الشارقة: عثمان حسن
الناشر: معهد الشارقة للتراث
«توظيف التراث في أدب الأطفال» هو كتاب جديد للناقد السوري الدكتور هيثم يحيى الخواجة، يبحث في أهمية توظيف التراث في أدب الطفل لما لهذا الجانب من أثر في بناء شخصية الصغار، حيث التراث وسيلة مهمة لبناء مدركات الأطفال وتحفيز عوالم الخيال لديهم.
صدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث وجاء في 137 صفحة واشتمل على فصلين رئيسيين، وتضمن كل فصل مجموعة من المحاور، حيث اشتمل الفصل الأول على عدة أبواب منها: (الطفل في تراثنا الأدبي، التراث وأهميته في الكتابة الأدبية للطفل، التراث والتطوير وعالم الخيال، التراث مصدر لا ينضب، كيف نوظف التراث في أدب الأطفال؟، الطفل العربي والتراث وتكنولوجيا المعلومات) واشتمل الفصل الثاني على محاور عدة بينها: (تجربتي في استلهام التراث في الكتابة للأطفال).
يقدم د. الخواجة لكتابه بالتأكيد أن في الأدب فوائد لا تعد ولا تحصى لبناء شخصية الطفل وفكره، وهذا ما منحه خصوصية، بسبب ما يحتاجه كاتب الأطفال من مهارة وقدرات، كما يؤكد المؤلف أن أدب الأطفال لا بد وأن يحرص على الجوهر الذي يفيد الطفل، ويغذي فكره، ويبني شخصيته، كما أن ثقافة الطفل لا تواكب العصر إلا إذا استلهمت الواقع وأنارت عليه، وذلك لكي يتدرع الطفل بالإيجابيات ضد ما في الواقع من سلبيات وعوائق.
* كنوز
يغوص د. الخواجة في التراث الأدبي العربي، ويسرد الكثير من الأسماء والقصص والحكايات لمؤلفين وكتاب وموسوعيين عرب اختصوا في نقل الكثير من هذه الحكايات التي شكلت منبعاً لا ينضب لاستلهام ما فيها من كنوز وفوائد تفيد أدب الطفل، حيث يؤكد أن تراثنا الأدبي يشتمل على مادة لا بأس بها تتصل بالطفل، فهناك قصائد تعبر عن مشاعر الوالدين تجاه أولادهم، وإضافة إلى الأدب الذي يتحدث عن الطفل هناك بعض المواد الأدبية التي تتصل بالطفل، فقد أدرك الجاحظ في إحدى رسائله كيف يخاطب الطفل، فدعا إلى أن يكون هناك أدب يخص الأطفال شكلاً ومضموناً، ويمكن أن نذكر في هذا المجال اندفاع عبدالله بن المقفع إلى ترجمة كتاب (كليلة ودمنة) الذي اعتمد أسلوب القص فيه على لسان الحيوان، ويذكر د. الخواجة إلى جانب ابن المقفع والجاحظ الكثير من الحكايات التي وردت على ألسنة شعراء ومبدعين كثر بينهم: الشاعر الشمقمق وقصة الفئران، وشهاب الدين محمد بن أحمد الأيشهي وقصة فأرة البيت وفأرة الصحراء في كتابه «المستطرف في كل فن مستظرف».
* وظائف
يؤكد د. الخواجة في كتابه أن ثمة وظائف اجتماعية وفكرية وتربوية ووطنية وقومية وإنسانية للتراث، وأن من المهم الاستفادة من عناصر هذا التراث والحرص على استمراره في حياتنا، كما أن وضع التراث في أطر علمية وحضارية على ضوء المعطيات المعاصرة لا يعني تشويهه أو الإنقاص من قيمته أو عدم تثمينه، وإنما يعني انتخاب النماذج التي تتصف بالقدرة على الإلهام والرقي والأصالة.
ويناقش كيفية توظيف هذا التراث، لا سيما وأن تراثنا يختزن الكثير من العلوم والفنون والتجارب والخبرات الإنسانية، وتوظيف هذه الذخيرة كما يؤكد د. الخواجة يتطلب عناصر كثيرة، بدءاً من الإدراك والذاكرة والتفكير والانفعال والخيال، وأن من المهم تلمس الجوانب الإيجابية في التراث وصياغتها برؤية معاصرة، لأننا بذلك نبتعد عن التراث المدسوس -إن وجد- والشوائب التي تسيء إليه وتقلل من قيمته.
* تكنولوجيا
يطرح د. الخواجة سؤالاً مهماً يتعلق بالأصالة والمعاصرة، وما إذا كان التوجه نحو التراث يتناقض مع المعاصرة والتوجه نحو تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الحديثة؟ ويقول: «إن المجتمعات المعاصرة تسعى إلى تربية الطفل تربية حديثة لكي يتمكن من مواجهة تحديات الحياة في عصر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، ويتطلب تحقيق هذا الأمر استراتيجيات وخططاً تشغيلية لاستحداث الأساليب والوسائل، خاصة وأن التحديات تنمو وتتطور مع شروق كل صباح».. هذا التوجه كما يوضح د. الخواجة لا يمكن أن يكون عائقاً إذا امتلك المبدع الخبرة والوعي وفهم الغرض من توظيف التراث في الإبداع، مع الاعتراف بأن العلاقة بين تربية الطفل العربي وتكنولوجيا المعلومات تمثل إشكالية غاية في التعقيد، لأن التربية في هذا العصر تختلف عن العصور السابقة، وعلى الرغم من ذلك فإن التراث في رأيه لا يشكل عائقاً، لأن توظيف التراث لا يعني التمحور في إطار الماضي، وإنما يعني الاستفادة من الماضي من أجل الحاضر والمستقبل.
وفي هذا المجال يؤكد د. الخواجة على ضرورات عدة بينها تنمية قدرات الطفل من أجل اكتساب الثقافة والخبرة، والنهوض بقدراته الذاتية، ودفعه إلى الخيال العلمي والتخييل، والارتقاء بإمكاناته الإبداعية، وتعزيز مهارات التواصل، وتكريس الهوية الوطنية والقومية عند الطفل، وحمايته مما يدس على شبكة الإنترنت من قيم سالبة، وتعزيز ودعم الثقافة العلمية عند الطفل، وتكريس التوازن عنده ما بين الخيال والواقع.
* مصادر
يتحدث د. الخواجة عن مصادر أدب الطفل، وأبرزها المصادر الإسلامية وأولها القرآن الكريم والحديث الشريف، وهناك بعض المصادر التراثية الوطنية، والقومية، والعالمية، وهناك الأساطير والخرافات وغير ذلك، وهو يؤكد أن المصادر التراثية العربية تعدّ في صدارة مصادر التراث، التي يجب أن يستلهم منها المبدع إبداعه في أدب الطفل، ومن ذلك على سبيل المثال: (نوادر جحا، نهاية الأرب للنويري، الوزراء والكتاب للجهشياري، الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ألف ليلة وليلة، البخلاء للجاحظ، مقامات بديع الزمان الهمذاني، مقامات الحريري، رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، حي بن يقظان لابن الطفيل الأندلسي، كليلة ودمنة لعبدالله بن المقفع، المستطرف في كل فن مستظرف لبهاء الدين الأبشيهي.. وغيرها الكثير).
* خلاصات
في ضوء اهتمامه بالتراث يتحدث د. الخواجة عن جانب مهم أفاد بحثه في توظيف هذا التراث في أدب الأطفال، فهو قد أدرك في وقت مبكر أن تراثنا العربي والإسلامي غني وحافل بالدرر والجواهر، وأن الغرف منه يعمق العمل الإبداعي ويدعمه ويزيده ألقاً، وأن توظيفه له مجموعة أهداف، من أهمها توصيله إلى الأجيال، ومد جسور التواصل بين الخلف والسلف، هذا عدا عن الإمتاع والعبرة والدلالة والإسقاط.. وغير ذلك، والدكتور الخواجة يتبع خطة تشغيلية لتوظيف التراث، وهو يخلص إلى جملة من العناصر المهمة، فالتراث يمثل قيمة كبيرة، وعند توظيفه يجب الاهتمام بأمرين: الأول: تقديمه ضمن إطار مضيء، الثاني: أن يكون التراث متناسباً وملائماً للأحداث والفكرة المطروحة في الشعر أو القصة أو المسرحية، وأنه لا بد من استلهام كل ما هو زاهٍ وبهي من التراث ويخدم الفكرة المطروحة، وأنه من الضروري أن نحرص على أن يكون الطفل في محيط مضيء ومملوء بالقيم والمثل والكرامة والأخلاق والعادات الأصيلة، وأنه لا بد من إيجاد صيغ تحالف بين التراث والفن، لكي يتسلح وجدان الطفل بمثال يحتذى، وصورة مشرقة، ونهج مضيء.. وأنه عند توظيف التراث فلا بد من الابتعاد عن الأوهام، وتعزيز العلم، والود، والوفاء، والعدل، والشجاعة، والكرامة، والنجدة، والمروءة.
* اقتباسات
* توظيف التراث في أدب الطفل يعزز الهوية الوطنية والقيم الأصيلة.
* أصول أدب الأطفال منبعها الأساطير والخرافات القديمة والملاحم.
* «خرافات إيسوب» من أقدم المجموعات التي عرفناها من بلاد الإغريق.
* التراث قيمة بحد ذاته، لأنه يدعم البصر والبصيرة.
* هناك أهمية قصوى للخيال العلمي ودوره في مواكبة الطفل للواقع.
* حواس الطفل هي المدخل لاستقبال المؤثرات الثقافية في بيئته.
0 تعليق