نوبل للآداب.. أسيرة المركزية الغربية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود

«نوبل للآداب»، تعد أرفع الجوائز في مجال الكتابة الإبداعية مثل الشعر والمسرح والفلسفة والفكر والسيرة الذاتية واللغة والمقالة والسرد بمختلف أشكاله، وهي جزء من جوائز تمنح في ضروب علمية ومعرفية متنوعة، من قِبل مؤسسات سويدية ونرويجية، تقديراً للإنجازات الأكاديمية أو الثقافية أو العلمية، حيث يُعد الأب الروحي لجائزة نوبل هو السويدي، ألفريد نوبل، مخترع الديناميت الذي قام بالمصادقة على الجائزة السنوية في وصيته التي وثّقها في نوفمبر 1895، وقد مُنحت الجوائز في الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب لأول مرة في عام 1901.
على نطاق واسع تُعتبر نوبل من أكثر الجوائز المرموقة الممنوحة في مجالات تخصصها ومن أشهرها المجال الأدبي الإبداعي، نسبة للبُعد الشعبي والجماهيري في متابعة أعمال الأدباء والكتاب، فهي بخلاف المنجزات العلمية في مجالات الاختراعات والطب وحتى السلام، تجد جائزةُ الآداب اهتماماً أكبرَ من الأشخاص العاديين المحبين للقراءة في مختلف أنحاء العالم، لذلك يُعتبر يوم إعلان الفائز بالجائزة تاريخاً له خصوصيته بالنسبة للقراء وكذلك للكاتب نفسه حيث يُعد منعطفاً جديداً في حياته الأدبية ومسيرته الإبداعية.


ولعل الملاحظة التي لن يتخطاها أي متابع ل«نوبل للآداب»، تحديداً، هي أن قائمة الفائزين منذ انطلاقتها الأولى ظلت في قبضة الأدب الغربي، حيث إن معظم الفائزين في وقت باكر هم من أبناء الثقافة الغربية سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تخرج عن هذا النطاق الجغرافي إلا لماماً وفي حالات نادرة، حيث لم تكسر تلك الهيمنة الإبداعية الغربية منذ عام 1901، إلا في عامي 1966، حيث ذهبت لكاتب إسرائيلي، و1968، عندما منحت للياباني ياسوناري كواباتا، وقد ورد في سيرته أنه قد انتمى مع عدد من الكتاب الشبان إلى مدرسة أدبية جديدة سُميت «عصر الأدب»، وكانت رد فعل على المدارس الأدبية اليابانية الراسخة القديمة، خصوصاً المدرسة الطبيعية، بينما وقفت في الوقت عينه ضد أدب العمال أو المدارس الاشتراكية، وهذه نقطة شديدة الأهمية في مسيرة هذه الجائزة، حيث إن الأبعاد الأيديولوجية والفكرية تلعب دوراً مهماً في منحها، إذ أن معظم الأدباء الذين فازوا بها كانوا على وفاق مع الفكر الرأسمالي والغربي الرسمي السائد، حيث إن الجائزة في مجمل الأوقات لا تمنح من أجل المنتج الأدبي نفسه، بل العوالم التي يدور حولها والأفكار التي تقف وراءه، لذلك انتظر العالم طويلا، أي ما يقارب ال66 عاماً ليعتلي منصة الجائزة كاتب خارج العالم الغربي.
شروط خفية
الأمر الأكثر وضوحاً في مسيرة الجائزة أن هناك شروطاً غير معلنة وراء منحها للفائزين بها، فبصورة عامة لا مجال للصدفة، أو العطاء الإبداعي فقط دون خلفيات أخرى للصعود لمنصة الجائزة، أما الغرباء، أي الذين لا تنطبق عليهم تلك الشروط الخفية، فيظلون ماكثين على باب الرجاء ما بين عسى ولعل، فلئن خرجت الجائزة في عام 1966، صوب قارة آسيا، فإن ذلك الأمر لم يكن انفلاتاً كاملاً عن المركزية الغربية، حيث إن هناك أشياءً تمت مراعاتها وعلى رأسها البعد الفكري والأيديولوجي، لذلك ظلت الجائزة تُمنح في بعض الأحيان بصورة قد تبدو غير مفهومة لأشخاص ليسوا هم الأفضل، وهو ما يُولّد الكثير من اللغط، حيث لا تخلو المسألة من الكثير من المفاجآت والمفارقات العجيبة، ففي عام 2020، فازت بالجائزة الأمريكية لويز غلوك التي لم تكن معروفة بشكل واسع خارج حدود الولايات المتحدة، كما لم ينجح فوزها بالجائزة العالمية في إكسابها الشهرة اللائقة، لكن من الأشياء التي لم ينتبه إليها الكثيرون أن غلوك تعتبر من الأدباء المحافظين، فأعمالها تُعد معبرة عن الثقافة والتقاليد الرسمية، ففي عام 2003، إبان حقبة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، لُقِّبت بشاعرة الولايات المتحدة الأمريكية، أو شاعرة العائلة الأمريكية، حيث أبرزت الأكاديميةُ السويدية أثناء تعليقها على منح غولك الجائزة لهذا العام دورَ غلوك في موضوعات «الطفولة والحياة الأسرية، والعلاقة الوثيقة مع الوالدين والأشقاء»، التي تُركِّز عليها في أعمالها، ويدعم وجود النزعة المحافظة، وهذا سياق مهم في فهم كيفية منح الجائزة، فمن المهم أن يكون الكاتب معبراً عن القيم والتقاليد الغربية حتى إن كان مغموراً أو معروفاً في إطار جغرافي ضيق، وهذه أشياء ومعايير من شأنها أن تغطي على الكثير من الجوانب السلبية في مسيرة المؤلف أو المبدع، حيث تتجاوز الجائزة سيئات الكاتب مادام بقي وفياً للثقافة الغربية.
مفارقات الجائزة لا تكاد تتوقف، فعلى الرغم من أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل حصل على نوبل في مجال السلام، لكنه حصل بالفعل على الجائزة في عام 1953 في الأدب، وقد ورد في أسباب منحه الجائزة: «لإتقانه للوصف التاريخي وكذلك لخطاباته الرائعة في الدفاع عن القيم الإنسانية السامية»، والحقيقة أن تشرشل لم يكن معروفاً ككاتب بل كسياسي وأحد أبرز وجوه الاستعمار الغربي والمدافع الصلد عن القيم الغربية.


تمثل
ومن الممكن القول، بكل واقعية، إن معظم الفائزين بالجائزة، حتى من خارج الغرب والولايات المتحدة، هم من الذين تمثلوا الحضارة والثقافة الغربية وأعجبوا بها وعبروا عن ذلك الأمر في كتاباتهم ومواقفهم الفكرية والسياسية، ففي عام 2010 فاز بالجائزة ماريو فارغاس يوسا، وعلى الرغم من كونه من أكبر كتاب أمريكا اللاتينية، ولا شك أنه يستحق أكبر الجوائز، إلا أن الكثير من النقاد وجدوا أن حماس يوسا للقيم الغربية والرأسمالية والديمقراطية، كانت من العوامل الحاسمة لفوزه بالجائزة، ويبرز هنا عامل مهم جداً، وهو أن هذه الجائزة ظلت تذهب خارج حدود أمريكا وأوروبا، إلى مؤلفين مارسوا فعل الكتابة باللغات الغربية مثل الإنجليزية والفرنسية أو حتى الإسبانية، وهذه مسألة لافتة، حيث من النادر أن يفوز بالجائزة كاتب من أفريقيا أو آسيا ظل يكتب بأحد اللغات المحلية وتُرجمت أعماله إلى الغرب، ولاشك أن اللغة تحضر كعامل مهم في تمثل الحضارة والثقافة وتعزيز الهيمنة الإبداعية الغربية، ويمكن من هذه الزاوية أن نقرأ كيف فاز على سبيل المثال عبد الرزاق جرنج، فهو من المؤلفين الذين سافروا في وقت باكر إلى الغرب، وظل يكتب باللغة الإنجليزية، وحتى التركي أورهان باموق، أثار فوزه الكثير من الجدل، فحتى لحظة حصوله على جائزة نوبل لم يكن مقروءاً بشكل كافٍ داخل تركيا، فضلاً عن خارجها، إذ يرى الكثيرون أن باموق من الكتاب الذين عبروا في أعمالهم عن المخاوف الغربية من تركيا الحديثة التي بدأت تستعيد صورتها المحافظة التي تخلت عنها بشكل قسري بداية القرن العشرين، وهناك العديد من المؤلفين الذين كانت مثل هذه الرؤى المتقاربة مع الغرب بمثابة إشارة مرور لنيل الجائزة. 
مقاومة
وقد جلبت هذه المركزية القابضة والتسييس الواضح، الكثير من النقد، حتى داخل أوروبا نفسها، خاصة من قبل الأدباء الذين يحملون أفكاراً مختلفة عن تلك الرسمية السائدة في الغرب، ما دفع بعضهم إلى رفض الجائزة عندما أعلن عن فوزهم بها، وعلى رأس هؤلاء الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو، والروسي بوريس باسترناك صاحب رواية «دكتور زيفاغو»، وكذلك الأديب والفيلسوف الشهير جان بول سارتر، ومعظم هؤلاء مؤلفين عرفوا بانتماءاتهم الأيديولوجية المناقضة للرأسمالية أو حتى الهيمنة الغربية في الأدب، ويرى الكثيرون أن السياسة والأيديولوجية كانت وراء تهميش وإبعاد العديد من المؤلفين حتى داخل الثقافة الغربية، تمتعوا بسمعة كبيرة وكان لهم إسهامهم الذي لا يمكن تجاوزه بأية حال من الأحوال ومنهم: ليو تولستوي، وإميل زولا، وأنطون تشيخوف، وكازنتزاكى، ولويس بورخيس، وجيمس جويس، وجوزيف كونراد، وإمبرتو إيكو وجورج أمادو، وهذا الأخير كان له موقف معلن من الجائزة، حيث قال: «أنا لن أكون سعيداً إذا فزت بها»، فقد كان يتمنى ألا تصل إليه نوبل، في حين لم يفعل ذلك مع الجوائز العالمية العديدة، التي كان من بينها جائزة «ستالين» للسلام، وجائرة «لويس دي كاموس» البرتغالية الرفيعة عام 1995، وجائزة «سينو ديل دوكا» عام 1998، وجائزة «بابلو نيرودا» موسكو 1994، أو حتى عند نيله عام 1983 عضوية فيلق الشرف الفرنسي، ما يشير إلى أن «نوبل»، قد صنعت في نفوس العديد من الكتاب غير المنسجمين مع الهيمنة والمركزية الغربية الكثير من المشاعر السلببة تجاهها، لكن على كل حال، فإن الجائزة عرَّفت العالم بكتاب كثيرين ولفتت إلى أعمالهم.
الشعبية
وعلى الرغم من الحرص على أن تذهب الجائزة إلى كتاب خدموا المركزية الغربية القابضة والمهيمنة حتى يومنا هذا، وتمثلوا قيمها وثقافتها، إلا أن الجائزة في أوقات نادرة ذهبت إلى كتاب ربما كانوا على النقيض من تلك المركزية، حتى داخل أوروبا وأمريكا، لكنهم على كل حال كانوا مبدعين حقيقيين وتمتعوا بجماهيرية كبيرة في بلدانهم وخارجها، وربما أفلحت تلك الشعبية في هزيمة التحيز الغربي، ومن هؤلاء هناك بوب ديلان، والكولمبي غارثيا ماركيز، ويأتي في هذا السياق كذلك العربي الوحيد نجيب محفوظ، على الرغم من أن عوالمه تغوص في أعماق الحواري وعوالم المهمشين، وأيضاً هناك النيجيري وول سوينكا.
أرقام 
وبصورة عامة فإن الجائزة ذهبت خارج أوروبا والولايات المتحدة، في ومضات خاطفة تجاه أمريكا الجنوبية بصورة أكبر، ثم آسيا وأفريقيا، فيما كان الحضور الأبرز في منصة الجائزة للأدباء الغربيين، فأول جائزة في عام 1901، كانت من نصيب الفرنسي رينه سولي برودوم، ليبلغ عدد الفرنسيين الفائزين بالجائزة 16 كاتباً، ومن أمريكا 12، ومن ألمانيا 8، و4 من النرويج، و6 من إسبانيا، و4 من بولندا، و4 من أيرلندا، و4 من روسيا، و2 من الدنمارك، و2 من النمسا، و6 من إيطاليا، و11 من بريطانيا، و6 من السويد، و3 من اليابان، و2 من الصين، و2 لجنوب أفريقيا، و2 من أستراليا، وجائزة واحدة من نصيب بلجيكا، والهند، وفنلندا، وتشيلي، وكولمبيا، وكندا، ، ونيجيريا، ومصر، واليونان، وسانت لويس، كوريا الجنوبية، والبرتغال، والمجر وتركيا وبيلاروسيا، وسويسرا، وآيسلاندا، وغواتيمالا، ويوغسلافيا السابقة، وإسرائيل، وتنزانيا، مع مراعاة أن بعض الفائزين يحملون جنسيتين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق