الشعر بقافية مغربية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: يوسف أبولوز

وضعت أمامي خريطة طريق للشعر في المغرب بدأت منذ القرن السادس عشر، وإلى نهاية سبعينات القرن العشرين بحسب سنوات ميلاد الشعراء.. ذلك هو المرجع الذي اتخذته في هذه الإطلالة البانورامية على ديوان العرب في المغرب، أي مرجع عام الولادة لكل شاعر، وبالطبع سيصنّف هذا الشاعر من حيث المجايلة الشعرية بعد عشرين أو ثلاثين عاماً من ميلاده، وهذه المجايلة تركتها لاجتهاد القارئ، وعلى سبيل المثال، فإن الشاعر الذي ولد في العام 1940، هو من جيل 1960 أو 1970 أو بين 1965 و1970، وهي مسألة حسابية ضرورية لكي نربط ربطاً دقيقاً وعلمياً بين هؤلاء الشعراء الذين يتجاوزون السبعين شاعراً.
ثقافة صوفية واضحة عند الكثير من كتاب القصيدة
أستنتج أن كل هذا الصف الطويل من الشعراء ليس فيه سوى شاعرة واحدة أو اثنتين فقط لا غير، وبالتالي، أقول سريعاً إن الشعر في المغرب ذكوري الهوية الجندرية وربما يعود هذا الأمر إلى أسباب عديدة منها أن المرأة تعيش في بيئة اجتماعية محافظة، وبخاصة في فترة الحماية الفرنسية في المغرب التي امتدت من العام 1912، وحتى العام 1956. في ظروف الحرب والتوتر والنزاعات تنكفئ المجتمعات على نفسها على شكل حماية أخلاقية، وهنا تظهر الحساسية البالغة تجاه المرأة.. أضف إلى ذلك نسبة التعليم وظاهرة الأمّية الأبجدية وغيرها من عوامل تؤدي بالتراكم إلى تراجع بل انعدام صوت المرأة الشعري.
تفقه
حين قرأت نصوصاً نادرة ومتفرّقة لشعراء مغاربة ظهر بعضهم في القرن السادس عشر، استحضرت على الفور عبارة مهمة ذكرها الناقد المغربي د. نجيب العوفي، وهو قال في أحد حواراته الصحفية إن المغرب الثقافي هو مغرب فقهي أكثر منه مغرباً شعرياً وإبداعياً، وربما يُعيننا هذا الرأي مرة ثانية، في شرح لماذا لا توجد سوى شاعرة أو شاعرتين فقط في هذه البانورامية الشعرية المتعددة الوجوه الذكورية..
تلك نقطة، أما النقطة الثانية فإنها تتصل بما رآه نجيب العوفي بشأن فقهية المغرب الثقافي، فقد عرف المغرب الشاعر عبدالرحمن المجذوب (1503-1568).. وكان شاعراً صوفياً زاهداً، ذا ثياب بسيطة كما هي أحوال المتصوّفة، ومن الضروري والحال هكذا، أن يكون شعره (فقهياً) إلى حدّ ما أو إلى حد كبير مثله مثل شاعر صوفي مغربي آخر هو محمد الحرّاق 1772-1845، وهو أيضاً أحد فقهاء المغرب.
عبدالله بن الهاشمي بن خضراء 1844-1906، ومحمد بن إبراهيم المرّاكشي 1897-1955 وبوبكر أنشاد وكانت وفاته في العام 1942، وعبد الله الفاسي 1871-1930.. جميعهم إما فقهاء، أو قضاة أو متصوّفة، والقاسم المشترك بينهم أنهم شعراء لهم قاموسهم اللغوي والبلاغي الذي لا يبتعد كثيراً عن ثقافتهم الدينية، وفي هذا الإطار لك أن تحاجج د. العوفي أو لا تحاججه بشأن الجزر الأول للقصيدة المغربية.
ولد الشاعر عبد الرحمن حجي في العام 1901، وتوفي في العام 1965 وهو شاعر ثقافة كلاسيكية مستقاة من الشرق دائماً، إذ كان الشعراء المغاربة في مطلع القرن العشرين وربما على مداره كله.. يرون في الثقافة المشرقية مركزية أدبية شعرياً بشكل خاص (أحمد شوقي، حافظ إبراهيم) إضافة إلى الرموز المشرقية الكلاسيكية المنفلوطي، الحكيم، العقاد..
هذه المركزية المشرقية كانت على مدار القرن العشرين عاصمة للشعراء المغاربة، لذلك، فإن مصادر ثقافة عبد الرحمن حجي، وعبدالمالك البلغيثي 1906-2012، وعبدالله كنون 1908-1989، وعلال الفاسي 1910-1974.. هي مصادر مشرقية مصرية على وجه الخصوص.
أتوقف قليلاً عند علال الفاسي بشكل خاص، فهو اسم حاضر بقوة في الثقافة الأدبية والشعرية المغربية حتى اليوم. كان عضو مجمع اللغة العربية في دمشق، وكان زعيماً سياسياً وحزبياً، وهو أيضاً ذو مرجعية دينية من حيث التكوين التربوي والثقافي، وترك وراءه نحو 40 كتاباً ذات محورية دينية.
أشير هنا، وبسرعة إلى نقطة تتصل بأعمار الشعراء المغاربة، فالملاحظة الأولية، أنهم معمّرون في الكثير من الأسماء، البعض الآن في الثمانينات والتسعينات من أعمارهم، بمعنى أن هؤلاء المعمّرين الذين ولدوا في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين هم شعراء عابرون لمصطلح الأجيال. هؤلاء عرفوا العباءة المشرقية التي كانت تغطي على الشعر في المغرب، وبعد ذلك، خرج البعض منهم على هذه العباءة، كما أنهم شهدوا الانقلاب على عمود الخليل بن أحمد الفراهيدي، وشهدوا مرحلة التفعيلة، وبذلك فشعر هؤلاء المعمّرين هو شعر مراحل وأجيال وليس شعر عقد زمني في حدّ ذاته..
أعود هنا إلى الشعراء المغاربة الذين ولدوا في العقد الأول من القرن العشرين.. أي أنهم شعراء جيل الأربعينات والخمسينات من ذلك القرن، ومن هؤلاء الهاشمي الفيلالي 1912-1966 ذو مرجعية ثقافية دينية، عبدالقادر حسن العاصمي (1915-1996) أول مجموعاته صدرت في العام 1936 بعنوان «أحلام الفجر»، وتقول مصادر ثقافية مغربية إنه أول ديوان شعر يصدر في المغرب، تلاه في العام 1937 صدور ديوان محمد بن محمد مكوار.
تشير المصادر إلى الشاعر محمد المختار السوسي (توفي 1963) ولد في العام 1318 هجرية، وتوفي في العام 1383 هجرية.
ولد الشاعر عبدالكريم بن ثابت في العام 1915، وتوفي في العام 1961، وعمل سفيراً للمغرب في تونس في العام 1956، وفي تونس صدر ديوانه «حديث مصباح» في العام 1957.
هوى سياسي
نلاحظ هنا أن الكثير من الشعراء المغاربة في النصف الأول من القرن العشرين ذوو هوى سياسي، أو مارسوا العمل السياسي والحزبي، وعلى سبيل المثال نقرأ أن الشاعر عبد المجيد بن جلّون 1919-1981 «شارك في تخليص الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي من أيدي الفرنسيين عند مروره بمصر من منفاه إلى فرنسا»...
نصل الآن إلى العقد الثالث من القرن العشرين (1920) وبذلك، وبحسب مفهوم الأجيال، يكون الشعراء الذين ولدوا في عشرينات القرن العشرين هم شعراء جيل الخمسينات والستينات من القرن نفسه.. فقد ولد الشاعر إدريس الجاي في العام 1920.
قبل الإحاطة الزمنية أو العمرية بالشعراء المغاربة الذين ظهروا كجيلين شعريين متلازمين في الخمسينات والستينات من القرن العشرين استحضر رأياً للكاتب المغربي د. أحمد المديني، وهو يرى أن ما سمّاه المنظومة الشعرية الجديدة التي – كما يقول- خلقها فنياً السياب ونازك الملائكة.. لم تبدأ في تحريك الذائقة الشعرية المغربية فعلاً إلا خلال الستينات.
المغرب، إذاً، عرف الشعرية الحديثة متأخراً نحو عقدين من الزمن عن ظهور التفعيلة في العراق في أربعينات القرن العشرين، ويقول د. المديني «إن الستينات، التي هي المرحلة الحقيقية لاكتشاف شعر التفعيلة، مرحلة اختبارية فضلاً عن أن القصيدة الجديدة اختبارية دائماً، وتجريبية على الأصح».
مشروع
رأي د. المديني يلتقي مع رأي آخر للناقد د. نجيب العوفي، فهو يرى أن القصيدة المغربية الحديثة دشّنت مشروعها مع أوائل الستينات، ويرى أكثر من ناقد أدبي مغربي أن: أحمد المجاطي، ومحمد السرغيني، وعبدالكريم الطبال، ومحمد الخمار الكنوني هم مؤسسو الشعرية المغربية – الحديثة، ويضاف إلى هذه الأسماء كوكبة أخرى من المجددين: محمد الميموني، محمد الحبيب الفرقاني، ومحمد الوديع الآسفي. ويُطلق د. العوفي على هذه الأسماء وصف: الكتيبة الأمامية للجيل المؤسس للحداثة الشعرية المغربية. ويشير العوفي إلى نقطة مهمة وهي أن معظم هؤلاء الشعراء المغاربة أساتذة في الجامعات متخصصون في الأدب والنقد واللغة.
إذاً، في ضوء التركيز النقدي على شعراء الستينات في المغرب أعود الآن إلى التعريف العمري أو الزمني للشعراء المغاربة الذين ولدوا في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، وهم من سمّاهم العوفي الكتيبة الأمامية للجيل المؤسس للحداثة الشعرية المغربية، وبالطبع، سوف تتواصل هذه الحداثة مع شعراء النصف الثاني من القرن العشرين حيث نتوقف عند الشعراء الذين ولدوا في الثمانينات.
ولد الشاعر محمد السرغيني في العام 1930، وتوفي عن 94 عاماً، درس في العراق في أواخر الخمسينات وبذلك فهو عايش – الحداثة الشعرية العربية الجديدة على يد السياب ونازك والبياتي، وفي العام نفسه 1930 ولد الشاعر محمد الصبّاغ، وتوفي في العام 2013، وهو من مؤسسي اتحاد كتّاب المغرب.
يذكر هنا أن بعض الشعراء المغاربة درسوا في الجامعات المشرقية... على سبيل المثال.. الشاعر أحمد المجاطي، (1936-1995) درس في دمشق، والقصد من هذه الملاحظة، أن بعض شعراء الستينات والسبعينات من المغاربة، تأثروا بالحداثة الشعرية المشرقية، إن جازت العبارة من بوابة دراستهم الجامعية في المؤسسات الأكاديمية المشرقية. الشاعر إبراهيم السولامي درس الأدب العربي في القاهرة، وهو من مواليد 1938 في القنيطرة، ومن أبرز مؤلفاته «الشعر المغربي في عهد الحماية».
إحصائية
الشعراء المغاربة الذين ولدوا في العقد الرابع من القرن العشرين أي أنهم ظهروا كجيل شعري في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.. هؤلاء الشعراء هم الأكثر على الصعيد العددي في إحصائية الشعر المغربي، وهؤلاء أكثر من غيرهم اتصالاً بالحداثة الشعرية العربية، ومن أبرزهم في المغرب محمد بنيس (مواليد 1948)، وعبد اللطيف اللعبي (مواليد 1942)، ومصطفى نيسابوري (مواليد 1943)، ومحمد خير الدين 1941-1995 الذي يكتب بالعربية والفرنسية.
ملاحظة أخرى نشير إليها، وهي أن بعض شعراء هذا الجيل (مواليد العقد الرابع) يكتبون بالعربية والفرنسية، لكن يبقى انشدادهم إلى العربية هو الأساس في الكتابة سواء في السرد أو في الشعر.
من شعراء مواليد العقد الرابع نذكر أيضاً عمر أمرير (1949)، علي صدقي أزايكو 1942-2004، صاحب كتاب (الإسلام والأمازيغ)، وعبدالله راجع 1948-1990 الذي يعود الكتاب والشعراء المغاربة دائماً إلى كتابه (القصيدة المغربية: بنية الشهادة والاستشهاد).
يكتب الشاعر إدريس الملياني النقد الأدبي، ويمارس الترجمة، وحصل على جائزة المغرب للإبداع الشعري في العام 2001، وهو من مواليد العام 1945.
أحمد بن ميمون (1949) يكتب الشعر والقصة، ويعتبر أيضاً من رموز الحداثة الشعرية المغربية، ومن شعراء مواليد الأربعينات نذكر أيضاً: محمد علي الرباوي 1949، وأحمد بلحاج 1948 الذي يمتاز بغزارة مؤلفاته ودراساته، والشاعر عبد السلام مصباح 1947، والشاعر جلول دكداك 1943، والشاعر محمد الزهراوي 1944.
الشعراء مواليد العقد الخامس من القرن الماضي هم شعراء جيل الثمانينات، ومن أبرزهم كان الشاعر محمد الطوبي 1955-2004، الذي كان يخط مجموعاته بيده، وعلى رغم حياته القصيرة إلا أنه كان غزير الإنتاج.
من هذا الجيل الشعري المغربي من وصل إلى مرتبة وزير ثقافة مثل الشاعر محمد الأشعري مواليد 1951، ويكتب الرواية والقصة.
ولدت الشاعرة أمينة مريني إدريسي في العام 1955، ومن أعمالها الشعرية (منها تتفجر الأزهار)، وفي هذه السردية حول خريطة طريق شعراء المغرب، أشرنا إلى قلة عدد الشاعرات في بلد يبدو الشعر فيه ذكورياً بامتياز.
من الشعراء الجميلين في المغرب عيسى 1956 مواليد القنيطرة التي ولد فيها محمد الطوبي، وعدد آخر من الشعراء وولد الشاعر مصطفى الشليح في العام 1956 ومن مؤلفاته الشعرية (الف رباعية ورباعية)، كما نذكر من شعراء مواليد الخمسينات، أي شعراء جيل الثمانينات المغربي: صلاح الوديع 1952، عبدالله زريقة 1953، عبد السلام بوحجر 1955-2019، وعبدالسلام المساوي 1958.
خريطة
هذه الخريطة الشعرية تتضمن شعراء من أصول أمازيغية، ولكن هؤلاء يكتبون بالعربية الصافية، تماماً مثلما يكتب أقرانهم بالفرنسية، لكن مربط الفرس عندهم كما يقولون هو اللغة العربية الفصحى لغة المشرق ولغة المغرب التي قام عليها ديوان الشعر المغربي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق