«بريكس» لاعب حاسم بالمشهد العالمي - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ليم تيك جي*

يتساءل مراقبون ممن يتابعون التقدم الذي تشهده مجموعة «بريكس»، التكتل الاقتصادي والسياسي والتنموي المنافس لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة الدول السبع ومجموعة العشرين التي يهيمن عليها الغرب، لماذا لا توجد تغطية إعلامية غربية ضخمة للحدث الذي عقد في قازان من 22 إلى 24 أكتوبر؟
من الممكن أن يكون السبب وراء ذلك هو ترؤس روسيا لقمة البريكس بحضور الرئيس فلاديمير بوتين بالطبع، ومن هنا، فإن عدم رغبة وسائل الإعلام الغربية في التغطية قد يوفر ميزة إضافية للزعيم الروسي وبلاده.
وهناك عامل آخر يتمثل في أن وسائل الإعلام الغربية هي من المساهمين والمشجعين للنظام العالمي الحالي القائم على هيمنة الولايات المتحدة بدعم من مجموعة حلفائها المتضائلة، إذ تريد بعض القنوات الإعلامية الغربية مثل «سي إن إن»، و«بي بي سي»، و«نيويورك تايمز»، وغيرها أن يرى قراؤها أن «بريكس» لاعب غير حاسم في السياسة والاقتصاد العالميين. وذلك من خلال التقارير الرافضة، أو الصمت بشأن المجموعة، وقد استمر هذا النهج في الاجتماع الأخير.
القمة ناقشت، بدورتها ال16، موضوع إزالة الدولرة على نطاق واسع. فهيمنة الدولار الأمريكي على الأسواق العالمية من بين المخاوف التي طالما راودت الدول الأعضاء في «بريكس»، وهو ما أدى إلى تعرض الدول النامية لتقلبات الدولار وتأثيرات سلبية في تجارتها واقتصاداتها وتنميتها. وأصبح الإرث الذي خلفته الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة كقوة عظمى اليوم محل نزاع جزئي نتيجة للعقوبات غير المسبوقة التي فرضتها واشنطن على موسكو، والتي أجبرت الأخيرة وبقية الدول التي تتعامل معها تجارياً على استكشاف سبل مواصلة التجارة والمدفوعات الدولية دون اللجوء إلى استخدام الدولار الذي استنزف منها ثمناً باهظاً على مدى السنوات الثمانين الماضية.
وفي الوقت الحالي، نشهد اختلافاً في الرأي ربما ينشأ حول هذه القضية مع تبنّي عضوين بارزين في مجموعة البريكس، وهما الهند وروسيا، لمواقف متناقضة. وبحسب تقرير إخباري حظي باهتمام وسائل الإعلام الغربية والهندية مؤخراً، أشار وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار إلى أن السياسات الأمريكية كثيراً ما تعقد التجارة مع بعض البلدان، وأن الهند تسعى إلى «حلول بديلة» دون الابتعاد عن استخدام الدولار، على عكس بعض الدول الأخرى. لافتاً إلى أن العالم متعدد الأقطاب سوف ينعكس في نهاية المطاف في «العملات والمعاملات الاقتصادية».
وعلى النقيض من إشارات الهند المؤيدة للدولار، أعرب وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف عن الحاجة الملحة إلى قيام مجموعة البريكس بإنشاء نظام مدفوعات دولي خاص بها. ووفقاً له، فإن المنصات التي تعمل باستخدام البنية التحتية الغربية أصبحت «مسيسة بشكل متزايد». ودعا سيلوانوف إلى تأسيس بنية تحتية جديدة للدفع عبر الحدود تعتمد على العملات الوطنية والتقنيات الجديدة لتمكين المعاملات التجارية الخارجية الأسرع والأرخص والخالية من التدخل الخارجي، وقال: «مهمتنا هي خلق نظامنا المستقل، في ضوء القرارات السياسية إلى حد كبير للغرب». وفي إشارة إلى العمل الذي تقوم به وزارات المالية والبنوك المركزية في مجموعة البريكس، صرّح المسؤول الروسي بأن «المجموعة تتجاوز السياسة وأي ضغوط وقيود، وهدفها هو تحفيز النمو الاقتصادي وتعزيز دخل مواطنيها».
إن ما قد ينشأ أخيراً من عملية إزالة الدولرة ليس مجرد وسيلة دفع تنافسية، إنها آلية من شأنها أن تخلف تأثيرات إيجابية متتالية في التمويل الدولي والسياسات النقدية وسلاسل التوريد العالمية وتجارة النفط، حيث من المحتمل أن تسيطر الدول الأعضاء في مجموعة البريكس، التي تمثل بالفعل أكثر من 40% من إنتاج النفط العالمي، على أكثر من 50% من الإجمالي في المستقبل القريب. وسوف يؤدي التأثير حتماً إلى تغييرات في المشهد الاقتصادي العالمي. بالتالي، من الطبيعي أن تتمنى الدول المهيمنة والمؤسسات السياسية والمالية الحالية في الغرب فشل البريكس.
في الوقت نفسه، فإن مؤشراً رئيسياً آخر على تبدل موازين القوى الجيوسياسية يتضح بعدد أعضاء مجموعة البريكس الذي ازدهر خلال العامين الماضيين. حيث اجتذب التحالف مجموعة متنوعة من اللاعبين المحتملين الراغبين في خلق مشهد عالمي أكثر توازناً، مشهد تعتقد كثير من البلدان أنه متحيز ضدها حالياً.
ومن بين البلدان التي تقدمت رسمياً بطلب الانضمام إلى مجموعة البريكس، أو أعربت عن نيتها القيام بذلك خلال القمة، أذربيجان والجزائر وفيتنام وإندونيسيا وباكستان ونيجيريا وفنزويلا وكازاخستان وفلسطين وجمهورية الكونغو الديمقراطية والغابون وبنغلاديش والبحرين والكويت والسنغال وبوليفيا.
ومن بين الأعضاء المحتملين البارزين أيضاً تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، وتايلاند، حليفة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، وصربيا، المرشحة الطموحة التي تنتظر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتي ترى الآن أن مجموعة البريكس هي بديل أفضل لبروكسل، إضافة إلى كوبا، التي من المرجح أن تصبح أول دولة في أمريكا الشمالية تنضم إلى البريكس، وماليزيا، التي أكد رئيس وزرائها أنور إبراهيم مؤخراً رغبة بلاده في الانخراط أيضاً.
لقد نصحت بعض مراكز الفكر الغربية التقدمية التي تراقب الاقتصاد والسياسة العالمية الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بتجنب الذعر والمواجهة مع أحدث التطورات في «البريكس»، ومعالجة الشكاوى المشروعة للدول الأعضاء في المجموعة، بيد أن هذه الآراء تمثل أقلية ضئيلة. وما يمكننا أن نتوقعه هو أن يبحث معارضو «البريكس» عن أي فرصة لانتقادها وتقويضها بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الاستراتيجيات والأنشطة السرية والخفية.
*مؤرخ اقتصادي ماليزي ومحلل سياسي ومفكر عام «أوراسيا ريفيو»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق