حروب الطمـوح - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 في مطلع القرن الحادي والعشرين، شهد الشرق الأوسط نزاعات متصاعدة نتيجة تأثيرات القوى الإقليمية والعالمية المتنافسة على الهيمنة، ما أتاح المجال لقوى مثل إيران لتثبيت دورها الإقليمي، في ظل الواقع المتغير، بينما تجد قوى عظمى مثل روسيا والصين فرصاً لتعزيز وجودها، محدثة تحولات عميقة في التحالفات الإقليمية والنظام العالمي.
يقدم كتاب «حروب الطموح: الولايات المتحدة، إيران، والصراع على الشرق الأوسط» تأريخاً شاملاً ومفصّلاً للنزاعات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط منذ أحداث 11 سبتمبر(أيلول) 2001 وحتى يومنا هذا، ويعرض من خلاله أفشون أوستوفار تحليلاً عميقاً للتطورات السياسية والعسكرية التي شكلت المنطقة، يتناول الكتاب تراجع النفوذ الأمريكي بعد 11 سبتمبر وصعود إيران كلاعب رئيسي في الصراع على الهيمنة الإقليمية، ويقدّم سرداً متكاملاً للعديد من القوى الإقليمية والعالمية التي تأثرت بالصراع وأثرت فيه، مثل إسرائيل وتركيا وروسيا والسعودية.
منذ بداية عهد الرئيس جورج بوش في يناير (كانون الثاني) 2001، كان للولايات المتحدة تأثير كبير على الشرق الأوسط، حيث تم احتواء الدول المعادية وتهميشها، لكن هجمات 11 سبتمبر قلبت الموازين وأثارت خطة جريئة من إدارة بوش لإعادة تشكيل المنطقة عبر الحرب في العراق، سعى بوش من خلال هذه الحرب إلى نشر الديمقراطية كنقطة انطلاق لاستقرار المنطقة وتعزيز القيم الغربية، آملاً في خلق بيئة ودية تجاه إسرائيل، ولكن سرعان ما تحولت هذه المحاولة إلى فرصة لإيران لتعزيز طموحاتها المعارضة للهيمنة الغربية، حيث سعت إلى تحويل الشرق الأوسط إلى قاعدة مقاومة للهيمنة الغربية وإضعاف وجود إسرائيل.
يرى أوستوفار أن هذه المواجهة التي شهدتها العراق قد امتدت إلى دول أخرى في المنطقة، حيث ازدادت تعقيداتها مع «الربيع العربي»، الذي شهد اندلاع صراعات جديدة، أصبحت المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران جزءاً من صراع أكبر، جذب العديد من القوى الإقليمية والعالمية ذات الأجندات المتباينة، وكان من نتائج هذه الفوضى بروز إيران كلاعب قوي في المنطقة، في حين بدأت الدول المؤيدة للغرب بإعادة النظر في علاقاتها مع واشنطن، مفسحةً المجال لدور أوسع لمنافسين آخرين مثل روسيا والصين.
ربع قرن من الصراع
في كتابه، يدرس أوستوفار تطور هذا الصراع الذي استمر لأكثر من عقدين من الزمن، ويقدم رؤى تحليلية شاملة تتجاوز مجرد سرد تفاعلات السياسات الأمريكية مع الدول الإقليمية، يعرض الكتاب صراعاً بين رؤيتين متناقضتين لمستقبل المنطقة: الأولى تسعى للحفاظ على النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، بينما تحاول الأخرى تغيير هذا النظام، وذلك عبر صعود إيران وموقفها التوسعي بالتزامن مع تحالفها مع روسيا والصين.
ويشير إلى ذلك في المقدمة بقوله: «يُركّز هذا الكتاب بشكل أساسي على تصرفات الدول وقادتها ووكلائها من غير الدول، وإلى هذا الحد، فهو يتعلق في المقام الأول بالجغرافيا السياسية، وبدرجة أقل بالحركات الاجتماعية والسياسية التي تشكلها، لقد كان الربع الأول من القرن الحادي والعشرين فترة مضطربة للشرق الأوسط، وأدى إلى اندلاع العديد من الصراعات». ويضيف: «وعلى الرغم من عدم الشك في أن المنطقة كانت بؤرة لعدم الاستقرار، فمن المهم الإقرار بوجود اختلاف في الآراء حول سبب ذلك، أو ما إذا كانت المنطقة فريدة من نوعها في هذا الصدد، لقد كان للجغرافيا السياسية دور بالتأكيد، ولكن هناك عوامل أخرى مثل إرث الإمبريالية الأوروبية والتدخل الأجنبي، وضعف الدول وافتقارها إلى الكفاءة، ووفرة مواردها، قد أسهمت أيضاً في تقلبات المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، وبسبب أن المنطقة تتكون من قوى متوسطة المستوى وتفتقر إلى قوة مهيمنة طبيعية يمكنها السيطرة على الأحياء المجاورة، قد تكون طبوغرافيا السياسة فيها ملائمة للتنافس. وهناك قضايا إضافية، مثل الاعتماد على القوى الأجنبية، والتطرف، والسياسات العرقية والأيديولوجية، والطائفية، والجغرافيا، وتغير المناخ، يمكن أن تلعب أيضاً دوراً في كيفية نشوء الصراعات وتطورها، جميع هذه العوامل تشكل، بدرجات متفاوتة، سياسات الشرق الأوسط والاضطرابات التي تولّدها. ولذلك، حتى وإن لم يكن هدف هذا الكتاب تحديد الأسباب الرئيسية أو الجذرية، فإنه من الجدير أن نشير بإيجاز إلى بعض التفسيرات الرائدة لمصادر انعدام الأمن في المنطقة».
بدايات النزاع
يأتي الكتاب في أربعة أقسام يتناول الجزء الأول بعنوان «بداية النزاع وتدخل إيران بعد الغزو الأمريكي للعراق» السياق التاريخي والسياسي الذي أدى إلى تدهور الوضع في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث يبدأ المؤلف بتسليط الضوء على الاستراتيجية الأمريكية تحت إدارة الرئيس جورج بوش، والتي تمثلت في غزو العراق عام 2003 بهدف إسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي، كان هذا التوجه مدفوعاً برغبة الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية كنموذج يحتذى به لدول المنطقة، إلا أن هذه الخطوة كانت ذات تأثير عكسي، حيث فتحت الباب أمام إيران لتعزيز نفوذها، فقد رأت إيران في انهيار النظام العراقي فرصة ذهبية لتوسيع دائرة نفوذها في المنطقة، وذلك عبر دعم جماعات محلية موالية لها وتوجيه سياستها نحو التحول إلى قوة إقليمية مؤثرة، يعرض هذا الجزء كيف تبنّت إيران استراتيجيات ذكية للسيطرة على مناطق نفوذ جديدة، ما أدى إلى دخول المنطقة في صراع معقد بين محور أمريكي يسعى لترسيخ نفوذه، ومحور إيراني يهدف إلى توسيع هيمنته.
ويستعرض الجزء الثاني بعنوان «الربيع العربي وصعود الحركات الثورية» آثار الربيع العربي الذي اندلع عام 2011، وكيف أدى هذا التحول السياسي المفاجئ إلى زعزعة الاستقرار في عدة دول عربية، ما أعطى زخماً إضافياً للصراع القائم، يتناول أوستوفار تفاصيل الثورات في كل من تونس، مصر، ليبيا، وسوريا، ويبرز كيف استغلت إيران هذه الفوضى لتعزيز وجودها الإقليمي، خاصة في سوريا، وفي اليمن، يشرح هذا الجزء التحديات التي واجهتها الولايات المتحدة، والتي كانت في موقف صعب بين دعم طموحات الشعوب في الحرية والديمقراطية وبين حماية مصالحها في المنطقة، يعكس هذا الجزء تعقيد المشهد السياسي وارتباطه بالتحالفات المتغيرة، كما يعرض الكاتب الصراعات الإقليمية في مشهد أصبح أكثر تعقيداً وتشابكاً.
تحديات السياسة الأمريكية
ويتناول أوستوفار في الجزء الثالث بعنوان «تحديات السياسة الأمريكية وتوترات الخليج في ظل شعار «أمريكا أولاً» التحولات التي شهدتها السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي رفعت شعار «أمريكا أولاً»، ركزت هذه السياسة على إعادة النظر في التحالفات الدولية والانسحاب من بعض المناطق لتقليل التكاليف المالية والبشرية، ما أوجد فراغاً استراتيجياً في الشرق الأوسط استغلته قوى أخرى، يستعرض الكتاب تصاعد التوترات في المنطقة، خاصةً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على طهران، أدى هذا الوضع إلى تصعيد التوترات في مضيق هرمز، حيث قامت إيران بعدة محاولات لاستعراض قوتها العسكرية ضد السفن والمصالح الأمريكية، ما جعل المنطقة على شفا حرب جديدة، كما يوضح الكتاب كيف وجدت بعض الدول الخليجية نفسها أمام ضرورة إعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، والبحث عن توازن جديد في ظل تراجع الدور الأمريكي التقليدي.
ويأتي الجزء الرابع والأخير بعنوان «التحولات الإقليمية بعد انهيار الأنظمة وعلاقات دولية جديدة» ليسلط الضوء على التحولات الكبيرة التي شهدتها المنطقة بعد انهيار بعض الأنظمة وصعود قوى جديدة. يركز الكتاب على تأثير تلك التحولات على التحالفات الإقليمية، حيث أصبحت الدول العربية تعيد ترتيب أولوياتها بناءً على مصالحها الداخلية، مع ازدياد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، يوضح المؤلف كيف استغلت إيران هذه التحولات لتعزيز موقفها الإقليمي من خلال تحالفات مع روسيا، خاصة في الملف السوري، ومع الصين ضمن إطار مبادرة «الحزام والطريق»، ويبين كيف بدأت القوى الكبرى مثل روسيا والصين في لعب دور أكبر في الشؤون الإقليمية، مما جعل منطقة الشرق الأوسط ساحة جديدة للصراع بين القوى العظمى، وهو ما يعكس توجه العالم نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.
يُعد كتاب «حروب الطموح» الصادر حديثاً عن مطبعة جامعة أكسفودر ضمن 360 صفحة باللغة الإنجليزية للباحث أفشون أوستوفار عملاً بارزاً في فهم التحولات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حيث يقدم نظرة عميقة على التحديات المعاصرة في منطقة معقدة وغنية بالتحالفات والصراعات. يظهر الكتاب كيف أصبح الصراع على الشرق الأوسط مثالاً على التغيرات العالمية، موضحاً خطوط الصدع في نظام عالمي يتجه نحو تعدد الأقطاب.

أخبار ذات صلة

0 تعليق