راندال فورسيث *
هل من الممكن أن يؤدي تصعيد الرسوم الجمركية إلى الإضرار بأحد أنجح صادرات أمريكا، الدولار؟ قد يكون هذا نتيجة غير مقصودة للمقترح الاقتصادي للرئيس المنتخب دونالد ترامب، فمن خلال تقييد تدفق السلع، يمكن أيضاً تقليص تدفقات رأس المال المقابلة، ما يقلل من الاستخدام العالمي للعملة.
بالنسبة لخبراء الاقتصاد في «تي إس لومبارد» الاستشارية، فإن الفرض الموعود به للرسوم الجمركية يستحضر صور الرئيس ريتشارد نيكسون وهو يغلق ما يسمى بنافذة الذهب، حين أنهت الولايات المتحدة في عام 1971 وعدها بتبادل الدولار بالذهب بسعر ثابت قدره 35 دولاراً للأوقية لحاملي الدولار الرسميين الأجانب، مثل الحكومات، وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى انهيار نظام بريتون وودز لأسعار الصرف الثابتة للعملة.
وتبع الانخفاض الفعلي لقيمة الدولار تصعيد حاد في أسعار النفط العالمي، وانتقال التضخم السريع من الستينيات إلى السبعينيات، عندما ارتفعت الأسعار بأرقام مزدوجة حتى مع الركود الهائل في عامي 1973 و1974، والآن يواصل الاستخدام العدواني للرسوم الجمركية تهديده بإزعاج النظام العالمي الذي دام أكثر من نصف قرن، فيما تحافظ الولايات المتحدة على دولار مستقر نسبياً، حتى مع اتساع العجز التجاري والميزانية.
يستخدم العالم الدولار كوسيلة آمنة وأساسية لتبادل السلع والمعاملات المالية، فضلاً عن كونه مخزناً للقيمة، ولا يمكن لأي عملة أخرى أن تضاهيه من حيث قوة وحجم النظام المصرفي والمالي القائم عليه. وفي مقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، شبه الخبير الاقتصادي بول كروغمان الدولار ببرنامج إكسل من مايكروسوفت، والذي يستخدم على نطاق واسع على نحو مماثل، ليس لأن الناس يحبونه، بل لأن آخرين يستخدمونه أيضاً، وبين جميع العملات، لم يظهر بديل مماثل للدولار حتى الآن.
وكتبت أغاثي ديماريس في مجلة «فورين بوليسي»، أن مشروع عملة «البريكس»، التي يروج لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لم تبصر النور بعد، حيث تدعم روسيا بشكل أساسي الخطة الرامية إلى استبدال الدولار بعملة مشتركة من بلدان التكتل الذي تقوده البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى العقوبات المفروضة على موسكو والتي منعتها من الوصول إلى شبكة الدولار. وأشارت ديماريس إلى أن الصين كانت أقل حماساً بسبب تطوير عملتها الرقمية الخاصة، وضوابط رأس المال المكثفة التي تفرضها.
ولكن التعريفات الجمركية لديها القدرة على كسر هذا الصمود الذي اعتاد عليه العالم من الدولار منذ منتصف الثمانينيات، حيث تشحن بقية دول العالم فائض إنتاجها إلى الولايات المتحدة، والتي تعمل على خفض التضخم في السلع، في مقابل الأصول الدولارية. كما أن معظم رأس المال الأجنبي ذهب لدعم الديون الأمريكية، وفي الوقت نفسه، سمحت مشتريات بنك الاحتياطي الفيدرالي من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري (المعروفة أيضا باسم التيسير الكمي) للولايات المتحدة بالاعتماد بشكل أقل على رأس المال الأجنبي.
وهذا التوازن مستدام طالما أن التضخم والعجز في الميزانية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لا يرتفعان إلى مستويات مرتفعة للغاية. ولكن التعريفات الجمركية قد تعطل هذا التوازن وتؤدي إلى عواقب سلبية على التضخم والبطالة.
وعليه، إذا نجح ترامب في القضاء على العجز التجاري الأمريكي، فإن النتيجة النهائية المثيرة للسخرية قد تكون استخداماً أقل للدولار على المستوى الدولي، وفي ستينيات القرن العشرين، خلص الخبير الاقتصادي روبرت تريفين إلى أن الدولة التي تصدر عملة احتياطية عالمية لابد وأن تعاني من عجز مستمر في الحساب الجاري، وقد عُرف هذا باسم «معضلة تريفين»، التي تتطلب من الولايات المتحدة أن توفق بين العجز لتوفير السيولة الدولارية اللازمة للنمو العالمي مع الحفاظ على الثقة في الدولار.
ولكن هذا يشكل مصدر قلق طويل الأجل، فقد ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 6.7% منذ أواخر سبتمبر/أيلول وبنسبة 3.5% منذ الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية، حيث سعّرت الأسواق فوز الجمهوريين بالبيت الأبيض ومجلسي الكونغرس، وقد جاءت مكاسب الدولار مع ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات بشكل حاد، بنحو 0.8 نقطة مئوية منذ منتصف سبتمبر إلى 4.42% نهاية الأسبوع الماضي، كما ارتفعت الأسهم الأمريكية بالتوازي، دون أن تردعها إما العائدات الأعلى أو ارتفاع سعر الدولار، وهي العوامل التي عادة ما تكون سلبية بالنسبة للأرباح وتقييم الأسهم، بالإضافة إلى ذلك، شهدت قيمة البيتكوين مستويات قياسية جديدة ناهزت ال100 ألف دولار، وهو تصويت ضمني بحجب الثقة عن الدولار الأمريكي.
وعليه، سيكون من المثير للاهتمام أن نرى رد فعل الإدارة الجديدة على الدولار القوي، نظراً لتفضيل ترامب المتكرر للعملة الضعيفة لردع الواردات وتعزيز الصادرات. وقد يؤدي خفض قيمة الدولار عمداً إلى زيادة نفور بقية العالم من العملة.
يرى الخبراء أن قدرة الولايات المتحدة على إقامة حواجز تجارية مع بقية العالم دون عواقب وارتدادات عليها مجرد سرد خيالي، وعلى حد تعبير جون كونالي، وزير الخزانة في عهد نيكسون، فإن الدولار قد يكون عملتنا ومشكلتنا في نفس الوقت.
* محرر مشارك في مجلة «بارونز»
0 تعليق