«باريس الأورفيّة»..سرد منحوت من سحر مدينة النور - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن
«باريس الأورفيّة.. السياحة الأدبية في باريس» هو كتاب للأمريكي هنري كول، اعتبر بمثابة لوحة شعرية لمدينة باريس، وهو يجمع بين النثر والمذكرات والسيرة الذاتية والمقالة والشعر مع الصورة الفوتوغرافية. صدر الكتاب عن دار روايات في عام 2020 وجاء في 167 صفحة، وسبعة عشر جزءاً، ومن ترجمة السورية أماني لازار وتحرير أحمد العلي.
مع باريس كخلفية، يستكشف كول، الشاعر الأمريكي الحائز جوائز عدة، برؤية جديدة وعميقة طبيعة الصداقة والأسرة والشعر والعزلة والذات والحرية. يكتب كول عن باريس: «لقد عشت لفترة من الوقت هنا، حيث كان نداء الحياة قوياً للغاية. كانت روحي ملونة بها. كنت أهتم بنفسي تماماً، لم أشعر بالذنب ولم أعترف بشيء، وفي هذا المكان كتبت، ونمت».
*عتبة العنوان 
حرص كول على ربط باريس بمجموعة من القصص الأسطورية، فباريس هنا، هي أورفيّة، نسبة لأورفيوس، الكاتب والموسيقي الأسطوري الإغريقي، قد قيل أنه ألف عدة أغاني لأجل زوجته يوريديس. وهناك شخصية أوراكل في مدينة دلفي التي تعتبر واحدة من أشهر القصص الأسطورية القديمة في اليونان، والكتاب بهذا المعنى، يزخر بالمتعة والخيال والأساطير، عن يوميات الكاتب الأثيرة والرائعة في باريس، التي ارتبطت بحياة الفنانين والكتاب والمشاهير، بما في ذلك كول نفسه، وهؤلاء جميعاً تأثروا بها إبداعياً وحياتياً، أما كتابه فمليء بتأملات ثاقبة رائعة حول باريس، والأكثر إثارة للاهتمام، طبيعة الشعر، وهو من دون شك كتاب جميل يحضر فيه ريلكه وبودلير ولويل وسيلفيا بلاث وإليزابيث بيشوب، وهم من قامات الشعر العالمي، بذات القدر من الفنانين والفلاسفة والكتاب المعروفين، ليسجل من خلاله سيرة بطعم خاص، ولنقل طعم باريس بلمحات عابرة وجذابة للغاية.
نُشر الكتاب على مدار عدة سنوات في مجلة «نيويوركر». إن مذكرات كول، مثل رثاء أورفيوس لموت زوجته يوريديس مرتين، لابد وأن تحافظ على ذكرى حية: الذاكرة العائلية لجذوره، وذاكرة الشاعر لتاريخ الفن وحياة الفنانين في مدينة باريس. وفي هذا التأمل الأورفي حول كليهما، يبرز وعي كول دائماً. إنها روح الفن الأمومية التي نجدها مقيمة في وعي المؤلف، الذي كتب عن الجمال الكلاسيكي لباريس: «في باريس، هناك لقاءات لا حصر لها مع المبادئ المرتبطة بالجمال الأبولوني ــ النظام، والعقلانية، والانسجام، وضبط النفس ــ التي تذكرنا بالحضارة الرائعة لليونان، هل يجعل هذا باريس أكثر إنسانية، وأكثر صدقاً، وأكثر هشاشة، وأكثر مأساوية؟».
لا يتتبع الكتاب، رحلة عبر الزمن من الوصول إلى المغادرة، بل فترة من التأمل والتطور الشخصي، وهو يقدم رواية موجزة فيها الكثير من الأساطير، والرموز الدينية كذكره اسم القديسة جينفايف، شفيعة مدينة النور (جينفايف هي شفيعة باريس في التقاليد الرومانية الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية)، قد يكون مثال جينفايف في كتاب كول الشاعر بودلير، الذي يزور نصبه التذكاري في مقبرة مونبارناس في الجزء الأول من الكتاب، حيث يناقش أيضاً زيارة الشاعرة الأمريكية إليزابيث بيشوب إلى باريس، والتي امتدت بينما كانت تنتظر خروج صديقتها مارغريت ميلر من المستشفى.
*النحل 
في الجزء العاشر من الكتاب يكتب كول: أحياناً عندما أسمع طنين النحل، أفكر: ما الذي يمكن أن يكون الحب سوى الكثير من الطنين، أو الكراهية؟ 
إن الكتاب أيضاً على الرغم من شكله اليومي، لا يكشف الكثير عن مؤلفه، بخلاف عاداته وقراءاته والرفقة التي يقيمها.
في باريس، يزور كول أصدقاءه، ويتذكر، ويمشي، ويتأمل، ويأكل، ويقرأ، ويستمع إلى النحل في حدائق لوكسمبورج، ويتجول في متحف اللوفر، ويكتب. ويتذكر الكثير من أصدقائه كجيمس لورد، كاتب المذكرات وكاتب سيرة حياة بيكاسو وجياكوميتي. ويظل يتأمل ويكتب ويزور الأماكن والمقاهي والمتاحف كما يصف قهوته الصباحية من التحضير إلى التقديم. بالنسبة لكول، فإن كل قصيدة هي معبد صغير أو قناة مائية، بل يعتبر نفسه جامعاً للكلمات التي يزينها.
*وعي الواقع
في «باريس الأورفية» هناك تأكيد على أهمية الواقع، الذي يعبر عن صورة ذاتية لروحية كول، والتي تعزيه ضد رياح الزمن الصاعدة، إنها المكافأة التي يرفع بها كول إدراكه للجمال والشكل. ويبدو أن تأثير هذا الواقع لا ينقطع عند كول، ويجمع في قراءته لذلك الواقع بين الرسائل والأعمال والروايات السيرية والنقدية ورؤى حيوية لبودلير السوداوي، وسيزان الإنساني، ورودين صاحب الرؤية، وريلكه الشاب القلق.
*ريلكه وراحة البال 
كانت علاقة الشاعر الألماني راينر ريلكه بالنحات الفرنسي أوغست رودان استثنائية في عالم الشعر والفن. فقد زار الشاعر الشاب ريلكه باريس عام 1902 وهو في السادسة والعشرين من عمره، بينما كان رودان في الواحدة والستين، وذلك ليقوم ببحث فني حول رودان وأعماله. لكن ريلكه كان يبحث آنذاك عن معلم ونموذج ليصبح شاعراً بشكل أفضل، والشاعر كول الذي يعي هذه الحادثة يستحضرها بشغف الفنان والشاعر ليكتب في الجزء الثاني من الكتاب: عندما وصل الشاعر الألماني راينر ريلكه إلى باريس عام 1902 كان تعيساً للغاية حتى أنه كتب: أسند رأسي أحياناً إلى بوابة لوكسمبورغ، فقط لأتنفس في مكان صغير راحة البال، وضوء القمر – لكن هناك أيضاً الهواء الثقيل الذي لا يزال مثقلاً بعطر وفرة من الزهور التي كدسوها على الحدود.. المدينة فسيحة للغاية ومثقلة بالكآبة. نصح النحات رودان، مرشد ريلكه، الشاب صاحب الأعوام الستة والعشرين: عليك اختيار واحد أو الآخر، إما السعادة أو الفن. لكن ريلكه وجد أن باريس تمتلىء غروراً وفيها كثير من التبرم لامتلاك الحياة في الحال «بينما آمن هو أن الحافز الحقيقي للحياة كان ساكناً، هائلاً، جوهرياً، في هذه الحالة من الحساسية الشديدة للغاية، اعتبر ريلكه باريس غريبة، وعدائية، ومستبدة، وعلى وشك الموت..».
*متعة
وصف كتاب باريس الأورفيّة كما نشر في ملحق الـ تايمز الأدبي: «هو متعة للقراءة، مدروسة دون أن تكون متعمقة، صادقة دون أن تكون عاطفية بشكل مفرط، رسالة حب صريحة لجميع الأشياء الملموسة التي تجعل الحياة في باريس تبدو أكثر واقعية من أي مكان آخر..
*إضاءة 
ولد هنري كول في اليابان لأم فرنسية وأب أمريكي، نشر تسع مجموعات شعرية، منها «الأرض الوسطى» التي كانت في القائمة القصيرة لجائزة البوليتزر. تلقى عنها العديد من الجوائز منها جائزة «جاكسن»، جائزة «الكينغسلي توفتز»، جائزة «روما»، جائزة «برلين»، ووسام الشعر من الأكاديمية الأمريكية للفنون والرسائل. تحمل مجموعته الشعرية الأخيرة عنوان «لا شيء للإفصاح عنه»، وهو يُدرس اليوم في كلية كلاريمونت ماك كينا، ويقيم في بوسطن.
*اقتباسات
*هجرت طيور الحسون المناطق الآهلة، وفضلت العيش بعيداً في الغابات.
*هل يمكن للكذبة أن تحمل في جوهرها حقيقة؟ هل يمكن لها أن تكون قصة لا لبس فيها؟
*أحب كلاب الحي وقططه، وفيما أنا أكتب الآن، أسمع جرواً يبكي طالباً الحليب.
*وصف ريلكه زهور القرطاسيا الزرقاء كورقة قديمة مستها السنون بألوان البنفسج والرماد.
*يمكن للصداقة -وليس البغض أو النقمة- احتضان التربة العطشى لعقل الشاعر.
*بمحاذاة نهر السين يقع نصب توماس جيفرسون الذي أبحر أول مرة إلى باريس عام 1784.

الناشر: دار روايات

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق