«دق خشوم» و«علكة صالح»... ألعاب مسرحية بمذاق كوميدي - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت مساء الخميس عروض النسخة الـ34 لمهرجان «أيام الشارقة المسرحية»، بعرضين حيث احتضن «بيت الشعر»، عرض «دق خشوم»، لمسرح دبي الوطني، تأليف وإخراج: عبد الله المهيري، بينما استقبل قصر الثقافة العرض الثاني «علكة صالح»، لجمعية الشارقة للفنون الشعبية والمسرح/ المسرح الحديث في الشارقة، تأليف علي جمال وإخراج حسن رجب.
قدم العرض الأول «دق خشوم»، اشتغالات مسرحية متميزة من خلال اتكائه على مفردات تراثية تم توظيفها لمصلحة التأمل في الوقت الراهن من زاوية اجتماعية، حيث إن العنوان نفسه «دق خشوم»، يحيل إلى الموروث الإماراتي أو الخليجي بصورة عامة، و يشير إلى عبارة كانت تستخدم في وقت مضى عن الذي يأخذ حقه عنوة؛ أي رغم أنف الجميع، وكان ذلك مصدر فخر فيما مضى، ولكن مع المتغيرات الحياتية والاجتماعية تحولت مدلولات العبارة، وصار الناس يفخرون بمن يأخذ حقه «حب خشوم»؛ أي عبر القانون والوسائل السلمية، فالعبارة القديمة لا تخاطب إنسان المدينة، الذي صار يلتزم المؤسسية وروح المعاصرة.
*صراع
والعرض يتناول صراع في قالب اجتماعي ينشأ بين أسرتين الأولى «أصحاب الخشوم الطويلة»، والثانية «أصحاب الخشوم القصيرة»، وكانت كل من العائلتين تعير الأخرى بأنوفها الطويلة أو القصيرة، وتجري الأحداث في العمل في هذا القالب الفكاهي الذي يخبئ وراءه العديد من الدلالات الاجتماعي ويحتشد بالمواقف الفكرية التي يصوغها العرض ببراعة عبر توظيف العديد من التقنيات، فضلاً عن استلهام التراث من خلال الموسيقى والأهازيج الشعبية المصاحبة للعمل منذ انطلاقته إلى نهايته، وكذلك الرقصات المعبرة عن فكرة العرض الذي استهل بأدائية جسدية استعراضية في غاية الإتقان.
وعلى الرغم من الصراع المحتدم بين العائلتين إلا أن علاقة حب تنشأ بين شاب وشابة ينتميان إلى الفريقين، الفتى من عائلة «أصحاب الخشوم الطويلة»، بينما الفتاة من الأسرة الأخرى، ويكافح كل من الشابين من أجل تكليل علاقتهما الغرامية بالزواج رغم الاعتراضات الكبيرة من قبل العائلتين المتخاصمتين، ولكن في النهاية ينتصر الحب بالزواج، ويتناول العمل كذلك عدداً من الإشكالات الاجتماعية من تقاليد بالية وعادات ضارة ويركز بشكل كبير على سيطرة الآباء على الأبناء والعائلات على النساء بصورة أكثر خصوصية.
*مقاربات
مخرج العمل، وهو الكاتب في الوقت نفسه، تصدى للنص بالعديد من التقنيات والأساليب والأفكار، وركز بشكل أكبر على توظيف المجاميع الكبيرة التي احتشدت بها خشبة المسرح، و نجح بجدارة كبيرة في إدارة تلك المجاميع، كما وظف قطع ضخمة من الديكور وعلى الرغم من حالة الفوضى الظاهرية على الخشبة، إلا أن الحركة كانت في غاية الانسيابية رغم الاندفاع الكبير من قبل الممثلين الذي قدموا أدائية متميزة ورفعوا من قيمة العرض وخلقوا حالة تواصل مع المتفرجين، وكان اللافت كذلك توظيف الموسيقى والرقصات الاستعراضية في التعبير عن الصراع، وكذلك عن المعاني التي حملها العمل والتي تصب في اتجاه أن تسود قيم الخير والحب بين الناس، وأن يتحول الصراع إلى علاقة إنسانية أساسها التسامح والتعاون بين الجميع، واحتشد العمل بالعلامات والرموز الدالة على تلك المعاني التي عمل على إيصالها وتحقيقها.
*لوحات مجنونة
أما العرض الثاني «علكة صالح»، فقد استخدم فيه المخرج حسن رجب كل الأدوات الإخراجية اللازمة لصناعة عمل يرسخ في أذهان جمهور المسرح، وتكون العرض من لوحات متتابعة شديدة الجنون ومحتشدة بالمفارقات العجيبة، في إيقاع سريع ومتتابع، ومن ضمن الأفكار المبتكرة التي جعلت العرض أكثر تميزاً هو توظيف الممثل الكبير إبراهيم سالم في دور يشبه فكرة الراوي، لكن بصورة أكثر ابتكاراً، حيث قام بمهمة السارد والمعلق على الأحداث والشاهد على التفاصيل المختلفة.
وكان الاستهلال أكثر روعة من خلال العزف على آلة البيانو بطريقة تظهر الأصابع التي تمارس عملية العزف فقط، جرى ذلك لمدة قصيرة أثارت انتباه المشاهدين وشوقتهم لمتابعة أحداث العرض.
فكرة العمل نفسها من خلال النص كانت كذلك غير مطروقة بكثرة، حيث ينفتح العرض على مشهد ورقة معلقة على الجدار، ورويدا رويدا يحتشد الناس حول تلك الورقة، ثم يأخذ كل واحد منهم في تفسير محتوى الورقة على النحو الذي يوافق هواه، فكان أن انقسموا إلى فريقين، يضم الأول «جماعة المعترضين»، وهم الذين اعترضوا على محتوى الورقة ووجدوا فيها الشر الكبير، والأخرى هي «جماعة المؤيدين»، الذين أيدوا ما جاء في تلك الورقة، لينشأ صراع بينهما ويحتشد الشارع بالهتافات من قبل المجموعتين.
ومن خلال هذه حكاية الورقة هذه تتكون المشهديات المتتالية في الطرقات والمقاهي، فنجد مشهد رجل دين يخطب في الناس بمضمون الورقة، وشاب يتحدث إلى زوجته عن ذات المسألة، وهكذا، وهنا يكمن جنون العرض وفرادته في توظيف الكوميديا والتقاط المفارقات من خلال قصة الورقة التي لم يكشف العرض عن محتواها.
وبعد أن ذاع أمر الورقة، عقدت السلطات اجتماعاً للنظر في أمرها ووجهوا بالمراقبة وحراسة الجدار ومنع الاقتراب منه، من أجل القبض على الشخص الذي قام بذلك الفعل، ليكتشفوا أن من قام بإلصاق الورقة على الجدار، وهو العم صالح عامل النظافة، ليتم القبض عليه، ليقدم مرافعة كبيرة عن الأوراق التي كان يجدها في الطرقات في كل مرة، وكلها تحمل أموراً خطرة، أما هذه الورقة التي قام بإلصاقها بعلكته على الجدار، فلم تكن تحمل إلا محتوى تافهاً ليس فيه أمر خطر، وفي مشهد فكاهي يطالب العم صابر بسجنه وإطلاق سراح الجدار.
العمل يحتشد بالحمولات الاجتماعية والثقافية، واللافت فيه فكرة الجدار نفسها والتي تحتمل العديد من التأويلات حول ما ترمز إليه، و يقدم العمل نقداً لوسائل الإعلام في العصر الراهن، والتي تعمل على تأجيج الصراعات عبر الاهتمام بالشائعات.
*توظيف
تصدى حسن رجب للعمل برؤى إخراجية مختلفة وغير مطروقة تعتمد على صناعة الدهشة، فكان أن وظف الرقص الأدائي والموسيقى والحركة السريعة بما يخدم إيقاع العمل، إلى جانب ديكور مقتصد يعتمد على وجود الجدار الذي دارت فيه وحوله الأحداث، وكان اللافت تلك الكوميديا القاتمة التي تحمل المفارقات، بحيث تحرض على الضحك رغم الأوجاع، و مارس العديد من الفكرية، واستطاع الأداء التمثيلي الراقي أن يحقق شروط الفرجة من خلال العلاقة القوية التي نشأت بين الجمهور والخشبة، ولكل تلك الأسباب وجد العمل إشادة وإجماع كبيرين من قبل النقاد في الندوة التطبيقية التي تلت العرض.

أخبار ذات صلة

0 تعليق