الاستفادة من الميزان التجاري كبوصلة لتوطين الصناعات المحلية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الأستاذ الدكتور سعيد بن مبارك بن سعيد المحرّمي

"إذا أردنا تحقيق نمو اقتصادي مستدام، فعلينا أن ننظر إلى الميزان التجاري ليس فقط كمؤشر مالي، بل كبوصلة تحدد لنا الأولويات الصناعية المستقبلية."

يعد الفائض التجاري في سلطنة عمان مؤشرًا إيجابيًا على قوة اقتصادها ولكنها بحاجة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على النفط والغاز، والاعتماد على القطاعات غير النفطية مثل السياحة والصناعات التحويلية والتعدين والثروة الزراعية والثروة السمكية واللوجستيات وإعادة التصدير.

إذ لا يمكن لأي دولة في العالم أن تستغني عن الواردات الأجنبية، إلا أنه يمكن التقليل من بعض البضائع والسلع الأجنبية، وهذا هو الحال بالنسبة لسلطنة عمان، فإنه من المستحيل توطين كل الصناعات والبضائع والسلع في كل القطاعات، ولكن يمكننا تقليص بعض العجز التجاري لبعض القطاعات وليكن دليلنا الميزان التجاري في تحديد أولوية توطين الصناعات ذات العجز التجاري العالي.

وقد حققت سلطنة عمان فائضًا تجاريًا في السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع صادراتها، خاصة النفط والغاز، الذي يشكل الجزء الأكبر من الصادرات، حيث توضح آخر الإحصائيات والأرقام الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات بأن الميزان التجاري لسلطنة عمان قد سجل فائضًا تجاريًا قدره سبعة مليارات ومائة وثمانية وثلاثين مليون ريال عُماني (7.138.000.000 ريال عماني) بنهاية نوفمبر 2024م. فما الذي يعنيه الفائض في الميزان التجاري؟ وما الفوائد التي يجنيها الاقتصاد العماني من هذا الفائض؟ وكيف نسترشد به لتوطين الصناعات؟

معادلة حساب الفائض والعجز

يمكن حساب الفائض والعجز التجاري من خلال استخدام معادلة الميزان التجاري، فمعادلة الميزان توضح حساب الفرق بين قيمة الصادرات من البضائع والسلع الوطنية للدولة مطروحا منها قيمة الواردات من البضائع والسلع الأجنبية.

الميزان التجاري = صادرات الدولة - واردات الدولة

ففي حالة وجود الفائض التجاري فإن ذلك يعني بأن القيمة الإجمالية لصادرات سلطنة عمان (الصادرات الحكومية وصادرات القطاع الخاص من البضائع والسلع الوطنية) أكبر من القيمة الإجمالية لشراء الواردات من السلع والبضائع الأجنبية، وإذا حدث العكس ففي ذلك الحال يكون الميزان التجاري قد سجل عجزا تجاريا، ويعني ذلك بأن القيمة الإجمالية لشراء الواردات من السلع والبضائع الأجنبية أكبر القيمة الإجمالية للصادرات من البضائع والسلع الوطنية.

وكما هو معروف بأن هناك ميزانين لقياس الفرق بين الأموال الداخلة إلى البلاد والخارجة من البلاد: فالميزان الأول هو الميزان التجاري وهو معني فقط برصد الفرق بين إجمالي الأموال الداخلة إلى البلاد من كل الصادرات الوطنية، أكانت هذه الصادرات صادرات حكومية أو صادرات القطاع الخاص، مطروحا منه إجمالي الأموال الخارجة من البلاد من كل الواردات للسلع والبضائع الأجنبية، أما الميزان الثاني فهو ميزان المدفوعات والذي يشمل حساب الفرق جميع الأموال الداخلة مطرحا منه جميع الأموال الخارجة.

ويختلف الميزان التجاري عن ميزان المدفوعات بعدة أوجه، لعل أهمها بأن ميزان المدفوعات لا يقتصر على قياس القيمة الإجمالية للصادرات مطروحًا منها القيمة الإجمالية للواردات فحسب، وإنما يذهب لأبعد من ذلك، حيث يقيس ميزان المدفوعات الفرق بين كل الأموال الداخلة إلى الدولة مطروحًا منها كل الأموال الخارجة من الدولة، ففي حين يهمل الميزان التجاري رصد التحويلات الداخلة والخارجة التي ليس لها علاقة بالصادرات والواردات، فإن ميزان المدفوعات يرصد كل تلك التحويلات، فبالإضافة إلى الصادرات يسجل ميزان المدفوعات تحويلات القوى العاملة الأجنبية إلى الخارج، كما يسجل كل ما يخص قيمة المبالغ للاستشارات والتدريب، وأيضًا قيمة الإتاوات لعقود الامتيازات للشركات الأجنبية والتي لها عقود امتياز مع وكلاء محليين، كما يشمل قيم الفوائد على الدين العام وعلى القروض الخاصة للأفراد والمؤسسات لمؤسسات مالية واستثمارية خارجية، وكل السيولة المالية الخارجة من النظام المصرفي الوطني. وفي الجانب الآخر، فإن ميزان المدفوعات يقيس كل السيولة المالية الداخلة في النظام المصرفي الوطني، الجدول التالي يوضح أوجه الاختلاف بين الميزان التجاري وميزان المدفوعات.

ماذا يعني تحقيق فائض تجاري؟

إن تحقيق سلطنة عمان فائضًا تجاريًا في السنوات الأخيرة يعود لعدة أسباب لعل من أهمها: أولًا، ارتفاع أسعار النفط والغاز: حيث كانت الزيادة في أسعار النفط والغاز على مستوى العالم من العوامل الرئيسية التي ساعدت في تحسين صادرات سلطنة عمان، حيث يشكل النفط والغاز أكثر من 80% من إجمالي الصادرات العمانية. ثانيًا، زيادة الصادرات غير النفطية: فلقد قامت سلطنة عمان بتوسيع قاعدة صادراتها لتشمل المنتجات غير النفطية مثل المعادن، والأسمدة، والمنتجات الزراعية، وغيرها من الصادرات. ثالثًا، كما أن الفائض التجاري دليل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام لاسيما للمنتجات غير النفطية. حيث تشير الإحصائيات المنشورة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلغت 30.6 مليار ريال عماني حتى نهاية سبتمبر 2024 (بزيادة قدرها 2.7% مقارنة بنفس الفترة الزمنية من عام 2023م)، منها: 10.7 مليار ريال عماني إجمالي الأنشطة النفطية (بزيادة قدرها 0.3% مقارنة بنفس الفترة الزمنية من عام 2023م)، بينما بلغ إجمالي الأنشطة غير النفطية 20.9 مليار ريال عماني (بزيادة قدرها 4.2% مقارنة بنفس الفترة الزمنية من عام 2023م).

وثمة جوانب إيجابية عديدة للفائض في الميزان التجاري، منها: أولًا، تعزيز الاحتياطيات الأجنبية، فالفائض التجاري يساعد سلطنة عمان على زيادة احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهو ما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية. ثانيًا، تحسين الوضع المالي، فالفائض التجاري يقلل من حاجة الدولة للاستدانة من الخارج ويقوي المركز المالي للحكومة. ثالثًا، استقطاب الاستثمارات الأجنبية، الاستقرار المالي والنمو الناتج عن الفائض التجاري يمكن أن يشجع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات متعددة.

«مدى صحة الاعتماد على مؤشر واحد لتقييم أداء الاقتصاد»؟

من الخطأ الاعتماد على مؤشر واحد لتقييم الاقتصاد. إذ لا يُعتبر الفائض التجاري مؤشرًا نهائيًا على حيوية الاقتصاد، بل يجب مراعاة نمو بيئة الأعمال بالإضافة إلى ضرورة تحليل المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية الأخرى. فعلى سبيل المثال يجب تحليل نسبة نمو كل القطاعات الاقتصادية، وألا يكون الاعتماد على القيمة الإجمالية للناتج المحلي الإجمالي أو الاعتماد فقط على الناتج الإجمالي لمؤشر الميزان التجاري.

جدير بالذكر، أن كثيرًا من الدول تعمل على السماح بزيادة استيراد المزيد من البضائع والسلع الأجنبية في حال النمو الاقتصادي لتعزيز المنافسة السعرية وذلك للحد من ارتفاع نسبة التضخم في البلاد، بينما في حالة ركود الاقتصاد، تفضل الدول التقليل من الواردات وتصدير المزيد من السلع والمُنتجات الوطنية لإنعاش اقتصادها ولإيجاد فرص عمل لمواطنيها.

الميزان التجاري

مرشد لتوطين الصناعات

حتى لا ننخدع ببعض الأرقام والإحصائيات بعرض القيم الإجمالية للصادرات والواردات فقط بدون عرض التفاصيل، وحتى تتضح الصورة أكثر علينا استعراض الفائض والعجز التجاري حسب القطاعات، فعلى سبيل المثال استعراض الفائض أو العجز التجاري على بعض القطاعات كالصناعة، والثروة الزراعية، والثروة السمكية، والثروة الحيوانية بالإضافة للقطاعات الأخرى علاوة على قطاع النفط والغاز. وبالتالي ستظهر لنا الإحصائيات القطاعات التي بها فائض تجاري، وأخرى التي بها عجز تجاري. وستكون قراراتنا لتوطين الصناعات التي تواجه عجزًا في الميزان التجاري مبنية على أرقام وإحصائيات دقيقة حول طبيعة البضائع والسلع الأجنبية التي يجب توطينها في أسرع وقت ممكن.

أخبار ذات صلة

0 تعليق