأهم في ذلك الأمر الأهم، في هذا المنحى، أن القصص المصورة تجعل الأفكار المجردة ملموسة من خلال الاستعارات البصرية، ولئن كانت الفلسفة تصف المفاهيم بالكلمات فإن «الكوميكس»، في مقدوره إيصال الأفكار المعقدة بشكل عاطفي مما يسهم في الاستيعاب وفي عملية فهم الأسئلة الكبرى التي يطرحها الأدب الملتزم والجاد.
الإنسان «السوبر».
ولعل أشهر القصص التقليدية القديمة التي شغلت الناس وتمت ترجمتها إلى كل العالم هي التي تجسد شخصيات خارقة تعمل على إنقاذ العالم والناس من المشاكل التي يتورطون فيها، فهناك شخصيات اكتسبت شعبية عالمية منها «بات مان»، و«سوبر مان»، و«سبايدر مان»، وغير ذلك من أبطال رسخوا في أذهان الناس بمختلف فئاتهم، وإذا كانت هذه الشخوص قد صممت للأطفال والشباب اليافعين من أجل الترفيه والتسلية، فإن لها جذوراً عميقة في الأدب الجاد والأطروحات الفلسفية الكبرى التي أرادت أن تكون بمثابة انقلاب على الأفكار السائدة وطرق العيش المعتادة، وربما على رأس تلك الفلسفات ما قدمه المفكر نيتشه من أعمال ومفاهيم تعزز من فكرة «الإنسان السوبر»، ومثل هذه الرؤى دائماً ما تظهر في وقت الأزمات وسيادة التقاليد المحافظة، حيث إن إنسان نيتشه القوي وفلسفته برزت كنقيض للثقافة الأوربية والغربية المحافظة والتي يتعمق فيها الصراع الطبقي بين القوى الاجتماعية المهيمنة صاحبة المصالح والامتيازات والقوى المهمشة والفقيرة، فالأخلاق السائدة في ذلك الوقت هي قيم ما أطلق عليهم نيتشه «الأشراف»، وصناع الحروب، فكان أن رفض تلك المفاهيم التي نهضت عليها الثقافة الغربية التي عملت على الحد من حرية الإنسان، وهذا النقد الذي طرحه نيتشه في عدد من مؤلفاته مثل: «غروب الأوثان»، و«ما وراء الخير والشر»، هو الذي قاده إلى فكرة إنسانه المثالي «السوبر مان»، الذي يرفض القيم السائدة ويعمل على تكريس الحرية، فالثقافة الحقة عند هذا الفيلسوف هي التي تزود الإنسان بالقوة و«السرور»، بينما تعمل الثقافة السائدة والمصطنعة على تكبيل حرية المرء لأنها مجافية للطبيعة وقوانين الحياة، فكان أن انقضّ نيتشه بمطرقته الثقيلة على كل ذلك الفساد البشري من أجل عالم جديد، وهو ذات ما يفعله «سوبر مان» أو «بات مان» في القصص المصورة.
لقد مثلت الفلسفة والأدب الجاد الينابيع الأساسية للقصص المصورة، ويرى الكثيرون أن جذور هذه الحكايات التي أسهمت في تنشئة الأجيال لا توجد فقط في أفكار نيتشه بل العديد من الأدباء كذلك أمثال الروائي الروسي ديستويفسكي في أفكاره التي احتضنتها أعماله الإبداعية عن الخير والشر، وأهمية بروز الأشخاص السوبر الأقوياء، وكذلك الشاعر والمسرحي الألماني فريدريك شيلر، الذي صنع شخوصاً قوية وحرّة ولا تستكين للثقافة السائدة فهي تتسم بطابع التمرد وتمتلك قدرات استثنائية توجهها في خدمة الناس، ونلاحظ أن نيتشه في حديثه عن الإنسان السوبر وصفه بأنه الذي يجمع بين القوة والسرور، وربما ذلك ما قاد بشكل أكثر حسماً إلى أن تتخذ القصص المصورة ذلك الطابع الساخر والهزلي والمضحك، في سرد سيرة بطل يتمتع بقوة خارقة، حيث إن كلمة «كوميكس»، نفسها تشير إلى الكوميديا والضحك وذلك من أجل الغاية النهائية في تلك الأعمال وهي المتعة، ليس أثناء القراءة فقط، بل بوصفها أسلوب حياة يمرر ثقل العالم وكوارثه.
أبطال حقيقيون
وإذا كانت الآداب والفلسفة هي الينابيع الأساسية التي ألهمت صناع القصص المصورة والرسوم المتحركة، فإن السنوات الأخيرة شهدت عودة مغايرة لتلك الينابيع بحيث صدرت كتب ومؤلفات تضم قصصاً وروايات مصورة عن شخصيات من لحم ودم في عالم الفكر والإبداع الأدبي، تهدف إلى وضع سيرة لشخوص أثّروا في العالم، وتعمل على إتاحة فهم الحياة بطرق بسيطة، واستكشاف الأفكار العميقة، ولأن فكرة التغيير والثورة ضد القديم من القيم مرتبطة بشكل كبير باليسار وحركات الاحتجاج الجديدة التي تناهض ثقافة العولمة والقيم الغربية القديمة، فقد ظهرت عشرات الروايات والقصص التي تصبّ في ذلك الاتجاه الذي ينشد أفقاً جديداً للإنسان، فكما ذكرنا فإن فكرة الرسوم والصور القصصية ظلت مرتبطة دائماً بالحروب والأزمات وضرورة التغيير، لذلك يبدو أن «الكوميكس»، رغم الاعتراضات الكبيرة والمبررة، يعمل على استعادة الأفكار الواردة في الفلسفات والروايات والأعمال الأدبية الجادة ذات الحمولة الفكرية من جديد بطريقة مبتكرة من أجل أن تصبح ترياقاً وصرخة احتجاجية ضد روح العصر، إضافة إلى الرغبة الملحّة عند الكثيرين في كسر جمود القراءة التقليدية خاصة في مجال الأدب الجاد.
المسخ
ويعد الكاتب التشيكي فرانز كافكا، هو واحد من أكثر الأدباء الذين نالوا اهتماماً متعاظماً من قبل فناني ورسامي «الكوميكس»، نسبة لكونه صاحب نصوص شكلت معالم الأدب والفكر الحديث، ويرى العديد من هؤلاء الفنانين أن كافكا نفسه كان رساماً جيداً، ومن المؤكد أنه كان سيستمتع بتلك القصص المصورة التي تناولت حياته وأعماله، ومن أهم هؤلاء الذين تناولوا عوالم كافكا هو مصمم الجرافيك الشهير بيتر كوبر، خاصة رواية «التحول»، أو «المسخ»، التي صدرت عام 2004، فقد عمل كوبر بهمة إبداعية عالية على إعادة تصور، بطريقة كوميدية رائعة ومظلمة في ذات الوقت، لحكايات كافكا الكلاسيكية عن العائلة والعزلة والحشرة العملاقة، حيث أعادت تلك التصميمات والرسوم الحياة النثرية لكافكا، وأحيت روح الدعابة والإثارة في القصة الأصلية بطريقة مميزة، خاصة ذلك المشهد الذي لا يكاد يفارق ذهن القراء وهو لحظة أن وجد غريغور سامسا، نفسه وقد تحول إلى صرصور وحشي.
العدالة والخير
وهناك الكثير من الروايات المصورة الأخرى التي تحمل ذات المعاني والدلالات مثل «الحراس»، التي كتبها كل من آلان مور وديف جيبونز، وتدور قصة العمل في عام 1985 حيث يواجه «الحراس»، وهم أبطال الرواية، خيارات صعبة بشأن ما هو صواب وما هو خطأ، حيث يتناول هذا الكتاب أفكاراً مثل العدالة والسلطة وما يحدث عندما يحاول الناس فعل الخير، فيما تتناول رواية «حي بعيد»، للياباني جيرو تانيجوتشي، تعقيدات الحياة من خلال قصة رجل أعمال يعود بشكل غامض إلى سنوات المراهقة، أما كتاب «لوجيكوميكس... بحث ملحمي عن الحقيقة»، فهو من تأليف أبوستولوس دوكسياديس، وهو رواية تعمل على اكتشاف الحقيقة الرياضية من خلال قصة الفيلسوف برتراند راسل، وعبر ربط بحث راسل عن الحقيقة الرياضية بحياته الشخصية، فإنه يكشف كيف أن أكبر أسئلتنا الفكرية غالباً ما تنبع من اهتمامات إنسانية للغاية.
العالم العربي
«لقد ظننتها قصة للأطفال»، هكذا تحدث أحد رواد المواقع القرائية معلقاً على كتاب «مقدمات سلافوي جيجك»، من تأليف كل من كريستوفر كول وبييرو، وهو الكتاب الصادر عن دار المتوسط، في عام 2016، ويحمل سرداً مصوّراً لأهم أفكار الفيلسوف جيجك بطريقة مبسطة من خلال الرسومات الكاريكاتورية، ولعل ذلك التعليق يشير إلى غربة الكوميكس في مجال الكتب الجادة في العالم العربي، حيث عرف القراء العرب القصص المصورة الصادرة للأطفال في وقت باكر، واستطاع الكثير من الكتاب ودور النشر إصدار أعمال عربية خالصة إلى جانب المترجمة، أما المؤلفات الجادة فقد دخلت البلدان العربية حديثاً.
غير أن بعض دور النشر العربية قررت الدخول في عوالم الكوميكس للأعمال الجادة الفكرية والروائية من أوسع الأبواب، وذلك من خلال التعاون الذي جمع بين داري نشر «ديوان» و«المحروسة»، والذي أثمر عنه تحويل أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1988، إلى روايات مصورة خلال العام الماضي، على يد الرسام ميجو، من أجل كتابة تاريخ جديد في عالم الكوميكس العربي، ومن أبرز هذه الأعمال رواية «اللص والكلاب»، الصادرة عام 1961وهي من أعمال محفوظ الشهيرة التي تحتشد بالمضامين الفكرية والفلسفية، وكذلك رواية «ميرامار»، الصادرة عام 1967، وتدور أحداثها في الإسكندرية في بنسيون ميرامار، وهي كذلك تحمل تصورات فكرية حيث تزخر بالرمزية من خلال بطلة العمل زهرة التي ترمز إلى المثالية الحديثة المصرية، وأيضاً تم الانتهاء من معالجة رواية «أولاد حارتنا»، وتحويلها إلى رواية مصورة، وتعد أيقونة سردية ومن أهم الأعمال الروائية العربية.
ثورة
وقد وجد ذلك التوجّه الذي يعتبر ثورة في عالم الكوميكس العربي الكثير من التحفظ والجدل في الأوساط الأدبية والنقدية العربية حول إمكانية تحويل أعمال وروايات محفوظ بوصفه قامة أدبية كبيرة إلى قصص مصورة، وهو الأمر الذي ولّد الكثير من الأسئلة حول الغاية من ذلك الأمر وما إذا كان يمثل إضافة حقيقية لإبداع الكاتب الكبير، أم يعد خصماً عليه؟ وفي جهة أخرى يرى بعض النقاد أن الجدل الذي أثير يشير إلى سوء فهم بطبيعة الكوميكس نفسه والذي ارتبط في أذهان الكثيرين بأدب الأطفال، غير أن أسرة محفوظ رحبت بالأمر، بل إن ابنته أم كلثوم، قد أكدت أنه قد تم عرض فكرة مماثلة على والدها عقب فوزه بجائزة نوبل، مفادها تحويل أعماله إلى روايات للأطفال وهو الأمر الذي وافق عليه محفوظ حينها، وأمام هذا الجدل فقد بثت دور النشر تطمينات لمحبي الأديب الكبير، عندما أوضحت أنه قد تم الحفاظ على لغة نجيب محفوظ في الرواية المُصورة، بما في ذلك الحفاظ على تعبيراته والجمل الحوارية، مع تحويرات خفيفة حتى يتم تكثيفها، لكن بالحفاظ على روح العمل نفسها في النص الأصلي، ولعل من أهم الأسباب التي قادت إلى إصدار روايات محفوظ في قصص مصورة هو البحث عن جمهور من الجيل الجديد، إضافة إلى الاستجابة لروح العصر والحفاظ على أدب أحد أهم كتاب المنطقة العربية، حيث سيتم إصدار المزيد من الأعمال بصيغة الكوميكس، وهي فرصة للاطّلاع على عوالم محفوظ من منظور بصري مختلف يرسخ في أذهان الأجيال الجديدة.
محاولات
والواقع أن هذه المحاولات العربية في اتجاه إصدار مؤلفات أدبية جادة كقصص مصورة كانت موجودة، حيث كان من المفترض أن يتم تحويل مؤلفات محفوظ نفسه إلى كوميكس منذ وقت مضى، وقد سبق تلك التجربة تحويل كتاب بعض الأدباء العرب إلى قصص مصورة على نحو ما تم مع رواية «الخبز الحافي»، للكاتب المغربي محمد شكري على يد الفنان عبد العزيز موريد، ولكن نظراً إلى ضعف التوزيع ورحيل كل من الكاتب والرسام، لم تلق التجربة رواجاً كبيراً، وظلت نزيلة الدار التي أنتجتها بالفرنسية ولم تصل إلى المتلقي العربي، رغم نشرها قبل سنوات، وكذلك تم تحويل رواية «اللجنة»، لصنع الله إبراهيم لكوميكس في طبعات عربية وفرنسية، غير أنها لم توزع بصورة كبيرة، وكذلك تم تحويل روايتي البير قصيري «ألوان العار»، و«شحاذون نبلاء»، إلى قصص مصورة، وذلك يشير إلى أن هذا التوجه عربياً مازال في بداياته لكنه يحمل وعداً بالكثير من الأعمال والإصدارات.
دار«المحروسة للنشر»، عملت كذلك على إصدار عدد من المؤلفات العالمية في صيغة الكوميكس، لعل من أشهرها «البيان الشيوعي»، الذي قام بتأليفه كل من كارل ماركس وأنجلس عام 1883، حيث يقوم الرسام العالمي مارتن روسون بتحويل البيان الأكثر تأثيراً في تاريخ البشرية إلى عمل فني مفعم بالأفكار والرؤى، موضحاً كلماته من خلال الأدوات الفنية القادرة على خلق التبصر والدهشة.
وعلى الرغم من تلك البدايات القوية في مجال الكوميكس العربي، إلا أن الجدل كان عاصفاً حول الفائدة المرجوة من تحويل أدب وفكر جاد إلى قصص مصورة، وهو الجدل الذي ربما لن ينتهي قريباً لأنه يعبر عن وجهتي نظر متناقضتين وموقفين مختلفين من الأدب، لكن استمراره على كل حال يمنح الحراك الثقافي العربي حيوية كبيرة وحالة مستمرة من النقاشات التي قد تقود إلى مزيد من الأفكار التي تخدم القارئ والكاتب في العالم العربي.
كسر الحواجز
لقيت الفلسفة بشكل أكثر خصوصية وضعية خاصة في عالم الصور و«الكوميكس»، حيث أشار الفنان والكاتب بن أرجون، إلى أن سرد القصص الفلسفية المرئية هي وسيلة فعالة لفهم الحياة وما تحفل به من مظاهر وأفكار عميقة، وذلك ما دفع أرجون إلى تأليف كتاب بعنوان «المتاهة»، وهو رواية وملحمة وجودية عن حياة وأفكار جان بول سارتر، وقد رشحت هذه الرواية لجائزة «آيزنر»، وهي من الجوائز العالمية القيمة في عالم الأدب، حيث تعمل الرواية على الإجابة على سؤال ما الحياة؟، والذي قد يبدو بسيطاً لكن ظل الناس بمختلف فئاتهم وخلفياتهم الإجابة عليه منذ آلاف السنين، وتعمل الرواية كذلك على تبسيط الأفكار الوجودية المعقدة لسارتر من خلال استعارة بسيطة حيث تتبع الحكاية مصائر فئران محاصرين في متاهة، ومن خلال هذه الحبكة يعمل السرد المصور على طرح أسئلة الحرية والاختيار والبحث عن المعنى، ويرى أرجون أن الفلسفة التقليدية قد تبدو مخيفة، بينما تقدم القصص والروايات المصورة مساراً غير متوقع من خلال الأبطال الخارقين الذين يتصارعون مع المعضلات الأخلاقية أو الشخصيات الكرتونية التي تفكر في الوجود، تحول هذه الأعمال الأفكار الفلسفية المعقدة إلى قصص مرئية تتحدث إلينا مباشرة.
سيرة ذاتية
عملت الأعمال المصورة خلال السنوات الماضية على استعادة سيرة عدد من الشخصيات المؤثرة ربما من أبرزهم الفيلسوف الألماني كارل ماركس الذي تمرد ضد النظام الاجتماعي والثقافة السائدة، حيث كان يدعو إلى التغيير، فهو صاحب المقولة الشهيرة «ليس المهم اكتشاف العالم بل تغييره»، ففي عام 2014، أصدر كورين ماير وآن سيمون كتاباً مصوراً يحمل عنوان «ماركس»، هو عبارة عن سيرة ذاتية تلقي الضوء على حياة هذا الفيلسوف وأهم أفكاره، وعملت تلك الثنائية التي جمعت بين الكاتبين والرسامين ماير وسيمون، على إصدار روايات أخرى لمفكرين كبار منهم عالم النفس الشهير سيغموند فرويد، حيث يضعنا العمل أمام حياة أحد أهم شخصيات القرن العشرين بأسلوب مبسط يشرح نظرياته المعقدة، حيث جاءت استهلالية الكتاب بتعريف هذا العالم الكبير لنفسه بالقول: «أنا فرويد الأب المؤسس للتحليل النفسي، لقد عشت في فيينا منذ مئة عام، أنا مشهور مثل شكسبير أو أينشتاين، وقد كتبت عني آلاف الكتب، لقد استكشفت مناطق مجهولة في العقل البشري»، ولعل الملاحظة الأساسية في هذه القصص أنها مصممة لتقدم لقارئ قد يكون خالي الذهن تماماً عن تلك الشخصيات، وكأن هذه المؤلفات تعمل على اكتشافها من جديد.
0 تعليق