«عرائس النار» و«فئران القطن»... حكايات تراوغ الجمهور - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود
احتضن كل من قصر الثقافة وبيت الشعر في الشارقة، مساء أمس الأول الجمعة، ضمن فعاليات «أيام الشارقة المسرحية 34» عملين مسرحيين، الأول بعنوان «فئران القطن»، لمسرح دبي الأهلي، تأليف وإخراج علي جمال، والثاني بعنوان «عرائس النار»، لمسرح خورفكان للفنون، تأليف باسمة يونس، وإخراج إلهام محمد.
اللافت للانتباه في العرضين هو اتكاؤهما على حكاية تحمل العديد من الدلالات والرموز التي تراوغ المشاهد، وتحتاج إلى تفكيك وتأويل عميق، حيث لم يخل العملان من الحمولات الفكرية والظلال السياسية الاجتماعية، وكذلك الجرعة النقدية الكبيرة، واستطاع العملان أن يمررا تلك الأحمال والعوالم الثقيلة عبر معالجات إخراجية مميزة، والملاحظة الأخرى هي تزايد أعداد الحضور بصورة كبيرة.
العرض الأول «فئران القطن»، هو من الأعمال خارج المسابقة، وهو محمل بكثير من الأفكار والرؤى، حيث يحتشد النص بالرمزيات حمالة الأوجه بحيث يصعب تأويلها، وربما تكون هذه نقطة في غير صالح العمل الذي كان من المفترض أن لا يبخل بالإفصاح أو صناعة العلامات الدالة على الحدث الدرامي.
يتكئ العرض على حكاية أخذت طابعاً مسلياً، وتتمثل في أن قرية من القرى، قد هاجمتها قطعان من الفئران الشرسة التي استهدفت محصول القطن والذي هو المورد الوحيد للسكان الذين تعبوا في زراعته وينتظرون حصاده، وعجز الأهالي عن إيجاد حل يبعد تلك الفئران عن المنطقة، إلا أن الحل جاء من رجل غريب من منطقة مجاورة، حيث استطاع القضاء على الفئران بواسطة السم.
حكاية النص قد تثير العديد من التساؤلات من قبيل: إلى ماذا ترمز الفئران؟ ولماذا جاء الحل عن طريق شخص غريب؟ الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام التأويلات المختلفة والإسقاطات التي قد تأخذ أبعاداً أيديولوجية أو ربما سياسية، وقد أشار عدد من المتحدثين في الندوة التطبيقية التي تلت العرض إلى مسألة القضاء على تلك الفئران عبر السم، وما إذا كان ذلك يشير لفكرة القتل أو الانتقام أو غير ذلك من الأدوات السالبة، خاصة أن هذه الحكاية قدمت لتعكس فكرة معينة، لكن بطبيعة الحال فإن كثيراً من المخرجين وصناع المسرح يفضلون أن تكون هناك ثقوب وفراغات يملؤها المتلقي برؤيته الخاصة، ولعل هذا العرض من ضمن الأعمال التي تصب في هذا الاتجاه الذي يشرك المشاهد في أفكاره وأحداثه.
بطولة
وفي ما يبدو أن البطل في هذا العرض هو ذلك الرجل الغريب الذي حمل مفتاح الحل لنهاية عذابات أهل القرية، وتوظيف «الغريب» في الأعمال المسرحية والأدبية يحمل العديد من الدلالات منها الحكمة.
احتشد العمل بالكثير من الجوانب الإيجابية والمضيئة خاصة الأداء التمثيلي المميز والذي عبر عن الحالات التي تضمنها العرض، فثمة إيقاع جيد للممثلين وتفاعل كبير وسرعة في الأداء والتسليم والتسلم، الأمر الذي خلق علاقة إيجابية بين الخشبة والجمهور، كما دفع المخرج بالكثير من المعالجات والمقاربات وتوظيف تقنيات مسرحية بصورة جيدة خاصة فكرة «الصندوق»، الذي انتصب في وسط الخشبة وحمل رمزية الآمال والأحلام المنتظرة والوعد بغد أفضل لسكان تلك القرية. ولعل اللافت كذلك، ضمن الحلول الإخراجية، هو توظيف السينوغرافيا بشكل جيد، وكذلك حركة المجاميع التي كانت محكمة بصورة كبيرة، حيث ضجت الخشبة بالحركة المتواصلة مع إيقاع سريع متواصل ومتصاعد، وهو الأمر الذي من شأنه أن لا يصنع حالة من الملل، حيث حفل العرض بالعديد من اللمسات الجمالية المبتكرة والمشهديات والصور المتعاقبة مع إنارة جيدة وتوظيف للموسيقى بما يخدم الحدث الدرامي، وهي عوامل استطاعت أن ترفع من مستوى العرض كثيراً، رغم مراوغة النص.
هيمنة
العرض الثاني، «عرائس النار»، وهو من ضمن عروض المسابقة، حمل هو الآخر العديد من الرؤى والإسقاطات الاجتماعية خاصة في ما يتعلق بقضايا النساء والهيمنة الذكورية عبر سلطة الأب أو البيت، كما عكس العديد من المشاعر النسائية السالبة مثل التنافس والغيرة التي قد تتعدد أسبابها.
ويجسد العمل حكاية رجل لديه ثلاث بنات، توفيت والدتهن وهي تضع الأخت الصغيرة «مزنة»، وذلك الأمر ولد نوعاً من الحقد على تلك الفتاة من قبل أختيها مريم وميثاء خاصة أنهما تشعران أن شقيقتهما قد تسببت في موت والدتهما، وتعززت تلك الغيرة وذلك الحقد بسبب الحب الشديد الذي يحمله الوالد تجاه ابنته الصغرى دون الأخريات، فقد خصها بالحنان أكثر وأراد أن يزوجها بشخص يختاره هو، وأمام ذلك الواقع قامت كل من الفتاتين بتدبير مكيدة ضد أختهما مما أوغر صدر الأب على الفتاة الصغيرة فقام بقتلها، ليتقلب بعدها في نيران من الندم حيث لا ندم ينفع.
حمل نص العمل العديد من القضايا النسوية ما بين سلطة الأب التي تمثل الهيمنة الذكورية المغلفة بسياج ناعم من مشاعر الحب والحنان، وما بين إرادة النساء المغلولة وعدم تمكنهن من الاختيار، فهن كما يبدو في النص مسيرات لمشيئة الرجل «الأب»، لا مخيرات، وحتى تلك المشاعر السالبة التي يحملنها من غيرة وحقد وما شابه، هناك دائماً سبب لها، يعود للحياة التي عشنها في كنف والد كان يفضل واحدة من بناته على الأخريات، فتلك المشاعر هي نتاج تلك الظروف، وحتى طيبة قلب الفتاة الصغيرة «مريم»، ناتجة عن كونها قد نشأت وسط تلك المحبة الغامرة من قبل والدها، ولئن كانت القصة تبدو تقليدية بعض الشيء لكنها تحمل العديد من الإشراقات رغم البكائية العالية وحالة الحزن، إضافة إلى أن النص نفسه يقبل التأويلات المتعارضة، وبالتالي يحمل نوعاً من المراوغة، وقد أشار بعض المتدخلين في الندوة النقدية للعرض إلى أن النص اقترب كثيراً من عوالم وليم شكسبير في بعض استعاراته، خاصة مسرحية «الملك لير»، وربما ما يعزز ذلك ظهور الأشباح «شبح الأم»، والاستعانة بالأطياف للتعبير عن الحالات النفسية للفتيات.
مقاربات إخراجية
نجحت المخرجة إلهام محمد في وضع العديد من المقاربات والحلول التي تمكنت بها من تمرير الحالة البائسة والبكائية ومشاعر الحزن، فقد قدمت لمسات رومانسية حالمة خاصة في توظيف الأغاني العاطفية والموسيقى والرقص للتعبير عن الحالات الإنسانية المتباينة بحيث تم التخلص من الحواريات المطولة إلا بما يخدم العمل، وفي هذا السياق تم توظيف ديكور يتناسب مع القصة يعتمد على وجود منزل في شكل صندوق بحيث يفسر وضعية تلك الأسرة التي تعيش حالة حزن متواصل، كما كان الأداء التمثيلي غاية في الروعة خاصة الممثل الكبير عبد الله مسعود الذي قام بدور الأب، وعذارى السويدي في دور «مزنة»، بسينوغرافيا مبهرة ومصممة بطريقة مبتكرة، وكل تلك العوامل تضافرت لتنجح في صناعة عرض سيبقى في ذاكرة المشاهدين كثيراً.

أخبار ذات صلة

0 تعليق