إعداد ـ محمد كمال
معارك هي الأعنف منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تشهدها منطقة كورسك التي تسعى موسكو بوتيرة متسارعة لاستعادتها من قبضة قوات أوكرانيا؛ حيث دفع كلا الطرفين بأفضل مقاتليهما إلى هذه الجبهة المشتعلة، والتي تعتبر ورقة مساومة قوية قبل مفاوضات سلام متوقعة مع وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
ونشرت روسيا نحو 45 ألف جندي في المنطقة، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين، بما في ذلك بعض أفضل قواتها التي تهاجم في موجات متواصلة. وعلى الرغم من الخسائر، فإن تقارير إعلامية قالت، إن هذه الاستراتيجية ناجحة على ما يبدو، ففي الأسابيع الأخيرة، استعادت روسيا ما يقرب من نصف الأراضي التي استولت عليها أوكرانيا خلال توغلها في أغسطس/آب. ويقول محللون، إن روسيا ربما تخطط لشن هجوم أكبر هناك، في الوقت الذي أدلى جنود أوكران بشهادات مفادُها أن خروجهم من كورسك مسألة وقت.
وعلى الجانب المقابل، أرسلت أوكرانيا أيضاً العديد من أفضل ألويتها إلى كورسك. بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار الرئيس بايدن، الأسبوع الماضي، بالسماح لكييف بإطلاق صواريخ أمريكية بعيدة المدى على روسيا قد أعطى القوات الأوكرانية دفعة كانت في أمسّ الحاجة إليها، وقدرة يمكن أن تعطل خطوط الإمداد والقيادة الروسية.
استراتيجية جديدة ومكاسب أكبر
وقال رقيب أوكراني يبلغ من العمر 35 عاماً يقاتل في كورسك، إن «أفضل القوات الأوكرانية ضد أفضل القوات الروسية.. وبهذا المعدل، لا أرى أي سبب يدعونا إلى الانسحاب». وأضاف «جيني»، وهو قائد كتيبة في اللواء 47 الأوكراني، إنه عندما وصلت قواته إلى منطقة كورسك قبل شهرين، كان الروس يدافعون عن المنطقة بمجندين فقط. ولكن منذ حوالي ستة أسابيع، بدأ الهجوم الروسي المضاد. وتقدّموا في طوابير من المركبات المدرعة، وأجبروا الأوكرانيين على التراجع.
ويكشف جيني أنه بعد خسارة عشرات المركبات المدرعة، تخلى الروس عن تلك الاستراتيجية، وبدأوا في إرسال الرجال سيراً على الأقدام في مجموعات صغيرة.
ويكشف قادة عسكريون أوكرانيون في كورسك، أن «التعامل مع أعداد فردية من الأشخاص ليس بالأمر الصعب، ولكن عندما يكون الأمر واحداً تلو الآخر، فإن بعضهم قادر على التقدم. وفي بعض الأحيان يكون الأمر مجرد بضعة أمتار، ولكن على مدار الأسابيع يصبح ذلك تقدماً كبيراً».
وعلى النقيض من الجبهة الشرقية، حيث اشتكت القوات الأوكرانية لعدة أشهر من نقص الذخيرة والمقاتلين، فإن الألوية التي تقاتل في كورسك مجهزة تجهيزاً جيداً في الأغلب، خصوصاً بعد دعمها بمركبات برادلي القتالية أمريكية الصنع، والتي تمكّنت من إجراء عمليات تناوب منتظمة للقوات في الخنادق، وهو أمر خفف إلى حد كبير من تأثير هجمات الطائرات بدون طيار.
كما يرى مراقبون أن الصواريخ الغربية بعيدة المدى غيرت بعض الحسابات؛ حيث ضربت أوكرانيا الأسبوع الماضي موقع قيادة بصواريخ ستورم شادو بريطانية الصنع، مما أدى إلى إصابة جنرال كوري شمالي، وفقاً لما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، وذلك رغم شهادة بعض الجنود الأوكران بأنهم لم يقابلوا أيّ جندي كوري شمالي في المعارك بكورسك.
ويقول المسؤولون الأوكرانيون، إنه تمّ نشر 10 آلاف جندي كوري شمالي في منطقة كورسك، كما تمّ تزويد القوات الأوكرانية بكتب تفسير العبارات الشائعة باللغة الكورية في حالة انضمام قوات بيونغيانغ إلى المعركة.
ميزة حاسمة
وبعيداً عن جنود كوريا الشمالية، فإن ضباطاً أوكرانيين أفادوا بأن روسيا لديها مزايا أخرى في كورسك؛ حيث تتمتع بحوالي ثلاثة أضعاف عدد الرجال الذين يمتلكهم الأوكرانيون وستة أضعاف عدد الطائرات بدون طيار المتفجرة الصغيرة المستخدمة لمهاجمة المركبات والمشاة.
وقال مسؤولون بريطانيون، إنهم لا يعتقدون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد التفاوض بعد، حيث يحقق انتصارات على أرض المعركة وفي مختلف الجبهات.
تحديات صعبة
وبحسب مراقبين عسكريين، فإن أوكرانيا تواجه تحديات أخرى، حيث تقوم روسيا بضرب خطوط الإمداد ومنشآت التخزين بالقنابل الانزلاقية، التي لا تملك القوات الأوكرانية طريقة لإسقاطها.
كما أن الاتصالات الأساسية صعبة أيضاً؛ لأن ستارلينك، نظام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، والذي أصبح جزءاً أساسياً من اتصالات الجيش الأوكراني، لا يعمل داخل الأراضي الروسية.
وتحطمت قنابل انزلاقية روسية تزن طناً واحداً على طرق الإمداد الأوكرانية. وأطلقت أوكرانيا سلسلة من الصواريخ الغربية في الاتجاه المعاكس، الأسبوع الماضي، وقال قائد كتيبة أوكراني يبلغ من العمر 30: «إنهم يشنّون هجمات طوال الوقت، صباحاً، ونهاراً، وليلاً».
ويقول فياتشيسلاف خومينكو، قائد فصيلة في اللواء الميكانيكي 21 في أوكرانيا، إنه في العام الثالث من الحرب، أصبح تحفيز الجنود أمراً صعباً، وكشف أن 90% من القوات في فصيلته هم من المجندين ذوي الخبرة القليلة أو الرغبة في القتال.
خطابات حماسية متكررة
وأضاف: «الجنود متعبون.. على الأقل مرة واحدة في الشهر، يجب أن أذكرهم بأنهم يقاتلون حتى لا يضطر أحفادهم إلى القيام بذلك. في السنة الأولى من الحرب، لم أكن لأفكر حتى في إلقاء هذا النوع من الخطابات».
ويقول فرانز ستيفان جادي، المحلل العسكري المقيم في فيينا والذي زار مؤخراً الوحدات العسكرية الأوكرانية، إن كييف كافحت لاستبدال الجنود المنهكين بقوات جديدة، مما ترك العديد من الوحدات في حالة رثة. وأضاف أن روسيا تحاول على ما يبدو إنهاك الأوكرانيين قبل القيام بهجوم أكبر لاستعادة منطقة كورسك.
وأشار إلى أن زيادة شحنات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا ربما تكون وسيلة لدفع موسكو إلى طاولة المفاوضات. وأكد أن: «الاستراتيجية الأوكرانية هناك هي التمسك بمناطق في كورسك كورقة مساومة». ورغم ذلك عبّر عن اعتقاده بصعوبة سيطرة أوكرانيا على كورسك، لكنه أضاف: «أعتقد أن الروس سيخوضون معركة صعبة».
وصرح الجنرال أولكسندر سيرسكي، القائد العسكري الأعلى في أوكرانيا، لوسائل الإعلام، أن عملية كورسك ردعت الهجمات الروسية في أماكن أخرى. ومع ذلك، فقد تقدمت موسكو في شرق أوكرانيا بشكل أسرع خلال الأشهر القليلة الماضية أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الحرب واسعة النطاق في عام 2022.
مسألة وقت
وقال الجنود الأوكرانيون الذين يقاتلون في كورسك، إنه ليس من الواضح بعد ما إذا كانت العملية تستحق العناء. وأعرب البعض عن غضبهم من فقدان الأراضي في الشرق، حيث تم اجتياح الوحدات المختصرة. وقال آخرون، إنهم إذا تمكنوا من الصمود في كورسك حتى حلول الشتاء، فسيكون من الصعب طردهم قبل الربيع.
ويقول أحد الجنود الأوكران، إنه «غير متأكد من المدة التي يمكنهم خلالها الاحتفاظ بكورسك»، وأضاف: «أعتقد أنهم سيدفعوننا إلى الوراء في النهاية.. إنهم يضيفون المزيد من القوة والمزيد من الموارد، ولديهم هدف الوصول إلى الحدود بأي ثمن، لذلك سيفعلون».
وبينما تتراجع القوات الأوكرانية في كورسك الروسية، فإن ثمة مخاوف من أن رغبة ترامب في المفاوضات ستصبّ في مصلحة الروس. وقال مسؤولون أوكرانيون، إنهم يعتقدون أن روسيا تحاول استعادة كورسك قبل تنصيب ترامب. وإذا تمكّنت كييف من الاحتفاظ ببعض الأراضي في كورسك، فقد يمنح ذلك أوكرانيا ورقة مساومة قيّمة في أي محادثات سلام.
0 تعليق