قدرة الصين الفائضة في إفريقيا - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

خلال القمة الصينية الإفريقية الأخيرة، أخبر الزعيم الصيني شي جين بينغ 51 زعيماً إفريقياً أن علاقات بلاده بقارتهم هي «الأفضل عبر التاريخ». وبأن بكين حشدت 50.7 مليار دولار في هيئة مساعدات واستثمارات، وأنشأت دعماً جديداً للتعليم والتجارة والأمن، فضلاً عن التبادلات الثنائية. كما رفعت علاقاتها مع إفريقيا إلى «استراتيجية» و«ملائمة لكل الظروف»، لما يمثله ذلك من مستقبل مشترك للعصر الجديد، بحسب وصفه.
ويهدف سخاء الصين هذا إلى الدفاع عن نظام عالمي جديد بديل للنظام القائم على القواعد الذي يقوده الغرب، يسعى إلى إعادة تعريف الحوكمة العالمية بشروط صديقة للصين. في الوقت نفسه، تكمن المصالح الاستراتيجية لإفريقيا في التودد على الساحة الجيوسياسية إلى جميع الخاطبين. وبالفعل، نجحت بكين في إغواء القارة من خلال الترويج لمعجزة التنمية الاقتصادية الصينية كنموذج فعّال.
وتشير الصين إلى صعودها النيزكي، وكيف حققت ذلك دون الاعتماد على نموذج التنمية الغربي أو الكثير من المساعدات الغربية، وسوّقت نفسها على أنها الشريك التنموي البديل الذي تحتاج إليه إفريقيا. ومع إعطاء حكومات القارة الأولوية للتنمية الاقتصادية لبلدانهم فوق كل شيء آخر، فإن هذا يشكل رسالة رابحة.
ولكن على الرغم من أن بكين تبيع نموذجها وشراكتها كتذكرة عبور لإفريقيا إلى التنمية، فإن عناصر النهج الاقتصادي الصيني تقوّض بشكل غير عادل الاقتصادات هناك. وتُعد «القدرة الفائضة» للصين المتهم الرئيسي. وببساطة، يعوض اقتصاد الصين حالياً عن انخفاض الاستهلاك المحلي من خلال الاعتماد على بقية العالم كسوق له، وبالتالي الحفاظ على أحجام إنتاج ضخمة. وتخلق هذه القدرة الفائضة التي تغمر السوق الدولية بمنتجات صينية الصنع تحديات مختلفة لاقتصادات مختلفة. فبالنسبة للاقتصادات الغربية، يخلق الإفراط في إنتاج السلع الصينية ذات القيمة المضافة الأعلى تبعيات، ويهدد بعض الصناعات الأوروبية. انظر إلى الألواح الشمسية والمركبات الكهربائية الرخيصة التي تزاحم نظيراتها الأوروبية، وكيف استفادت الاقتصادات الإفريقية النامية، التي لا تنتجها بعد، منها، وبالتالي انعدمت المنافسة.
يريد خبراء الاقتصاد في الصين اللعب على طرفي طيف القيمة المضافة، وعليه، ستصبح الطاقة الفائضة مشكلة للاقتصادات الإفريقية. وبدلاً من اتباع المسار الاقتصادي التقليدي، الذي يصعد بالإنتاج ذي القيمة المضافة المنخفضة إلى القيمة المضافة العالية، تدعو الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين صراحة إلى الحفاظ على التصنيع منخفض الجودة.
لذا، ورغم محاولة الاقتصادات الإفريقية تنمية إنتاجها ذي القيمة المضافة المنخفضة كخطوة إلى الأمام على سلم التنمية، يتعين عليها أن تنافس الصين على أسواق المستهلكين في إفريقيا، حيث تغمر الصين أسواق المستهلكين الأفارقة بالمنسوجات الرخيصة والملابس وغيرها من المنتجات ذات القيمة المنخفضة، وتلبي الطلب بسعر أقل من كل الإنتاج المحلي تقريباً. وبالتالي، يشكل إنتاج الصين عقبة كبيرة أمام قدرة القارة السمراء على السير على خطى الصين بوصفها «مصنع العالم» التالي.
في القمة، أومأت بكين برأسها لهذه المخاوف، وقدمت مبادرات لموازنة اختلال التوازن التجاري مع إفريقيا ومساعدة القارة على الصعود على سلم القيمة المضافة. لكنها تخلت عن وعدها السابق باستيراد منتجات إفريقية بقيمة 300 مليار دولار تم تصنيعها بعد قمة عام 2021. وبدلاً من ذلك، عرضت الصين إزالة التعريفات الجمركية على 33 من أقل البلدان نمواً في إفريقيا، وهي لفتة رمزية حيث لا يوجد سوى احتمال ضئيل لإنتاج هذه البلدان للسلع المصنعة للتصدير إلى الصين.
يستطيع صناع السياسات الأوروبيون تذكير نظرائهم في إفريقيا بعدم التوافق الكلي بينهم وبين الصين. ومن خلال ذلك، يضع الأوروبيون أنفسهم في وضع أفضل بشكل واضح. وعلى النقيض من الصين، تخلت الاقتصادات الأوروبية منذ فترة طويلة عن أي طموح للإنتاج ذي القيمة المضافة المنخفضة. ولن تكون أوروبا أبداً منافساً للاقتصادات الإفريقية في هذا القطاع، ولكنها تبقى مستهلكاً محتملاً. ولكن هناك فرصة أخرى لأوروبا في مرتبة أعلى على سلم القيمة المضافة. فقد بدأت الدول الأوروبية بالفعل في خفض وارداتها من المدخلات الصناعية الصينية من خلال السياسات البيئية الأوروبية مثل آلية تعديل حدود الكربون، التي تفرض تعريفات جمركية على منتجات مثل الصلب الصيني. وهنا تهدد الصين أيضاً الاقتصادات الإفريقية الأكثر تقدماً. وفي نهاية السلع ذات القيمة العالية، يبرز خيار ثالث للتعاون بين إفريقيا وأوروبا. فقد وضعت جنوب إفريقيا مؤخراً واردات صينية ذات قيمة مضافة أعلى تحت المراقبة، وفرضت تعريفات جمركية على الألواح الشمسية لإعطاء الإنتاج الخاص بها فرصة للتحرك. ويهدف الأوروبيون إلى الحفاظ على قدرتهم الإنتاجية وتعزيزها في هذا القطاع، لذا فإن الفرصة تكمن في مواجهة فائض الطاقة لدى الصين بشكل مشترك أكثر من تحويل الإنتاج الأوروبي إلى إفريقيا.
مع تقارب المخاوف الأوروبية والإفريقية بشأن فائض الطاقة الإنتاجية الصينية، يتعين على صناع السياسات الأوروبيين أن يتعاونوا مع نظرائهم الأفارقة لمعالجة هذا التحدي بشكل مشترك. وقد يمهد هذا الطريق لموقف مشترك، ويضرب عصفورين بحجر واحد: إنشاء جبهة أوسع لمواجهة فائض الطاقة الإنتاجية الصينية، وفتح مجالات جديدة للتعاون الاقتصادي بين إفريقيا وأوروبا. وللاستفادة من هذه الفرصة، يحتاج صناع السياسات الأوروبيون فقط إلى ربط النقاط الاقتصادية الكلية وصولاً إلى القرارات الحاسمة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق