كيف بات الأمريكيون تحت رحمة أغنى شخص على وجه الأرض؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد: وائل لبيب
في صبيحة الأول من شهر فبراير/ شباط الجاري، اقتحم فريق تابع للملياردير الأمريكي إيلون ماسك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، على بعد بضعة شوارع من البيت الأبيض، مطالبين بالوصول إلى كافة سجلاتها، في مشهد خلا من أي مواجهات أو اشتباكات، لكنه كشف بوضوح عن نفوذ أغنى رجل في العالم، وقدرته على إعادة تشكيل مراكز القوة في الحكومة الأمريكية، معيداً إلى الأذهان سياسته العاصفة بعد امتلاكه منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي.
وسلطت مجلة «التايمز» البريطانية الضوء على الدور البارز لمؤسس شركة «تسلا»، و«سبيس إكس»، في الإدارة الأمريكية الحالية، بنشر صورته يتربع داخل البيت الأبيض، في إشارة إلى نفوذه المهيمن، بعد عودة الملياردير وقطب الأعمال دونالد ترامب مجدداً إلى سدة الحكم بعد تحول دراماتيكي في الانتخابات الأخيرة، ضخ من أجلها مالك منصة «إكس» مئات الملايين دعماً لفوز ترامب.
سلطة نافذة لـ «أطفال دي أو جي إي»
واستهدف فريق ماسك الذي يعرف اختصاراً بـ«دي أو جي إي» وكالة فيدرالية، لها تاريخ يمتد 64 عاماً، وميزانية تبلغ 35 مليار دولار، ولديها مهمة وفقاً للقانون الفيدرالي. لكن أعضاء فريق ماسك الذين عرفوا أنفسهم كأعضاء في وزارة كفاءة الحكومة، وهي مجموعة من الموظفين المؤقتين بلا عقود، ولا موقع إلكتروني، ولا سلطة قانونية واضحة، باتوا يمتعون بسلطة نافذة، وهي قوة تنبع من ماسك، أغنى شخص على وجه الأرض، المكلف بمهام عدة منها تفكيك البيروقراطية الفيدرالية، وخفض الميزانيات، وتقليص الخدمة المدنية، وتجريد الوكالات المستقلة من القدرة على إعاقة أهداف ترامب.
سلطات فريق «دي أو جي إي» أكدها ترامب سابقاً أنها ستكون خارج النطاق الرسمي للحكومة، وستعمل مع مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض، ما يخلق وضعاً غير مألوف، بشأن كيفية تعاون الوكالات الحكومية معها، لترشيد النفقات.


وسمح مسؤولو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لفريق ماسك، المتحمس، بقضاء عدة أيام داخل مقرهم في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، سار خلالها «أطفال DOGE»، كما أطلق عليهم بعض موظفين، في القاعات، وهم يحملون الحافظات في أيديهم، وفحصوا المكاتب واستجوبوا المديرين، وفقاً للعديد من مسؤولي الوكالة الأمريكية الذين وصفوا الأحداث لمجلة تايم. 
-«حان الوقت لكي تموت»
ولكن مع عطلة نهاية الأسبوع، توسعت مطالبهم -بما في ذلك الوصول إلى المرافق الحساسة المصممة لتخزين المعلومات السرية- إلى أبعد مما يستطيع رؤساء الأمن في الوكالة. وهدد فريق ماسك موظفي الوكالة بالاتصال بالأمن وإخلاء المبنى، كما أبلغوا ماسك بالمشكلة.
ولم يخف الملياردير الأمريكي رغبته في تصفية الوكالة تماماً، إذ غرد إلى متابعيه البالغ عددهم 215 مليوناً على منصته، «إكس»: «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منظمة إجرامية»، ثم كتب لاحقاً بعد فترة وجيزة: «حان الوقت لكي تموت».
وظل سبب حملة ماسك الشعواء على الوكالة غير واضح. ولكن بغض النظر عن السبب، بحلول صباح اليوم التالي، توقفت الوكالة التي تصرف سنوياً عشرات المليارات من الدولارات في أنحاء العالم، وتكافح المجاعة والمرض وتوفر المياه النظيفة للملايين، عن العمل في الغالب. وفي غضون أسبوع، صار موظفوها تقريباً في إجازة، وأغلقت مكاتبها حول العالم.
تفويض شامل لصانع الملوك
وباتت «الوكالة الأمريكية» أولى ضحايا «صانع الملوك»، الذي اعتاد أن يجعل أسواق المال تتراجع على وقع تغريداته، لتكون بذلك الرسالة بصوت عالٍ وواضحة إلى كل وكالة حكومية أخرى قد يستهدفها مكتب الكفاء الحكومية، ليمارس بذلك دوراً في التأثير على آلية الحكومة الأمريكية لم يتوفر لأي شخص آخر، لا تخضع ثروته وأعماله لإشراف السلطات الفيدرالية.
وحتى الآن، لا يبدو أن ماسك مسؤول أمام أحد سوى ترامب، الذي سلم المتبرع الأول لحملته إلى البيت الأبيض تفويضاً شاملاً لجعل الحكومة متوافقة مع أجندته. 
ولم يتوان فريق «DOGE» عن استهداف الوكالات الحكومية الأخرى، إذ بسط نفوذه على الخدمة الرقمية الأمريكية، وأنشأ رأس جسر داخل إدارة الموارد البشرية الفيدرالية، ومكتب إدارة الموظفين (OPM)، كما باتت وزارة التعليم على حافة الهاوية، إذ أبدى ترامب وماسك مراراً رغبتهما في تفكيكها.
ويبدو أن قِلة من الوكالات الأمريكية «آمنة» من عاصفة ماسك الذي أظهر أنه لن يتسامح مع أي معارضة، مهما كانت مبررة، متمسكاً بوصفه الحكومة بأنها «متضخمة، وإنفاقها غير مستدام»، متوعداً بخفض عدد الوكالات الفيدرالية إلى 99 من أكثر من 400 حالياً. 


وقبل أيام من تصفية «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، رفض مسؤول في وزارة الخزانة وصول فريق ماسك إلى نظام الدفع الفيدرالي الأمريكي. وأُجبر المسؤول على التقاعد، ومنح وزير الخزانة المعين حديثاً، سكوت بيسنت، فريق ماسك الوصول الذي طالبت به. 
الولاء لترامب
لكن الأمر لم يمر بسلام، بعدما علق وصول فريق ماسك في الخامس من فبراير/ شباط الجاري مؤقتاً بعدما رفع موظفون سابقون وحاليون دعوى قضائية، في حادثة وصفت بأنها «موجة أولى» ضمن موجة ضخمة مناهضة للحكومة، بسبب مخاوف من اختراق الميزانيات، والقضاء على البرامج القيمة، واستهداف الموظفين المحترفين، واستبدالهم بمعينين سياسيين مؤهلهم الأساسي هو الولاء الواضح للرئيس.
ويرى محللون أن السياسات الأخيرة هي المسار الذي اختاره الناخبون الأمريكيون بتصعيدهم ترامب إلى سدة البيت الأبيض، لذا فإن فكرة مهاجمة أحد أكثر رجال الأعمال إنجازاً في العالم للبيروقراطية الفيدرالية المترامية الأطراف بنفس السرعة والعزيمة التي جلبها إلى شركته الناشئة في مجال السيارات أو الصواريخ هي سبب للاحتفال وليس الذعر.
وهناك مخاوف من تزايد ردود الفعل العكسية ضد مهمة ماسك، بسبب حجم الميزانية الفيدرالية، أو عدد الموظفين المستهدفين بالتقليص داخل الوكالات، إضافة إلى مخاطر يمثلها امتلاك رجل غير منتخب لمثل هذه السلطة غير المقيدة. 
كيف دمر ماسك تويتر
وفي الوقت الحالي، يجد ملايين العاملين الحكوميين أنفسهم تحت رحمة ماسك. وصفت إحداهن فريقها في وزارة الأمن الداخلي بأنه يتخذ «وضعية دفاعية»، ترقباً لقرارات ماسك. 
وأضافت أن زملاءها لجؤوا إلى كتاب بعنوان «حد الشخصية»، يشرح فيه مؤلفه كيف سيطر ماسك على «تويتر» قبل عامين وطرد 80% من موظفيه، غالباً بنتائج فوضوية.


تلك المخاوف برزت بشدة، في الثامن والعشرين من يناير/ كانون الثاني، عندما تلقى ملايين الموظفين المدنيين في الحكومة دون سابق إنذار رسالة بريد إلكتروني تعرض عليهم راتب ثمانية أشهر في مقابل استقالتهم. وكان ماسك اقترح نفس الصفقة إلى حد كبير على موظفي «تويتر» قبل عامين. بل إنه استخدم نفس المصطلح معهم: «مفترق طرق».
وبحسب التايمز لم يكن الأمر غريباً بالنسبة إلى أصدقاء ماسك في وادي السيليكون، إذ فهموا من استيلائه على تويتر أنه تحضير لقضية أعظم. وقال أحدهم لمجلة تايم في نوفمبر/ تشرين الثاني: «المزاج هو أن ماسك يمكن أن يفعل الشيء نفسه مع حكومة الولايات المتحدة».
«مشروع 2025»
وتتوافق سياسة ماسك الحالية، مع خطة وضعها مساعدو ترامب قبل فترة طويلة من الانتخابات، نشرت في تقرير من 900 صفحة عرف باسم «مشروع 2025»، وقال أحد مؤلفيه الرئيسيين، راسل فوغت، في خطاب ألقاه قبل عامين، إنه يريد أن يتأثر الموظفون المدنيون «بشكل مؤلم بالتطهير الذي تصوره». وقال: «نريد أن يتم إيقاف تمويلهم. نريد أن نجعلهم في حالة صدمة».
وخوفاً من تأثير الكشف عن تلك السياسة على حملته الانتخابية، أقسم ترامب أنه لا علاقة له بالخطة. وقال لمجلة تايم في نوفمبر:«كان من غير المناسب أن يخرجوا بوثيقة مثل هذه. بعض الأشياء التي كنت أختلف معها بشدة».. 
ولكن بمجرد توليه منصبه، اختار فوغت ليكون مسؤولاً عن مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض، والذي يعمل الآن عن كثب مع فريق ماسك لسن أجزاء حاسمة من«مشروع 2025»، حيث تشير المجلة إلى أن تحركات ترامب المحمومة في أيامة الأولى استهدفت تطبيق ما يقرب من ثلثي الخطة الموضوعة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق