كواليس مذكرات عاطف بشاى - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة حذف
  • «حكاياتى فى دفتر الفن» مجرد بداية
  • عاطف بشاى راجع مذكراته بدأب من يُتقن عملًا أحبه ومنحه طاقة عمره
  • انتبهت إلى وصيته بعد إصابته بنزيف فى المخ   

فى يناير الماضى أثناء إجازته السنوية المتزامنة عادةً مع معرض القاهرة الدولى للكتاب، اقترح على الكاتب الصحفى الصديق توماس جورجيسيان، المُقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية ويكتب من هناك مراسلًا عدة صحف ومجلات عربية، اقترح أن نلتقى السيناريست الكبير عاطف بشاى والكاتب الصحفى بـ«الأهرام» سمير شحاتة عقب انتهاء فعاليات المعرض، ورحبت بشدة وقتها فالصحبة جميلة والجلسة حتمًا سوف تكون ثرية وممتعة، والتقينا مساء إحدى ليالى شتاء مصر البارد نسبيًا فى منطقة الكوربة بحى مصر الجديدة، توافقنا على مكان مرتبط إلى حدٍ كبير بالمنطقة والحى، وكأنه قاسم مشترك يجمعنا دون أن ندرى ويأخذ مساحته فى وجدان كلٍ منا، نعم هو «لوشانتيه».  

كنت والسيناريست عاطف بشاى أول الحاضرين، وهو ما منحنا فرصة التعارف الشخصى والحديث عن تجربة دار ريشة للنشر والتوزيع طوال أربع سنوات من عمرها، وخاصةً فيما يتعلق بتخصصها فى نشر السيرة والمذكرات واهتمامها بإعادة التأسيس لقيمة الفن، وأيضًا صدى مشاركتها لأول مرة بجناح مستقل فى معرض القاهرة الدولى للكتاب المُنقضى لتوه وأحوال القراءة والنشر فى العموم، ومن جانبى استعدت بعض ما ترك أثره فى تكوينى من أعمال السيناريست الكبير، وفى مقدمتها أعمال سيد الرواية العربية نجيب محفوظ والساخر الكبير أحمد رجب، وكيف أن الفن هو أكثر ما يؤثر فى تكوين الإنسان إيجابًا أو سلبًا، ورصدت وأنا أتحدث لمعة عين عاطف بشاى المُعبرة عن سعادة بالغة بوقع أعماله فى نفوسنا، ولم تَفُتنِ أيضًا مسحة حزنٍ تخللت هذه اللمعة ألمًا وحسرةً من الغياب عن الساحة نحو خمسة عشر عامًا منذ أن قدم آخر أعماله مسلسل «تاجر السعادة» بطولة الراحل خالد صالح وداليا مصطفى وهالة فاخر وإخراج شيرين عادل.

انضم لنا توماس جورجيسيان ومن بعده سمير شحاتة، وسادت «النوستالجيا» أو الحنين إلى الماضى الجلسة المنطلقة بروح ومرح أصدقاء عمر، حتى وضع أمامى السيناريست عاطف بشاى ملفًا مطبوعًا يحمل اسمه وعنوان «حكاياتى فى دفتر الفن» كان بحوزته من بداية الجلسة وبالقطع لاحظته كناشر يهتم بكل ما يتصل بالتوثيق، وما أن بدأ «بشاى» يطرح مضمون حكاياته فى دفتر الفن، وكيف أن النسخة المطبوعة التى بحوزتنا هى الوحيدة، حتى أبديت حماسى لنشرها من واقع تقديرى لقيمة المبدع الكبير وكيف أن مذكراته تُعَدُ توثيقًا ليس فقط لمسيرته الحافلة وإنما لفاصل هام من تاريخ الفن المصرى، وانتهت الجلسة الممتدة لعدة ساعات باتفاق على نشر مذكرات عاطف بشاى فى صيف العام الجارى، وأخذنا صورة جماعية تذكارية أصبحت الآن الوحيدة لنا معًا بعد وفاة السيناريست الكبير يوم الجمعة 30 أغسطس الماضى.

كان رحمة الله عليه يتابعنى كل آن وآخر فى كل مراحل إنتاج الكتاب، حاز غلاف الكتاب إعجابه بألوانه وتصميمه المُبهج وفى صدارته صورة عاطف بشاى بِطَلَته المُبهجة المُعبرة بحق عن شخصيته فى الواقع، وبتوجيه «الأستاذ» أبدى ملحوظات كانت فى محلها تمامًا بخصوص بروفة مَتن الكتاب بعدما راجعها بدأب من يُتقن عملًا أحبه ومنحه طاقة عمره، وبينما يأخذ الكتاب طريقه إلى المطبعة علمت بخبر إصابته بنزيف فى المخ نُقل على أثره راقدًا فى غيبوبة بمركز الحياة الطبى ويقع خلف «لوشانتيه» مقر عاطف بشاى المُفضل وكأنه لا يُطيق الابتعاد عنه حتى فى مرضه، عُدت بعدها بعدة أيام إلى محادثات الـ«واتس آب» فيما بيننا بدافع التواصل للاطمئنان عليه متوقعًا الرد من أحد أفراد الأسرة، فإذا بى ألتفت مُجددًا إلى أغلفة مجموعة من مؤلفاته السابقة أرسلها لى قبل أزمة مرضه دون أى تعليق، انتبهت هذه المرة وسألت نفسى: هل يوصينى الأستاذ بمؤلفاته؟.

كنت أنتظر رسالة مطمئنة من أسرة عاطف بشاى متابعًا تطورات حالته الصحية عبر الصحف والمواقع الإلكترونية والأصدقاء المشتركين، حين جاءنى صوته ينطلق فرحًا عبر رسالة صوتية يطمئننى بنفسه شاكرًا وممتنًا لسؤالى وآملًا فى لقاء قريب يجمعنا نتصفح فيه النسخ الأولى من مذكراته «حكاياتى فى دفتر الفن»، وعقبت على رسالته بتحقيق أمنيته قريبًا جدًا إن شاء الله، فالكتاب كان على وشك الخروج من المطبعة ونسخته الإلكترونية نُشرت بالفعل على تطبيق القراءة الإلكترونية «أبجد» ولاقى احتفاءً وصدىً طيبًا، وما زاد من اطمئنانى على صحة الأستاذ رحمة الله عليه أنه راسلنى كالمعتاد بمقاله الأسبوعى فى «المصرى اليوم» وجاء تحت عنوان «انت كويس؟!.. تمام» وفيه واصل عاطف بشاى «تشخيص» ولا أقول «تشريح» ما وصل إليه المجتمع المصرى فى الإساءة إلى لغتنا الجميلة اللغة العربية، وكان المقال السابق عليه بنحو شهر تقريبًا فى الجريدة نفسها بعنوان «بين الزمن الجميل.. والزمن الضنين»، وليت هناك من يقرأ.

دخل الأستاذ عاطف بشاى فى غيبوبة جديدة بعد انتكاسة صحية نتيجة مضاعفات التهاب رئوى حاد أصابه من طول إقامته بالرعاية المركزة، وبالتزامن خرجت النسخ الأولى من مذكراته «حكاياتى فى دفتر الفن» من المطبعة بعدما اجتهدت فى أن يراها الأستاذ حال إفاقته من الغيبوبة فى أى وقت، وبالفعل فى نهار الجمعة 30 أغسطس تواصلت مع ابنته السيدة نجلاء واتفقنا على إرسال نسخ الكتب لها مساء نفس اليوم، ولكن لم تمضِ ساعات قليلة يومها حتى جاءنى خبر وفاة الأستاذ رحمة الله عليه، ولم أندهش من عاصفة رثائه على صفحات السوشيال ميديا، فالرجل حاضر بأثر نحو 55 عملًا دراميًا فى السينما والتليفزيون، تعاون فيها مع كبار المؤلفين والمخرجين والفنانين، واستطاع أن يترك بصمته وملامح روحه الساخرة فى عدد كبير منها، وبصرف النظر أحيانًا عن اسم أو وزن مؤلف القصة أو الرواية، فقد كان عاطف بشاى يعلم جيدًا قيمة السيناريو كعمل إبداعى مستقل بذاته، يعيد من جديد خلق القصة أو الرواية فيبث فيها السيناريست من روحه لحمًا ودمًا بل ويأخذها أحيانًا إلى مناطق لم تخطر على بال مؤلفها، وهو ما نحتاج إلى إعادة تأسيسه فى تكوين الجمهور ومعه أيضًا صُناع الدراما.

صحيح أن عاطف بشاى رحل عن دنيانا، ولكن مثله يظل حاضرًا بإبداعه مهما غاب، فهو من زمن الدراما فى عصرها الذهبى، وقتما كان النص هو البطل، والمخرج هو سيد العمل الفنى، والتصوير لا يبدأ إلا بعد انتهاء الكتابة، والعرض لا يبدأ إلا بعد انتهاء التصوير، لذلك عاشت هذه الدراما الحقيقية محفورة داخلنا نذكرها باسمها قبل اسم أبطالها، فلترقد فى سلام أستاذنا الكبير، وإن كنت لم تشهد مذكراتك آخر ما كتبت بعد خروجها إلى النور، فالوعد هنا قائم بأن نستمر فى إحياء سيرتك من خلال جهود متواصلة ومستمرة تواكب مسيرتك الإبداعية الحافلة، مذكراتك «حكاياتى فى دفتر الفن» مجرد بداية والبقية تأتى إن شاء الله.   

أخبار ذات صلة

0 تعليق