«النــووي».. ليـــس الـحـــــــل - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الواقع يفرض التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة المتميزة بالكفاءة

في عالم تتصارع فيه الدول على الموارد، وتسعى فيه القوى الكبرى لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، تعود الطاقة النووية لتتصدر الأجندة العالمية تحت غطاء مكافحة التغير المناخي. ومع الوعود الكثيرة التي تقدمها الحكومات والشركات بشأن الطاقة النووية كحل نظيف ومستدام، إلا أن الخطاب السائد يتجاهل مخاطرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
في كتابه «الطاقة النووية ليست الحل: خداع القوة الذرية في عصر التغير المناخي»، الصادر عن دار فيرسو البريطانية ضمن 272 صفحة في 2024، يقدم الباحث إم. في. رامانا حجة مقنعة تكشف النقاب عن العيوب العميقة والتهديدات المرتبطة بالطاقة النووية، موضحاً لماذا يجب أن تتوجه الجهود نحو بدائل أكثر استدامة وفاعلية. يوضح رامانا أن الاعتماد على الطاقة النووية لمواجهة التغير المناخي ليس فقط خياراً غير عملي، بل يحمل أيضاً مخاطر كارثية. 
* أولاً، يشير إلى أن الطاقة النووية تُعد من بين أكثر مصادر الطاقة كلفة، مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، وبناء محطات نووية جديدة يتطلب استثمارات هائلة، ما يجعلها غير قادرة على المنافسة مع الخيارات المتجددة من حيث الكفاءة الاقتصادية.
* ثانياً، يبرز الكتاب مشكلة البطء في بناء وتشغيل المفاعلات النووية؛ حيث يمكن أن تستغرق عملية البناء والإطلاق الفعلي عقوداً. وفي ظل الحاجة الماسة إلى خفض الانبعاثات بحلول عام 2030، يُعد البطء في تنفيذ الطاقة النووية عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف المناخية.
* ثالثاً، يناقش رامانا المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية، بما في ذلك الحوادث الكارثية مثل تشيرنوبيل وفوكوشيما، والتي أظهرت التأثير المدمر لأي انهيار نووي. إلى جانب ذلك، يشير إلى المشكلات الأخلاقية والبيئية المتعلقة بالنفايات النووية، التي تبقى خطرة لمئات الآلاف من السنين، دون وجود حلول آمنة ومضمونة للتعامل معها.
المستقبل في البدائل المستدامة
يُظهر الكتاب كيف تستمر الحكومات والشركات الكبرى في دعم الطاقة النووية، رغم مشاكلها العديدة، من خلال الإعانات المالية والسياسات الموجهة. يكشف المؤلف العلاقة الوثيقة بين الطاقة النووية والصناعات الدفاعية؛ حيث تُستخدم التكنولوجيا النووية كغطاء لتطوير الأسلحة النووية، ما يسهم في انتشارها ويزيد من مخاطر الحروب النووية. كما يُبرز الدور الذي تلعبه جماعات المصالح في تلميع صورة الطاقة النووية وتصويرها كحل أخضر ومستدام، رغم أنها تعتمد على نموذج اقتصادي يستفيد منه الأثرياء على حساب المجتمعات الأضعف.
يرى المؤلف أن الترويج للطاقة النووية كحل للتغير المناخي ليس سوى محاولة لتأجيل التعامل مع الأزمة الحقيقية. فالطاقة النووية تقدم وعداً زائفاً بأن النظام الاقتصادي الحالي يمكن أن يستمر دون تغيير، بينما الواقع يفرض التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة التي تتميز بالكفاءة والاقتصاد والسرعة.
يهدف المؤلف إلى تفكيك الأوهام المحيطة بالطاقة النووية، موضحاً أن المستقبل يجب أن يكون موجهاً نحو الطاقة المتجددة، ويدعو صناع القرار إلى الاستثمار في التقنيات النظيفة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، التي توفر حلولاً فعالة ومستدامة للتغير المناخي.
الحكومات وسياسة الطاقة النووية
يشرح المؤلف في الفصل الأول، كيف أن جميع المفاعلات النووية، بما في ذلك الصغيرة منها، معرضة لخطر الحوادث الشديدة بسبب خصائصها التكنولوجية الجوهرية. ويرى أن المخاطر تتفاقم بفعل مجموعة من العوامل، بما في ذلك أنماط الطقس المتطرفة الناتجة عن التغير المناخي، والأولويات المتعددة والمتضاربة للمنظمات التي تدير المرافق النووية، وضعف الرقابة بسبب تأثير جماعات الضغط الصناعية وغيرها من الجهات الاقتصادية القوية. عندما تحدث الحوادث، فإنها تؤدي إلى تلوث إشعاعي يمتد عبر الزمان والمكان؛ فعلى سبيل المثال، بعد خمسة وثلاثين عاماً من حادثة تشيرنوبيل، لا تزال أجزاء من أوكرانيا وبيلاروسيا غير صالحة للسكن بسبب مستويات الإشعاع العالية. كما تم العثور على السيزيوم المشع الناتج عن الكارثة في أغنام إنجلترا، التي بقيت ملوثة لعقود؛ وتم رفع القيود المفروضة على استهلاك هذه الأغنام في جميع المناطق فقط في عام 2012.
في الفصل الثاني، يشير إلى أن الطاقة النووية ليست حلاً عملياً للتغير المناخي، قائلاً: «يعتمد الدور المحتمل لأي تقنية طاقة في التخفيف من آثار التغير المناخي على كلفة استخدامها وسرعة قدرتها على استبدال الوقود الأحفوري. اليوم، تُعدّ الطاقة النووية واحدة من أكثر الطرق كلفة لتوليد الكهرباء. يؤدي الفصلان الأول والثاني إلى التساؤل: «لماذا تستمر الحكومات والشركات الخاصة في تمويل الطاقة النووية على الرغم من المشاكل المستعصية؟».
يستكشف المؤلف في بقية الكتاب بعض الأسباب وراء هذا الدعم، ويقدم في الوقت نفسه حجة جديدة حول كيف أن الاقتصاد السياسي للطاقة النووية يشكل سبباً مستقلاً لرفضها كحل عملي للتغير المناخي. ويوضح في الفصل الثالث، كيف استفادت العديد من المنظمات الكبيرة والقوية مالياً من بناء وتشغيل المحطات النووية، من خلال تحميل الجمهور كلفة تلك المشاريع.
ويشرح في الفصل الرابع، كيفية تحالف الشركات والسياسيين في مسألة الطاقة النووية، ويصف الطرق العديدة التي تُقدم بها الحكومات الدعم لهذه الصناعة، مثل توفير الإعانات بأنواعها المختلفة وتوجيه السياسات لخدمة الشركات. يقول: «تحدث إعادة تشكيل أسواق الكهرباء لصالح الطاقة النووية في كل من البلدان التي تُخصخص فيها أعمال الكهرباء (مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) وفي البلدان التي تمتلك فيها الحكومة المفاعلات النووية (مثل الهند والصين)».
ويتناول في الفصل الخامس، الروابط الوثيقة بين إنتاج الطاقة النووية والأسلحة النووية، مبيناً أن توسيع الطاقة النووية سيجعل التخلص من الأسلحة النووية وتجنب الحروب النووية أكثر صعوبة. ويناقش الفصل السادس بأن التصاميم الجديدة للمفاعلات لن تعاني المشاكل التاريخية التي أضرت بهذه التكنولوجيا. كما يناقش كيف تسعى شخصيات بارزة في الصناعة إلى الترويج لهذه التصاميم بطرق خادعة.
ويختم الكتاب بالحديث عن الطبيعة السياسية للطاقة النووية، وكيف أنها تعمل بشكل أفضل فقط في ظل نظام اجتماعي واقتصادي موجه نحو التوسع المادي غير المحدود، وهو السبب الأساسي لأزمة المناخ؛ قائلاً: «يتم الترويج للطاقة النووية من قبل قوى مؤثرة في الحكومات والشركات التي تستفيد من التوزيع غير العادل الحالي للموارد والطاقة؛ لأنها تحمل وعداً بأن النظام الاقتصادي يمكن أن يستمر تقريباً بنفس المسار الحالي، مع تجنب التنبؤات القاتمة المرتبطة بالتغير المناخي واسع النطاق. الحديث عـــن الطاقة النــووية أو تصميم مفاعلات جديدة هو في الواقع وســيلة لتأجيل التعامل مع أزمة المناخ. قد يكون التأجــيل «سارق الوقت»، لكنه استراتيجية جيدة للشركات التي تستفيد من النظام الحالي».

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق