إعداد: محمد كمال
لم يهنأ أهالي غزة الأكثر تحملاً لفواتير الصراع المدمر على مدار 15 شهراً، باتفاق هش لوقف القتال، حتى انتابهم القلق على مصيرهم ما بين مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجيرهم جميعاً من أراضيهم، أو التوعد الإسرائيلي بعودة قتال أشد ضراوة، رداً على إعلان حماس إرجاء صفقة رهائن جديدة، لعدم التزام الطرف الآخر بالاتفاق، فماذا ينتظر حوالي مليوني فلسطيني فقدوا الآلاف من ذويهم، وتهدمت بيوتهم، وبالكاد التقطوا أنفاسهم من دوي الغارات الطاحنة.
وفي حين لم تكمل الهدنة النسبية بين إسرائيل وحماس شهراً، بدأ الطرفان تحركات بالفعل نحو العودة إلى الحرب، حيث قالت حماس إنها لن تطلق سراح الرهائن حتى تحصل على المزيد من الإمدادات الإنسانية، فيما تتوعد إسرائيل بإلغاء الاتفاق وتبدأ القتال مرة أخرى إذا لم تُطلق الحركة باقي الرهائن لديها في الموعد، متسلحة ب«جرين كارد» أمريكي يسمح لها بفتح «أبواب الجحيم».
استعداد الجانبين للقتال
ترامب الذي ساعد فريقه في إبرام صفقة وقف القتال، قبل توليه منصبه، أضاف متغيراً جديداً من خلال وضع إنذار نهائي خاص به، حيث طالب حماس بالإفراج عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم، وليس فقط المقرر إطلاق سراحهم بموجب المراحل المنصوص عليها في الاتفاق، وقد شجعت هذه التصريحات إسرائيل وأثارت قلق حماس، بينما تجري دول الوساطة العربية جهوداً مكثفة لمحاولة الحفاظ على الاتفاق.
وبالفعل بدأ الجيش الإسرائيلي في إرسال المزيد من قواته إلى غزة وطلب منهم الاستعداد للقتال. فيما قال أشخاص مطلعون، وفق صحيفة وول ستريت جورنال، إنه بعد إنذار ترامب، أعطت حماس أوامر لمقاتليها في غزة بالاختباء والعودة إلى اتصالات أكثر أماناً والاستعداد للقتال.
ويرى مراقبون أنه مهما كانت النتيجة، فإن طريق الخروج أصبح أكثر تعقيداً، وينذر النزاع المتصاعد بأزمة أكثر خطورة، يتوقع الوسطاء أن تنشأ خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، قبل انتهاء المرحلة الأولى من الهدنة.
مصير التبادل المقبل
وفي حين يرجح الوسطاء أن الأزمة الحالية يمكن حلها وإنقاذ عملية تبادل الرهائن الإسرائيليين بالسجناء الفلسطينيين السبت، فإنهم استندوا إلى حقيقة أن إعلان حماس المبكر عن إرجاء التسليم، يعني أن أنها تأمل في حل الأمر وعدم إثارة أزمة. وقال وسطاء إن المحادثات جارية بالفعل لحل القضايا التي أدت إلى المواجهة من خلال زيادة تدفق البضائع مثل الخيام اللازمة للمأوى، لكن تظل الأزمة الأشد خطورة هي مخطط التهجير الأمريكي والذي ترفضه الدول العربية، فيما يتم تحضير خطة عربية بديلة لمستقبل القطاع.
ويتوقع ديفيد ميدان، المسؤول الكبير السابق في الموساد الإسرائيلي، والذي ساعد في التفاوض على اتفاق إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011 أنه يعتقد أن حماس تريد الحفاظ على الاتفاق والمضي قدماً إلى المرحلة الثانية، فيما يؤكد مراقبون آخرون أن إسرائيل نفسها تريد إتمام الصفقة تحت ضغط الشارع وخصوصاً ذوي الرهائن المتبقين لدى حماس.
وعلى الرغم من إصدار الحكومة الإسرائيلية العديد من البيانات، فإنها لم تكرر علناً مطلب ترامب القاضي بالإفراج عن جميع الرهائن يوم السبت. ومع ذلك، قالت إنها ستعلق المفاوضات للمراحل اللاحقة للصفقة، والتي سيتم بموجبها إطلاق سراح المزيد من الرهائن مقابل إنهاء الحرب. ويشعر الوسطاء بالقلق من أن المفاوضات بشأن المرحلة التالية من الصفقة، والتي كان من المفترض أن تبدأ الأسبوع الماضي، تواجه الآن المزيد من التأخير.
المرحلة المعقدة
ووقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، قائم على مراحل متعددة، وكان الهدف من ذلك تأجيل المباحثات حول القضايا الأكثر إثارة للجدل، وخلال المرحلة الأولى، يتم إطلاق سراح 33 رهينة إسرائيلية مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين على مدار 42 يوماً تنتهي في الأول من مارس/آذار المقبل.
أما المرحلة الثانية من الصفقة فتعتبر أكثر تعقيداً بكثير، حيث تستلزم انسحاب إسرائيل الكامل من غزة ووقف دائم للقتال مقابل الإفراج عن جميع الرهائن الأحياء المتبقين. لكن إسرائيل قالت إنها لن تنهي الحرب مع استمرار حماس في السلطة بغزة، وهدد أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو بالانسحاب من الائتلاف الحاكم إذا وافق على إنهاء القتال، كما رفضت حماس إعلان الاستسلام. ويقول أحد الوسطاء العرب: «لقد اشتكينا مراراً وتكراراً وحذرنا إسرائيل من أن الوقت ينفد».
الأزمة الأخطر
تفاقمت الأزمة الأكثر خطورة حتى الآن في المحادثات، عقب اقتراح ترامب إبعاد مليوني فلسطيني من غزة إلى الدول العربية المجاورة، بينما تسيطر بلاده على القطاع، لإنشاء ما وصفه ب«ريفييرا الشرق الأوسط»، ثم تأكيده أنه لن يكون لهم حق العودة، بينما تصبح غزة وجهة سياحية دولية تحت إدارة أمريكية.
وما زاد تفاقم الأوضاع تحذير ترامب من أنه «سيترك الجحيم يندلع» إذا لم تتم إعادة جميع الرهائن السبت. وأصدر نتنياهو إنذاراً نهائياً هدد فيه بأنه إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن الثلاثة، فإن إسرائيل ستعود إلى القتال. لكن بعض المشرعين اليمينيين المتطرفين في إسرائيل يعتقدون أن نتنياهو لن يذهب إلى أبعد من ذلك، وكان ينبغي أن يطالب بجميع الرهائن.
وأثارت محاولات مسؤول إسرائيلي توضيح تصريحات نتنياهو مزيداً من الالتباس، حيث قال في البداية إن إسرائيل تريد تسعة رهائن في الأيام المقبلة، وهم جميع الرهائن الأحياء الذين تشملهم المرحلة الأولى من الصفقة، ثم قال في وقت لاحق إن إسرائيل تريد إطلاق سراح الثلاثة يوم السبت والإفراج عن الستة الآخرين بشكل سريع لاحقاً، وهي رسالة تم إرسالها أيضاً إلى الوسطاء في المحادثات.
الخطة المصرية البديلة
وبعيداً عن خطة ترامب بتهجير كل فلسطينيي غزة مع احتمال ضم إسرائيل للضفة، والتي توصف بأنها بمثابة «تطهير عرقي وجريمة حرب»، ألمح العاهل الأردني خلال لقاء جمعه بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض إلى أن مصر تجهز خطة بديلة عن مستقبل غزة، وسوف تناقشها في اجتماع قمة عربي، ومن المؤكد أن هذا المقترح سيقدم رؤية شاملة لإعادة إعمار قطاع غزة بما يضمن بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه.
وفي الأيام الأخيرة، ومع تزايد القلق بشأن فكرة ترامب، أكد مسؤولون أن مصر مستعدة للمساعدة في إعادة بناء غزة، كما فعلت بعد الصراعات السابقة هناك بما يخدم مصالح الفلسطينيين ويحافظ على الأمن القومي لمصر والأردن، اللذين جددا وحدة موقفهما بشأن رفض خطة ترامب عقب اجتماع البيت الأبيض.
ومن بين ما تناولته وسائل الإعلام المصرية، خطة إعادة إعمار تتكلف 20 مليار دولار لبناء 200 ألف وحدة سكنية في غزة، دون إخراج أي فلسطيني من القطاع.
ويقول خبراء إن ترامب يتجاهل المواقف الأمريكية السابقة بشأن مصر والأردن، في حين يؤكدون أن موقف البلدين بشكل خاص في مجال الأمن الإقليمي لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للولايات المتحدة، كما أكدوا أن المعطيات الإقليمية الحالية تجعل من شبه المستحيل اشتراك مصر والأردن في خطة تهجير الفلسطينيين.
ساعات القلق ومصير اتفاق وقف القتال في غزة - ستاد العرب
![ساعات
القلق
ومصير
اتفاق
وقف
القتال
في
غزة - ستاد العرب](https://staad-arab.com/temp/thumb/900x450_uploads,2025,02,12,149c8f6a48.jpg)
ساعات القلق ومصير اتفاق وقف القتال في غزة - ستاد العرب
0 تعليق