ميريديث برودبنت *
بينما تستعد إدارة «ترامب 2» لتولي زمام الأمور في يناير المقبل، لا يزال مستقبل صناعة الصلب الأمريكية غامضاً. وبعد أن ادعى سابقاً نيته زيادة إنتاج الصلب في الولايات المتحدة تعهّد الرئيس المنتخب بمنع صفقة استحواذ بقيمة 15 مليار دولار على شركة «يو إس ستيل» من قبل شركة «نيبون ستيل»، وذلك لأن الأخيرة ببساطة يابانية الهوى والهوية.
وبدلاً من الاحتفال باستثمار غير مسبوق في صناعة الصلب الأمريكية، وخاصة من قبل الساسة الذين تعهدوا بإحياء الصناعة، يتجه المسار الحالي لشركة «يو إس ستيل» نحو الانحدار. ففي عام 2021، ألغت الشركة الأمريكية خططاً لتحديث مصنع مون فالي المتكامل في غرب بنسلفانيا، وتوقفت عن إنتاج الصلب الخام في مصنعها في البحيرات العظمى بالقرب من ديترويت. على الرغم من أن استثمار «نيبون ستيل» كان ليعيد العمليات التصنيعية الأمريكية إلى وضعها الطبيعي، وينشط مرافق أفران الصهر المهمة للشركة المتعثرة.
وخلال سنوات عملي في إنفاذ قوانين التجارة، وآخرها منصبي رئيساً للجنة التجارة الدولية، شهدت صناعة الصلب توسع المنتجين الأجانب والمحليين في أسواق أخرى من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ وإعادة الهيكلة على المستوى الدولي. والواقع أن المعاملات عبر الحدود طالما شكلت سمة إيجابية منتظمة للقطاع.
فعلى سبيل المثال، تسيطر شركة «يو إس ستيل» نفسها على عمليات المطاحن المتكاملة في سلوفاكيا، وتمتلك شركة «نوكور» مرافق في ترينيداد وتوباغو. كما باعت شركة «أرسيلور ميتال» ذراعها في الولايات المتحدة إلى شركة «كليفلاند كليفس»، التي استحوذت بدورها على «ستيلكو» الكندية للصلب. ولم تمنع الملكية الأجنبية لشركات الصلب الأمريكية شركات صناعة الصلب في البلاد من متابعة الإجراءات التجارية الصارمة ضد منتجات الصلب المستوردة. ومع ذلك، أثار استحواذ «نيبون ستيل» المزمع على «يو إس ستيل» انتقادات سياسية حادة!
ومن المثير للدهشة أن هذا الاستثمار صُوِّر خطأً على أنه تهديد للأمن القومي الأمريكي، وينبغي للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة أن تمنعه، مع أن اليابان واحدة من أقوى حلفاء أمريكا. فضلاً عن ذلك، زعم بعض الساسة ونقابة عمال الصلب في البلاد، على نحو لا يمكن تفسيره، أن الاستثمار الأجنبي في مرافقهم قد يدفع «يو إس ستيل» إلى التوقف عن استخدام قوانين التجارة الأمريكية لمنع الواردات الرخيصة من إلحاق الضرر بالعمال الأمريكيين. ولكن هذه الاتهامات تبقى هراءً عند النظر في القانون والحاجة الملحة لصناعة الصلب الأمريكية لمكنونات الاستثمار الأجنبي.
والأمر المهم هنا هو أن أغلب الحجج التي تركز على واردات شركة «نيبون ستيل»، بدلاً من الاستثمار الضخم الذي عرضته، تستند إلى افتراضات غير دقيقة تماماً. فأولاً، تستفيد شركات صناعة الصلب التي تمتلك شركاتٍ أماً أجنبية من الحوافز القوية التي تقدمها الحكومة الفيدرالية لتصنيع منتجاتها في الولايات المتحدة، بما في ذلك المشتريات الحكومية ومتطلبات المحتوى المحلي. وتستغل هذه الشركات أيضاً مجموعة واسعة من الحماية التي يوفرها القانون الأمريكي للحد من المنافسة من الواردات، مثل رسوم مكافحة الإغراق والرسوم التعويضية، وغير ذلك من التدابير التجارية.
وثانياً، لا تستطيع «نيبون ستيل»، بموجب القانون الأمريكي، استخدام استحواذها على «يو إس ستيل» لإنهاء التدابير التجارية القائمة أو منع التدابير التجارية المستقبلية على الواردات من اليابان. فقوانين التجارة الأمريكية تتضمن أحكاماً تمنع الشركات المصنعة المحلية من منع إجراءات التعويض التجاري ضد البلدان التي لديها شركات تابعة لها. كما لن تتمكن «نيبون» من التهرب من متطلبات الرسوم الجمركية على وارداتها من الصلب الياباني من خلال ملكيتها لـ«يو إس ستيل».
وأخيراً، من غير المنطقي أن تستثمر الشركة اليابانية نحو 15 مليار دولار في الولايات المتحدة وتستمر في الاعتماد على الواردات اليابانية من على بعد 6 آلاف ميل بدلاً من تصنيع منتجاتها في الولايات المتحدة لخدمة العملاء المحليين. ناهيك عن أن لدى «نيبون ستيل» كل الحوافز للاستعانة بالعمال الأمريكيين لإنتاج الصلب العالي الجودة خلف جدران التعريفات الجمركية الأمريكية.
فإذا أردنا تعزيز سلاسل توريد الصلب المحلية التي تعتبر بالغة الأهمية للأمن القومي فإن صناعة الصلب الأمريكية تحتاج إلى استثمارات مثل تلك التي وعدت بها «نيبون ستيل». لأنه، بالإضافة إلى رقم الاستحواذ الضخم ذاك، تعهدت الشركة بضخ رأس مال يقارب 3 مليارات دولار لإعادة تنشيط «يو إس ستيل»، بما في ذلك نقل تكنولوجيتها المتطورة. كما تعهدت «نيبون» بعدم تسريح العمال نتيجة لهذه الصفقة، وبالطبع عدم التدخل في قرارات الشركة الأمريكية من حيث الالتزام بالإجراءات والأنظمة التجارية محلياً وعلى المستوى الفيدرالي.
لا شيء في هذه الصفقة يجعلنا عُرضة للواردات الرخيصة، أو للمفاهيم الخاطئة حول آثارها على الإنتاج وممارسات التجارة. فقد كافحت شركة «يو إس ستيل» لتوريد الصلب بالكمية والجودة اللازمتين للمستهلكين الصناعيين الأمريكيين في قطاع السيارات والنقل وغير ذلك من القطاعات. ومن المؤكد أن ضخ رأس مال بـ15 مليار دولار من حليف موثوق للولايات المتحدة سيعيد تنشيط عمليات التصنيع المحلي البالغة الأهمية للأمن القومي الأمريكي.
* مستشارة اقتصادية ، ورئيسة كرسي «شول» للأعمال الدولية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن (ريل كلير ماركت)
0 تعليق