الشارقة: جاكاتي الشيخ
تواصلت، في منطقة الكهيف بالشارقة، فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، في دورته الثامنة، وذلك بتقديم رابع عروض المسرحية المصرية «الزينة»، لفرقة «استديو 77»، من تأليف الدكتور محمد أمين عبد الصمد، وإخراج عادل حسان.
العرض الذي استمر لمدة ساعة، يروي قصة حبّ جرت أحداثها في صحراء سيوة أبطالها العاشق «خير الله»، وصديقه «جاسر»، والمعشوقة «الزينة»، ويتناول العديد من القيم الصحراوية التليدة في تلك المنطقة، كالتمسك بالعادات الأصيلة الموروثة من الأجداد، والغيرة على الأقارب، وقوة الصداقة.
من خلال سينوغرافيا العرض، استطاع المخرج تقديم الكثير من أسرار صحراء واحة سيوة الغنية بتراثها الفريد، حيث أوحى بالبيئة العامة لتلك الصحراء، واستخدم الكثير من مظاهر العيش فيها، كالخيام والآبار، والنخيل، والخيول، والأزياء، إضافة إلى الأهازيج والأغاني التي أضفت على العرض الكثير من الحيوية والمتعة، كما كشف العرض عن اللهجة المستخدمة في تلك المنطقة القريبة من اللهجتين الليبية والتونسية، وهو ما يبرز تعدد الثقافات الصحراوية المصرية وتنوعها.
ويبدأ العرض بالعديد من الأصوات، مثل صوت أذان الفجر، ثم صوت طائر الكروان، وضرب الدفوف، وصهيل الخيل، ثم يدخل الراوي الذي يحكي القصة قائلاً: «أمسيكم بالهنا والخير ياللِّي شرفتونا.. قطعنا بحور وجبال نحكي وتسمعونا.. ليكم نقول حوادتنا وحكاوينا»، وهو الدخول الذي سيتكرر عدة مرات، للربط بين أحداث العرض في لغة شعرية مملوءة بالتأمل والعبر، وهو ذات الدور الذي لعبته الأغاني في العديد من المرات كذلك، وكأن المخرج أراد من خلال ذلك إشراك المتفرجين في الحالات الوجدانية التي يعيشها أبطال المسرحية.
كما كان لبعض المشاهد التي تظهر مع الأغاني دور محوري في فك عقدة المسرحية، مثل رقصات المجنون «زقزوق»، وتجول الشوافة «الشوشانا»، بائعة الأقمشة والملابس والعطور بين البيوت، والتي تساعد السيدات على التزيّن، وتقرأ لهن الطالع إن تطلب الأمر، ثم لقاء «خير الله» بصديق عمره «جاسر»، وحوارهما، حيث أبدى الأخير للأول رغبته في تزويجه ابنة عمّه الزينة، وهو ما يعتبر تحقيقاً لرغبته الدفينة.
* غيرة
تتتابع الأحداث لتبدو بعض مظاهر قصة حب «خير الله» و«الزينة»، هذا الحب الذي يسعى «خير الله» إلى تتويجه بذلك الزواج الموعود، ورغم أن علاقته بمحبوبته لا تتجاوز بعض الكلمات في لقاءات عفوية، وفي احترام تام لتقاليد القبيلة، إلا أن غيرة إحدى الفتيات التي تحب خير الله في صمت تنغص ذلك الحب، وهي «ثريا»، التي لا ترى أن هناك نظيراً له يستحق الارتباط بها، ولا فتاة تستحق الارتباط به سواها، ولكن أحلامها تصطدم بتجاهل «خير الله» التام لها، وإخلاصه في حبه لـ«الزينة»، ما يجعل «ثريا» تبدأ التفكير في الطريقة التي يمكنها أن تبعده بها عن محبوبته ليكون من نصيبها.
وفي إحدى زيارات البائعة الشوافة «الشوشانه» تقص عليها «ثريا» ما يؤرقها من أمر تلك العلاقة، فتطمئنها الشوافة بأن بإمكانها مساعدتها في إيجاد الحل، بإفساد علاقة العشيقين، والتفريق بينهما، ليخلو لها قلب «خير الله»، وهو ما تقوم به الشوافة بالفعل، حيث بدأت تحيك الدسائس حولهما، لتجد ضالتها في المجنون «زقزوق» الذي وجد العاشق «خير الله» يتغنى بعشقه قائلاً: «لا تنسي اوعي يا سمرة.. يوم ما اتغدينا أنا وانت اوعي يا سمرة، اوعي يا سمرة تنسيني»، فغنى معه الأغنية، وبعد افتراقهما، قام «زقزق» بتحوير كلماتها، لتصبح «لا تنسي اوعي يا الزينة.. يوم ما اتغدينا أنا وانت.. اوعي يا الزينة»، وحينما تسمعه «الشوشانه» يرددها، تقترح عليه أن يغنيها في الحي بصوت مرتفع حتى تسمعه «الزينة» وتعطيه ما يشتهيه من أكل وعطايا؛ حيث ترغب من وراء ذلك في أن يسمعها «جاسر»، ابن عم «الزينة» وصديق «خير الله»، للوقيعة بينهما، بدعوى تشبيبه بـ«الزينة» شعراً، وهو ما يعد عاراً كبيراً في عرف القبيلة.
* مكيدة
تعمّدت الشوافة اعتراض طريق «جاسر»، الذي سألها هل جاءته ببعض الملابس النسائية للبيع، فسألته بدورها، إذا كان يريدها لأهل بيته أم لغيرهم، فسألها مستغرباً من تعنين بغيرهم؟ فقالت له: ابنة عمك التي سبق أن طلب مني صديقك عدة ملابس من أجلها، فغضب مستغرباً من كون صديقه يشتري لابنة عمه، فأكدت له الشوافة ذلك، وأردفت أن جميع أهل الحي على دراية بحبهما ووصالهما، وغادرت.
وبينما كان جاسر سائراً في فورة غضبه، سمع المجنون ينفذ ما اقترحته عليه الشوافة، فأقبل عليه مهدّداً إياه، وسائلاً عن مصدر هذا الغناء، فقال له إنه، سمع صديقه «خير الله» يتغنى به، ليغضب «جاسر» على صديقه، ويضمر أن يحول بين زواجه مع «الزينة».
وعندما يقرر «خير الله» الزواج من «الزينة»، يأتي رجال من أسرته لطلب يدها من أبيها، وبعد أن يرحّب بهم يقترح عليها أخذ رأيها، وهو ما وافقوا عليه، ليدخل عليها ابن عمها «جاسر»، الذي يعتبرونه صديقاً مخلصاً لابنهم، وحين يسألها وهي التي كانت تعرف قوة صلته بحبيبها، تقول له: «إن القرار قرارك يا ابن العم، فيعود إلى الجماعة، وتحدث المفاجأة، حيث يعلن تمسكه بحقه في الارتباط بها؛ لأنها ابنة عمه، ملتزماً بما يسمى في أعراف القبيلة بعادة (المَسك)، فيفشل زواج العشيقين، وتصبح علاقة «خير الله» و«جاسر» موضع علاقة غريمين، لم يتوقّعا يوماً أن يوجد ما يمكن أن يفصلهما عن بعضهما.
* انفراج
وبينما كان «خير الله» جالساً مهموماً بعثرات حبّه غير المتوقعة، مرّ به المجنون «زكزوك»، وسأله عن سبب حزنه، فأخبره بأن زواجه من محبوبته قد فشل وتم إلغاؤه، ليطمئنه «زكزوك» قائلاً: بل قل تم تأجيله، فأكد له «خير الله» إلغاءه، إلا أن «زكزوك» أكد له إمكانية حدوثه، لإدراكه أن الطريقة التي كان له بها دور في إفساده، بإمكانه أن يتخذها لإصلاحه.
اعترض «زقزوق» طريق «جاسر» منشداً الأغنية الأصلية: «لا تنسي اوعي يا سمرة.. يوم ما اتغدينا أنا وانت اوعي يا سمرة، فسمعه، وسأله: أليست هذه هي الأغنية التي غنى «خير الله» على الزينة، فأجابه، هي نفس الأغنية ولكن «خير الله» لم يذكر فيها مطلقاً اسم «الزينة»، بل أنا من حوّرتها، فغضب عليه وحاول عقابه، فقال له: افعل ما شئت بي، ولكن المهم هو أن تعود علاقتك مع صديقك الحميم، وهو ما حدث بالفعل، وعزّز حدوث غارة على القبيلة، استصرخ فيها القومُ «خير الله»، قائلين إن عائلة صديقه «جاسر» تم سبيها مع العديد من أهل القبيلة، فأقبل على المعركة، حتى حرّر السبايا والأسرى، ولقيَه صديقه «جاسر» شاكراً ومعتذراً، ووافق على زواجه من ابنة عمّه، فاجتمع شمل الحبيبين.
0 تعليق