ملتقى الخط.. الشارقة بيت الجمال - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن

حظي (المعرض العام) في ملتقى الشارقة للخط، بالنصيب الأوفر من مشاركات الخطاطين من مختلف دول العالم، بنحو 300 عمل ل153 خطاطاً، وقد مثّل بحق تجربة فنية وجمالية آسرة بمضامينها الشكلية والروحية، وبما قدمه هذا المعرض والملتقى بشكل عام من إبداعات تناولت الحرف كمفردة بصرية قابلة للتطويع في مسارات جمالية عديدة، انطلاقاً من خيال مبدعي هذه الخطوط وقدرتهم على التعامل مع معظم الخطوط العربية المعروفة خاصة الثلث والنسخ والكوفي والتعليق والديواني، إلى أنواع أخرى من الخطوط كالمبسوط المغربي والمحقق وغيرها.
أبدع الخطاط مجدي محمد عفيفي لوحة خطية استلهمها من الآية القرآنية «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»، وحاول من خلالها تجسيد شعار الملتقى، تراقيم، مازجاً بين خطي الثلث والنسخ، مستلهماً ما يفهم من معاني هذه الآية الكريمة، فالله جل وعلا هو نور السموات والأرض مدبّر الأمر فيهما، استنارت به السموات والأرض وما فيهما، وكتاب الله وهدايته نور منه سبحانه.
حرص مجدي عفيفي وهو يخط هذه الآية أن ينجزها في عدة مستويات دائرية، ومن ينظر إلى اللوحة يشهد تلك التموجات الدائرية التي كأنها تنبثق على شكل موجات نورانية على سطح اللوحة، وقد كان استخدام الشكل الدائري عند الخطاط متناغماً مع رمزية الدائرة في التراث الثقافي وخاصة الإسلامي، فللدائرة هنا، دلالات ورموز تختزل إيقاع الحياة وتناغمها، فلكل نهاية بداية لمرحلة جديدة تستحق القراءة والتأمل.
تعلم عفيفي الخط على الطريقة الكلاسيكية على يدي أستاذ الخط أحمد فارس، ثم على يدي العلامة عبده الجمال وحصل على الجائزة التشجيعية في خط الثلث في المسابقة الدولية (إرسيكا) بتركيا 2016، كما شارك في ورشة كتابة المصحف الشريف في ملتقى الأزهر الدولي للخط العربي والزخرفة 2022، ومسابقة كتابة المصحف المؤسس بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف 2023.
تذهيب وزخرفة
في لوحة دمجت بين فني التذهيب والزخرفة، وهما من الفنون الإسلامية العريقة، قدمت الخطاطة الباكستانية كنزا باناراس لوحة مزجت فيها بين أكثر من شكل أو وحدة زخرفية نباتية سعياً منها لترجمة مضمون وشكل شعار الملتقى «تراقيم» بما يعكسه من قيم وإشارات تستلهم روح الدين الإسلامي، وقد حرصت كنزا على تقديم هذه اللوحة الزخرفية بالتركيز على تدرجات اللونين الأصفر والأزرق.
والخطاطة كنزا باناراس من مواليد 2000 وهي حاصلة على شهادة بكالوريوس في علم الحيوان من جامعة «هاريبور» - باكستان، وهي تتميز بمهاراتها العالية في فنون الخط والزخرفة، وقد أقامت معرضاً شخصياً في غرفة التجارة في «هاريبور» 2020، وحازت على الجائزة الخامسة في المسابقة الوطنية للخط (أشرف قلم) 2022، كما شاركت في معرض الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد، باكستان 2021، وبينالي الشارقة للخط العربي 2022 وغيرها من المشاركات.
وفي تجربة لافتة للإماراتية شيخة المطروشي لوحة مزخرفة بعنوان (ذهب مع غواش) مالت فيها إلى اكتشاف جماليات الزخرفة والتذهيب التي تستفيد كذلك من عناصر الطبيعة في إبراز جماليات هذا الفن الإسلامي العريق، وغالباً ما يعتمد فن الزخرفة كما هو عند شيخة المطروشي بخطوة أساسية ولا بد منها، تتضمن تلوين الأغصان والأوراق المستخدمة بالذهب، وبعض الخطاطين يستخدمون طلاءات من ذهب حقيقي مصنوع من أوراق الذهب من عيارات مختلفة، ونلمح في اللوحة المعروضة سمات من الجمال الفني المصمم بعناية لجهة التناسق والتناظر بين الوحدات المزخرفة على سطح اللوحة.
درست المطروشي في كليات التقنية في الشارقة وتخصصت في تكنولوجيا المختبرات الطبية، وهي هاوية للفنون والخطوط، وقد تدربت على عدة تقنيات فنية مثل: الديكوباج، وأسلوب الرسم بضربة واحدة مع الفنانة التركية أوزدين قولت في 2009، والرسم على الزجاج والفخار، وكذلك الرسم على القماش، وفن لف الورق وغيرها.
*مبسوط مغربي
قدم المغربي عبد الرحيم كولين لوحة مستلهمة من الآية القرآنية «وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ»، حيث يرى الله أعمال العباد وستُنشر يوم القيامة ويعلمها الناس، وأبدع كولين اللوحة بالخط المبسوط المغربي وهو نوع نادر عند الخطاطين، مبرزاً جماليات التفاصيل الدقيقة لهذا الخط، كما زينه بعلامات الترقيم اللازمة تماشياً مع شعار الملتقى، من فواصل ونقاط وضمات وغيرها، لكي تضيء جمالاً على جمال الكلمات المخطوطة، مبرزاً خصائص ومميزات المبسوط بما فيه من تقويسات بارزة في الألف المقصورة وامتدادات تشمل معظم الألفات واللامات، سواء كانت لامات مستقيمة أو منحنية إلى الأسفل على غير ما هو مألوف في بقية الخطوط.
وتمتاز خطوط عبد الرحيم كولين، مغاربية الطابع بالبناء الرأسي الناجم عن امتدادات الأحرف من أسفل إلى أعلى، ضمن إيقاع شكلي متدرج تماماً كمدرجات متتابعة في سلم صاعد، تتقاطع خلاله الأحرف الرأسية مع الأحرف الأخرى المكونة لكلمات النص، والتي يمثل البعض منها بمساراته المنحنية ما يشبه قاعدة حاضنة لمعظم مقاطع وكلمات النص المخطوط.
المحقق والتشكيل
ويلفت النظر في المعرض العام مشاركةٌ للخطاط جمال عبد الحليم خطّ من خلالها الآية القرآنية «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ» وهي الآية التي قاربها كثير من المفسرين والتي تعني أن جل جلاله هو «الأول» قبل كل شيء بلا ابتداء، كان هو ولم يكن شيء موجوداً، وهو«الآخر» بعد فناء كل شيء، بلا انتهاء تفنى الأشياء ويبقى هو، و«الظاهر» الغالب العالي على كل شيء و«الباطن» العالم بكل شيء.
في هذه الآية استخدم عبد الحليم الخط المحقق، مائلاً إلى التشكيل، فقد خط لوحته بعدة طبقات لونية، والمحقق من أصعب الخطوط، وأحسنها، وهو مرسل الحروف قليل التقويسات جميل السطور حبيب إلى النظر أكثر من الثلث، وقد كانت المصاحف قديماً تكتب بالمحقق والريحاني لجمال صورهما المفضلة في النظر عند التلاوة، وكانت تضاف ثلاث نقاط بأسفل السينات لمجرد الزخرفة، وهو خط نادر الاستخدام ومن خصائصه أن منتصباته أطول من سائر الخطوط، وعيون حروفه مفتوحة في جميع الأحوال، والحركات والضوابط في هذا الخط ألطف مما هي عليه في الثلث.
وجمال عبد الحليم شارك في العديد من المسابقات الدولية والمحلية منها المسابقة الدولية للخط في تركيا (إرسيكا)، وفي ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي بدار الأوبرا بين عامي 2015 و2016، وغيرها.
إشراق
وفي تجربة لا تقل إبداعاً يقدّم الخطاط حسانين مختار لوحة خط كتب من خلالها آية «الكرسي» بالخط الكوفي حيث وضع لفظ الجلالة في قمة اللوحة تقديراً وعرفاناً لهذا اللفظ والاسم والمسمى، مزيناً كلمة «الله» بزخرفة مشرقة من الجانبين، كما أكمل خط كلمات الآية بالخط الكوفي، هذا الخط الذي يتميز بمحاكاته للأشكال الهندسية لما فيه من زوايا، وهو بكل تأكيد من أفضل الخطوط، بسبب ما ينطوي عليه من تنظيم من جهة أشكال حروفه المتشابهة، وتزيين التنقيط لحروفه، وهو بحسب الخبراء يصنف من ضمن الخطوط العربية الرئيسية التي تشمل المحقق، والنسخ، والثلث، والرقعة والإجازة، والريحاني. وحسانين من مواليد 1979، وهو أستاذ لفن الخط العربي، وشارك في العديد من المعارض المحلية والدولية لفن الخط العربي، وحاصل على عدة جوائز محلية ودولية في فن الخط.
ضوء
اجتهدت معظم المشاركات الخطية والتصميمية في «المعرض العام» في استلهام شعار الملتقى، وقد أبدعت معظم التجارب في تقديم أنواع عدة من الخطوط العربية المعروفة، وهناك تركيز على استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وبدرجة أقل النصوص والأشعار العربية التراثية والمعاصرة، وقدمت تجارب تستكشف عمق وهوية الحضارة الإسلامية بما فيها من قيم روحية وفضائل إنسانية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق