القاهرة: «الخليج»
يؤكد عالم الاجتماع الفرنسي ريمون آرون أن علم الاجتماع يتميز بأنه دائم البحث عن نفسه، وأن أكثر النقاط اتفاقاً بين المشتغلين به هي صعوبة تحديده، وعلى الرغم من وجود تباينات جمة في تحديد هذا العلم فإن ثمة نقاطاً رئيسية تمثل هيكلاً عاماً يتحرك من خلاله هذا العلم، ويتحدد به موضوعه الأساسي، وهو هيكل يشير إلى أن علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية دراسة علمية بهدف الكشف عن القوانين أو القواعد أو الاحتمالات التي تخضع لها هذه الظواهر في ترددها أو اتجاهها أو اختفائها.
وفي النقد الأدبي تعددت المناهج، ودار حولها نقاش وخلاف، منها المنهج الاجتماعي الذي نشأ في حضن المنهج التاريخي، وهو منهج يدعو إلى ربط الأدب بالمجتمع، وتقاس جودة الأديب فيه بمدى تصويره هموم مجتمعه وطبقته تصويراً صادقاً.
وكان للماركسيين دور مهم في تطور هذا المنهج، من خلال نظرتهم إلى المجتمع وفق بنيتين: بنية دنيا (تحتية) وبنية عليا (فوقية) تعتمد على سابقتها، ويعد الأدب جزءاً منها، فربطوا بين النتاج المادي والنتاج الأدبي بعلاقة طردية.
ويتفق معظم الباحثين على أن الإرهاصات الأولى للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب ونقده، بدأت منهجياً منذ أن أصدرت مدام دي ستايل في العام 1800 كتاباً حول «الأدب في علاقته بالأنظمة الاجتماعية» تبنت فيه مبدأ مفاده أن الأدب تعبير عن المجتمع، ويمكن عد التحليلات التي تضمنها كتاب الناقد «هيبوليت تين» في كتابه «تاريخ الأدب وتحليله» الصادر في عام 1863 أحد أشهر التطبيقات الممثلة للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب وتحليله.
ويرى د. أنور عبد الحميد الموسى في كتابه «علم الاجتماع الأدبي.. منهج سوسيولوجي في القراءة والنقد» أننا نجد في التراث النقدي العربي القديم نقداً للمجتمع وسلوكياته، كما الحال في كتاب «البخلاء» للجاحظ غير أن علم الاجتماع الأدبي كفن حديث لم تتحدد معالم نضجه قبل روبير أسكاربت ولوسيان جولدمان وتلاميذه.
*اتجاهان
وللمنهج الاجتماعي اتجاهان غالبان متوازيان ومتباعدان في الوقت نفسه، أولهما: الاتجاه الكمي الذي يعتمد على الإحصائيات والتحليلات في تقييم الأدب، وثانيهما: المدرسة الجدلية التي ابتعدت عن «الكم» في التقييم واقتربت من «الكيف» وقدم منظرها جورج لوكاتش مصطلح «رؤية العالم» ويعني الاتصال بين البنية الدلالية والوعي الاجتماعي، والمصطلح المذكور تبناه رائد البنيوية التفكيكية جولدمان وطبقه في دراساته.
استناداً إلى ما سبق يهدف هذا الكتاب إلى التعريف بعلم الاجتماع الأدبي بوصفه ثمرة تدخل علم الاجتماع بالأدب، فضلاً عن التعرف إلى تاريخ هذا العلم وتطوره، وصولاً إلى الأزمنة الحديثة، مع دراسة أشهر الاتجاهات في الدراسات السوسيو أدبية ومتفرعات علم الاجتماع الأدبي، كعلم اجتماع الإبداع الأدبي وعلم اجتماع اللسانيات وعلم اجتماع النشر الأدبي.
0 تعليق