الثلث يحاور النسخ... الحروف طمأنينة للنفس - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود
وصل العديد من الخطاطين المبدعين إلى درجات عالية من الإتقان في صنع اللوحات والتكوينات الحروفية، وذلك عبر ممارسات فنية غاية في البراعة تضع في اعتبارها أن يكون العمل معبراً بصورة إبداعية عن النص وروحه، لذلك مزجوا بين أكثر من خط واحد في اللوحة، وفيهم من صاغ جمالياته بمقترحات تجمع بين الخط وأشكال أخرى من الفنون الإسلامية مثل الزخرفة والتذهيب وغير ذلك من إبداعات، الأمر الذي يضيف إلى اللوحات الخطية الكثير من الأبعاد الجمالية والفكرية.
ويعد التركي محمد أوزجاي، أحد أميز فناني الخط العربي، وعرف بممارساته الجمالية التي تحاول أن تتبع تصاميم وأفكاراً جديدة مع الحفاظ على قواعد الخط العربي وقوانينه المتوارثة، وهو من الفنانين الذين عرفوا بالمزج بين الخطوط، بحيث تحمل اللوحة أو التصميم أو التكوين أكثر من رؤية.
ومن اللوحات البديعة لأوزجاي تلك التي خط فيها الآية الرابعة من سورة الحديد «وهو معكم أين ما كنتم»، ويمزج فيها بين خطي «الثلث»، و«النسخ»، والعمل يحمل في طياته حوارية غاية الإبداع، حيث أن تلك المحاورة هي بين خصائص هذين الخطين ومميزاتهما؛ إذ إن الثلث، هو شديد الصعوبة جهة القواعد والموازين، كما أنه يتميز بالمرونة، وفي ذات الوقت، متانة التركيب وبراعة التأليف، ومن ضمن خصائصه المعروفة أن بالإمكان تركيب جملته بعدّة أشكال بحسب الحروف، وتلك من المميزات الفريدة، وفي هذا السياق، فإن لكل فنان في مجال الخط أسلوبه في الكتابة بالثلث تميّزه به عمّن سواه من الخطاطين، الذين يبدون اهتماماً برسم أي حرف من حروفه، ومن المحاذير المعروفة لدى الفنانين في التعامل مع هذا الخط، أن أي إهمال حتى لو كان بسيطاً من شأنه أن يشوّه جماليات اللوحة، كما يتسم الثلث كذلك بمميزات أخرى تتضمن الحركات الإعرابية، وتكتب التشكيلات الخاصّة بخط الثلث بقلم آخر عرضه ربع عرض القلم الأصلي، وعلى الخطاط أن يراعي كيفية توزيع هذه الحركات والتشكيلات توزيعاً فنيّاً سليماً في اللوحة.
أما النسخ، فقد ابتكره العباسيون على يد ابن مقلة، هو أحد أبرز وأجمل الخطوط العربية، ويعتبر من الخطوط الأكثر استخداماً كونه استخدم في كتابة القرآن الكريم، ويتميز بالسهولة واليسر، ومن أهم خصائصه الاستقامة وتناغم الأشكال، و تظهر فيه الحروف بأناقة وتناسب فيما بين بعضها البعض بطريقة جميلة، كما أنه يعد من أبسط الخطوط، وقراءة الأحرف فيه لا تشكّل عبئاً على حديثي التعلم، ويشكل أسلوباً رائجاً للكتابة العربية في العديد من السياقات، بدءاً من الوثائق الرسمية، ووصولاً إلى المصحف الشريف.
*تدبر
واللوحة تعبر عن تلك الحوارية الرائعة بين الخطين من أجل أن يخرج النص بشكل شديد البهاء والألق، فالآية القرآنية تحمل العديد من الدلالات الروحية العميقة، فهي تشير إلى قرب الله تعالى من عباده، يلجؤون إليه في كل أحوالهم من شدة ويسر، فهو قريب يجيب دعوة الداعي والمضطر، وتلك هي المعاني الجمالية التي حاول أن يعبر عنها الخطاط عبر ذلك المزج المتقن بين خطي الثلث والنسخ، بخلفية صفراء من أجل وضوح النص، وحتى يركز المشاهد بصورة أكبر من أجل أن يتدبر معاني الآية الكريمة ويتأمل في عظمة الله عز وجل، وكذلك ليقف شاهداً على براعة هذا الخطاط المتقن لعمله.
ولعل اللافت في اللوحة هو ذلك التوزيع المدهش للخطين؛ إذ جاءت عبارة «وهو معكم»، محمولة على أحرف «النسخ»، بمميزاته الهندسية التي تحمل طابع استدارة الحروف، بينما جاءت جملة «أين ما كنتم»، بخط الثلث، حيث تتمدد الأحرف وتبدو أكثر وضوحاً، لكن الخطاط يعود مرة أخرى يكتب عبارة «أين ما كنتم» بحجم صغير وفي أطراف اللوحة أكثر من مرة، بخط النسخ في تبادل يعكس جماليات العمل بدقة متناهية، وهذا التكرار كأنه صدى يتردد في فضاء اللوحة ليؤكد المعنى والمتمثل في أنه جل شأنه معنا في كل مكان.
*إضاءة
الخطاط محمد أوزجاي من مواليد عام 1961 ببلدية «شيقر» بولاية «توبزوت» التركية على الساحل الشرقي للبحر الأسود، نشأ في أسرة متدينة تعشق الخط العربي، ودرس في ثانوية الأئمة والخطباء وتعلم فيها اللغة العربية وكيفية كتابتها، تخرج في كلية الشريعة بمدينة «أرضروم» مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وبعد تخرجه سافر إلى إسطنبول لتعلم الخط العربي وتفرغ لكتابته، وتتلمذ على يد فؤاد باشار تلميذ الخطاط حامد الآمدي وتعرف إلى د. اوغور درمان الخبير الأول في فنون الخط العربي واستفاد من خبرته العملية، وله العديد من المعارض والمشاركات الكبيرة في مختلف أنحاء العالم، كما فاز بالكثير من الجوائز.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق