البنتاغون يعتمد عليها.. هل تتفوق ألعاب محاكاة الحروب على المناورات العسكرية؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد ـ محمد كمال
يبدو أن التطور السريع لتكتيكات الحروب الحديثة، أظهر تحدياً كبيراً بشأن تدريبات الجيوش على سرعة التأقلم والتعامل معها، وهو ما دفعها إلى اللجوء لبرامج المحاكاة بل والألعاب الإلكترونية من أجل التكيف السريع والمستمر، لدرجة أن القوات الجوية الأمريكية وافقت مؤخراً على تشغيل إحدى ألعاب الحروب على شبكاتها الآمنة، وهو ما فعله لاحقاً الجيش البريطاني، بل وأصبح البعض ينظر لها باعتبارها بديلاً للمناورات العسكرية بل وتتفوق عليها بعدة مميزات.
ألعاب وخطط الحروب السرية التي كانت لفترة طويلة عالم كبار الضباط، أضحت الآن النسخ الإلكترونية الحديثة منها أداة للاستراتيجيين العسكريين لاختبار سيناريوهات الحرب، باستخدام تكتيكات ومعدات مختلفة، حيث يكشف خبراء عسكريون أن الرقمنة، المعززة بالذكاء الاصطناعي، تساعد في تقديم دروس عملية في ظل قدر أكبر من الأمان وبكلفة أقل من تنظيم المناورات العسكرية، بل ويمكن لألعاب الحرب أيضاً استكشاف افتراضات لا يمكن لأي تمرين معالجتها، مثل الحرب النووية.


ويكشف العقيد المتقاعد الذي يشغل حالياً منصب مدير المناورات في جامعة مشاة البحرية الأمريكية تيم باريك، أنه قام بتدريب مجموعة من العسكريين باستخدام الألعاب، وفي أحد التدريبات عبر الإنترنت، وضع ثمانية من كبار مشاة البحرية الأمريكية مراراً وتكراراً في نفس المحاكاة العسكرية في المحيط الهادئ، باستخدام برنامج محاكاة يسمى Command: Professional Edition، وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.
ويعد هذا البرنامج غير معتاد لأنه لم يتم إنشاؤه بواسطة متعهد أو معهد دفاعي، كما تفعل معظم ألعاب الحرب، ولكنه برنامج محاكاة تم تصميمه وتسويقه بواسطة لاعبين ليس لديهم أي خلفية عسكرية تقريباً، ويؤكد باريك أنه على مدار الشهرين اللذين مارس فيهما كبار مشاة البحرية لعبة Command PE، نما إبداعهم. 
ويؤكد باريك، الذي كان يدير في السابق قسم المناورات في مختبر الحرب التابع لمشاة البحرية الأمريكية: «هذه ليست مشاكل بسيطة.. ليس الأمر وكأننا نطلب منهم ممارسة لعبة إلكترونية عادية».
ووافقت القوات الجوية الأمريكية مؤخراً على تشغيل Command PE على شبكاتها الآمنة، كما وقعت القيادة الاستراتيجية البريطانية على استخدامها في التدريب والتعليم والتحليل، واصفة إياها بأداة «لاختبار الأفكار»، كما يعتمد محللو الدفاع التايوانيون عليها لتحليل الردود على الهجمات المحتملة من الصين.
المحاكاة التي أصبحت مشهورة عالمياً حالياً، تعود للشركة البريطانية Command، Slitherine Software، والتي بدأت كشركة عائلية عام 2000، وتخصصت في بيع ألعاب الأقراص المضغوطة بالتجزئة مثل Legion، والتي تتضمن حملات عسكرية رومانية قديمة.
لكن نقطة التحول، عندما اتصل مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية لأول مرة في عام 2016 بالشركة التي يقع مقرها في منزل قديم بإحدى ضواحي لندن، فيما يقول مديرا الشركة وهما رجل ونجله، إنهما أصيبا بالذهول الشديد لدرجة أنهما اعتقدا أن المكالمة قد تكون مزحة، كما يقول الأب جي دي ماكنيل. 
ووفق ما كشف مراقبون عسكريون، فإن ما لفت انتباه البنتاغون هو قاعدة البيانات الواسعة والدقيقة التي يتضمنها البرنامج للطائرات والسفن والصواريخ وغيرها من المعدات العسكرية من جميع أنحاء العالم، والتي تسمح بوضع نماذج محاكاة دقيقة بشكل استثنائي.
ويقول بيت زابو، المحلل السابق بالقوات الجوية الأمريكية، إنه بدأ في استخدامها في عام 2017 تقريباً لوضع نموذج لاستهلاك وقود الطائرات العسكرية في سيناريوهات المعركة، ويضيف: «كانت أداة قوية للغاية بالنسبة لنا»، ثم تذكر أن إقناع رؤسائه باستخدام برامج الألعاب التجارية الجاهزة، استغرق بعض العمل، حيث رفضوا ذلك في البداية.
وينقل التقرير عن مراقبين قوله، إنه لطالما سخر بعض الضباط في الجيش الأمريكي من «المناورات» ووصفوها بأنها ترفيه، لكن عمليات المحاكاة - وخاصة الرقمية منها - يمكن أن تصقل صنع القرار، والوعي المكاني، وقدرات المناورة.
ويؤكد أرنيل ديفيد، العقيد في الجيش الأمريكي الذي يقدم المشورة لأكبر جنرال في منظمة حلف شمال الأطلسي ويساعد في قيادة منظمة غير رسمية للترويج لألعاب الحرب بجميع أنواعها، تسمى Fight Club International: «ليس هناك شك في أن المهارات في اللعبة مهمة في ساحة المعركة».


وحصلت ألعاب الحرب على دفعة في الولايات المتحدة في عام 2015 عندما حذر نائب وزير الدفاع آنذاك روبرت وورك من أن مهارات البنتاغون في مناورات الحرب قد «ضمرت»، لتسارع الخدمات العسكرية إلى رفع مستوى لعبتها. حيث أضحى يتم إجراؤها تقليدياً باستخدام الخرائط والشبكات والنرد، كما تتضمن بعض ألعاب الحرب نماذج منضدية قد تتطلب غرفة كاملة. 
ولا تزال ألعاب الكمبيوتر بشكل عام تشبه الخرائط المعقدة أكثر من ألعاب إطلاق النار من منظور الشخص الأول مثل Call of Duty. لكن سرعتها وقوة معالجتها تسمحان للمشغلين بتطوير السيناريوهات وإعادة تشغيلها بوتيرة لم يسبق لها مثيل، وتوليد مجموعات كبيرة من البيانات للتحليل.
وفي مشروع يسمى Gamebreak لوكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة التابعة للبنتاغون في عام 2020، طور العلماء في شركة المقاولات العسكرية Northrop Grumman نماذج ذكاء اصطناعي للعب Command PE بشكل أساسي، ومعالجة عدد ربما يكون لانهائياً من الخيارات، بلغ متبوعين بـ 17 صفراً. 
ويساعد الذكاء الاصطناعي المستخدمين بشكل متزايد على إنشاء السيناريوهات وتشغيل الألعاب وفحص النتائج بحثاً عن الاتجاهات والمفاجآت. وتفتخر شركة MASA Group الفرنسية لتصنيع المناورات بأن الذكاء الاصطناعي يسمح بتشغيل برنامج Sword الخاص بها بسهولة أكبر من أنظمة المنافسين.
ـ جدل المعارك ـ 
ورغم هذا التطور فإن الجدل العسكري مازال مستمراً بشأن ما إذا كان الذكاء الاصطناعي والبرمجيات المتقدمة يعملان بالفعل على تحسين المناورات والاستعدادات للحرب، حيث تعد الحرب معقدة للغاية، فهي تواجه عوامل مختلفة من المعدات والاستراتيجيات إلى السياسة والطقس وغيرها، لدرجة أن نمذجة جميع المدخلات تستلزم تحليل عدد لا حصر له تقريباً من المتغيرات. بالإضافة إلى ضرورة قياس أشياء غير قابلة للقياس بدقة مثل الروح المعنوية العسكرية، وهو ما قد يتطلب قرارات صارمة.
وتقول آنا كناك، التي تقود الأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي والأمن في معهد آلان تورينج البريطاني، وهو مركز أبحاث تموله الحكومة: «إذا كانت جميع بياناتك الخاصة بالمحاكاة عبارة ضعيفة، فإن المحاكاة نفسها ستكون ضعيفة».
ومن بين الانتقادات أن الخوارزميات الأساسية للبرنامج ليست في متناول المستخدمين، وهو ما قد يقلل من فهم السيناريوهات. وتشير بيكا فاسر، التي تقود مختبر الألعاب في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهو مركز أبحاث في واشنطن: «أن ذلك يستبعد بعضاً من عنصر اتخاذ القرار البشري». أما المؤيدون فيقولون: إن الحوسبة توسع بشكل كبير من فائدة المناورات ونطاق المستخدمين المحتملين، وغالباً ما تكون مكملة للألعاب اليدوية. وقال ديفيد، الذي خدم في العراق وأفغانستان: «إنها أداة ضمن مجموعة أدوات».
ـ مناورات غير قتالية ـ 
وليست كل المناورات تنطوي على القتال، ويدير حلف شمال الأطلسي، الذي اعتمد في عام 2021 مبادئ توجيهية لحرب تدعو إلى «مناورات جريئة»، أيضاً عمليات محاكاة لإدارة الأزمات، كما تدير قيادة النقل الأمريكية مناورات تتضمن الشحنات والخدمات اللوجستية. 
وتعتبر ألعاب الحرب التي تركز على مجال معين، مثل الخدمات اللوجستية، سهلة التصميم نسبياً، في حين أن نمذجة الصراعات الكبيرة أمر محير. 
ـ تجارب عملية ـ 
ولمحاكاة هجوم صيني على تايوان في لعبة منضدية يتم لعبها بين فرق من المتخصصين في عام 2022، أمضى المصممون الذين استضافهم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أكثر من عام في تصميم المشروع وإعداده، حيث قام المصممون بتعديل اللعبة لمعالجة المشكلات الجديدة من كل جولة.
وفي عام 1980 أراد الملازم البحري لاري بوند إنشاء محاكاة معركة بسيطة، بعد استخدام لعبة التدريب المعقدة Navtag، على متن مدمرة، حيث ابتكر لعبة Harpoon، التي تم نشرها على شكل لعبة ورق ونرد والتي اجتذبت عدداً كبيراً من المتابعين بفضل بياناتها الفنية الشاملة عن الأنظمة العسكرية، وكان أحد المعجبين باللعبة هو وكيل التأمين الذي تحول إلى المؤلف توم كلانسي.
واعتمد كلانسي على اللعبة Harpoon كمصدر لروايته الأولى «The Hunt for Red October»، واستخدمها على نطاق واسع في كتابة روايته اللاحقة «Red Storm Rising» عام 1986، حتى أنه أطلق على نفسه وبوند اسم «المؤلفون المشاركون».


ثم ازدهرت نسخة الكمبيوتر المنزلي من Harpoon قبل أن تتلاشى في أوائل هذا القرن، ويجري تطوير كبير عليها لاحقاً، حيث تتضمن قاعدة البيانات الآن عشرات الآلاف من العناصر، من الرصاص إلى قاذفات القنابل، وتغطي تقريباً كل قطعة من معدات الخطوط الأمامية التي تستخدمها جميع جيوش العالم منذ عام 1946. ويحافظ المستخدمون على الدقة بشأن الوقود ونطاق التشغيل.
ـ نسخة احترافية مخابراتية ـ 
وبعد مذكرة للبنتاغون عام 2015 الصادرة عن العقيد وورك بشأن الإسراع لإعادة اكتشاف المناورات، عثر مسؤول في القوات الجوية على Harpoon واتصل بـSlitherine، التي تمتلك حقوق النشر، لكن تم توجيهه إلى لعبة Command، والتي كانوا ينشرونها أيضاً كلعبة استهلاكية، ثم تمت دعوة القائمين عليها لعقد اجتماعات في البنتاغون.
وأنشأت بعد ذلك Slitherine نسخة من Command للاحتياجات العسكرية واحتياجات وكالات الاستخبارات، وهي النسخة الاحترافية، لمعالجة متطلباتهم الأمنية والسماح لهم بتحميل البيانات السرية دون منح الوصول إلى المبرمجين أو المستخدمين الآخرين.
وفي العالم العسكري، تخضع معظم عمليات الاستحواذ لاختبارات أكثر صرامة من تلك التي تخضع لها المنتجات الاستهلاكية من حيث الاستعداد للمعركة، لكن هذه اللعبة تقلب هذه المعطيات بفضل تطورها، حيث يقول باريك، مدرب مشاة البحرية، إنه مع ما يقرب من مليون مستخدم تجاري، فإن كوماند (Command) تتعرض للضرب من قبل اللاعبين العاديين إلى درجة لا تستطيع مؤسسات الدفاع القيام بها.
وتركز Command على المعارك والاشتباكات، وليس الحملات أو الحروب، ويقول أحد المتخصصين الذي يرى أنها أداة ممتازة للتدريب والتعليم: «إنها مفيدة حقاً إذا كنت تريد إلقاء نظرة فاحصة جداً».
كما كانت اللعبة أحد أهم الاستشهادات في مؤتمر مستخدمي Command العسكريين في روما الذي استضافته القوات الجوية الإيطالية العام الماضي، وحضره متخصصون في الدفاع من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وتايوان وغيرها. وأوضح اللفتنانت كولونيل في القوات الجوية الألمانية توماس سيلير كيف قدمت اللعبة طريقة لتدريس تخطيط المهمة التي تمزج بين نظرية الفصل الدراسي وتجربة العالم الحقيقي.
وكشف أنه أجرى مهمة عبارة عن مواجهة مجموعة مكونة من نحو 20 طياراً حالة طوارئ، مثل الدفاع عن هدف من هجوم معاد، حيث تم تخطيط الجداول الزمنية للمهمة وتقييم العوامل مثل وقت الطيران بحمولة وقود معينة، ثم تم إدخال مقترحاتهم في اللعبة وعرض المحاكاة على شاشة كبيرة في الفصل الدراسي.
وعن الأجواء عند تشغيلها، قال سيلير: «إنها تشبه الملعب»، حيث يهتف الطلاب عندما تصيب الصواريخ العدو، لدرجة أن أحد الطلاب قال: إن الأمر أكثر إثارة من مباراة كرة قدم في دوري أبطال أوروبا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق