صدر حديثًا كتاب بعنوان "العمل التطوعي النسائي الكويتي تاريخ وإنجازات" من تأليف الدكتور خالد يوسف الشطي، رئيس مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني "فنار"، وبرعاية كريمة من جمعية قوافل للإغاثة والتنمية. يقع الكتاب في 480 صفحة من القطع المتوسط، ويعكس بعمق تاريخ وإنجازات المرأة الكويتية في مجال العمل التطوعي.
يتناول الكتاب بشكل موسوعي دور المرأة الكويتية في مجالات العمل الإنساني والتطوعي على مدار أكثر من أربعة قرون، وهو يمثل مرجعاً أكاديمياً وثقافياً، حيث يبرز إسهامات النساء الكويتيات في هذا المجال الذي يزداد تأثيره يوماً بعد يوم في المجتمع الكويتي والعالمي.
محاور الكتاب
يبدأ الكتاب بتقديم لمحة تاريخية شاملة عن تاريخ المرأة الكويتية عبر العصور، مشيراً إلى دورها الفاعل في مجالات خيرية كثيرة منذ نشأة المجتمع الكويتي، ويتتبَّع المؤلف كيفية تفاعل المرأة الكويتية مع التحديات الاجتماعية والمعيشية في كل فترة من تاريخ الكويت، ويبرز تطور دورها في مختلف مجالات الحياة، وكيف عُرفت المرأة الكويتية بالتزامها بدينها الإسلامي الحنيف الذي يحفِّزها لعمل الصالحات، إضافة إلى ذلك أداءها لأدوارها المجتمعية والعائلية بكفاءة، وخصوصاً أثناء غياب الزوج في الأعمال التي كانت تبعده عن البيت أشهراً طويلة، وقد أورد المؤلف شهادات على ذلك لعددٍ من الرحَّالة والزوَّار الذي زاروا الكويت في فترات متفاوتة، حتى تقول الممرضة التركية "بلكة كونور" التي حضرت إلى الكويت عام 1952م، تقول في كتابها (أنا عائدة من الكويت): "أنا مستعدة أن أعطي نصف عمري إذا شاء الحظ أن يتيح لي الاجتماع بصديقاتي الكويتيات ثانية، فإني بذلك أكتسب سعادة أشعر بها الآن".
ويتناول الكتاب - كذلك - تاريخ العمل التطوعي النسائي في الكويت منذ بداياته وصولاً إلى العصر الحديث، ويُفصِّل تطور هذه الأنشطة من المبادرات الفردية إلى الأعمال الجماعية المنظمة، مشيراً إلى بداية العمل التطوعي النسائي في الكويت بشكل عام، وكيف تطور ليشمل الأنشطة الخيرية والاجتماعية والثقافية.
وفيه استعرض المؤلف دور المرأة الكويتية إزاء قضايا عديدة في مختلف المراحل التاريخية، مثل دورها في جمع التبرعات نصرة للأقصى والقضية الفلسطينية، ودورها أثناء الحرب ضد اعتداء اليهود عام 1948م، وتأسيسها جمعية المرشدات عام 1960م عقب استقلال دولة الكويت، وتأسيسها لجان المرأة في الاتحادات والنقابات في الثمانينيات، ودورها الفاعل أثناء الغزو العراقي، ومشاركتها في العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية المتعلقة بالمرأة والعمل الخيري، ثم استمرارها مع مطلع القرن الواحد والعشرين في عطائها وتطوعها من خلال تأسيس منظمات أهلية وتطوعية ومشاركتها فيها بالبذل والعمل، وبناء على ذلك نالت العديد من الأوسمة والجوائز وشهادات التقدير نظير عملها الإنساني المتميز.
ويستعرض الكتاب بداية مساهمة المرأة الكويتية بشكل فردي في الأعمال الخيرية والإنسانية، حيث لم تكن آنذاك مؤسسات نظراً لصِغر المجتمع وقلة إمكاناته، ومع ذلك شاركت في العديد من أعمال الخير، مثل (بناء المساجد، بناء المدارس والكتاتيب الأهلية، التبرع بالأثلاث والوصايا، التبرع بالأوقاف الخيرية، التبرع ببناء المراكز الصحية، التبرع ببناء دور القرآن الكريم، التبرع بتسيير حملات حج نسائية، التطوع لنشر الثقافة والعلوم، التطوع للعلاج، التطوع لمساعدة المحتاجين).
كما يتوقف عند العمل التطوعي النسائي الجماعي: يتناول تكوين الفرق الجماعية وتشكيل الكيانات النسائية التي تعمل معاً لخدمة المجتمع، حيث ظهر العمل التطوعي الجماعي لنساء الكويت بشكل أوسع في مطلع القرن العشرين مع بداية ظهور المؤسسات التطوعية الكويتية، فشاركت المرأة الكويتية في دعم تلك المؤسسات والتبرع لها، مثل: إسهامها في التبرع للمدرسة المباركية عام 1912م، والتي تبرعت لها السيدة سبيكة الخالد بأرض للبناء عليها، وتبرعت السيدة شاهة الحمد الصقر بدكان تجاري ليكون مقراً للمكتبة الأهلية التي تأسست عام 1922م، إضافة لمشاركة نساء الكويت وتبرعاتهن في أعمال جماعية خيرية أخرى عديدة.
العمل التطوعي النسائي المؤسسي
ويُبرز الكتاب تطور العمل التطوعي ليصبح جزءاً من مؤسسات رسمية تُعنى بتطوير وتوجيه العمل التطوعي على نطاق واسع، حيث ظهرت بوادر المؤسسات التطوعية النسائية في دولة الكويت نهاية الخمسينيات، وكانت النواة الأولى هي النشاط المدرسي لطالبات المدارس عام 1957م، ثم تأسست جمعية النهضة الأسرية عام 1962م، تلتها الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية عام 1963م، ثم توالى تأسيس اللجان والجمعيات النسائية، وشاركت المرأة الكويتية في كثير من الأعمال المؤسسية في هذا الإطار.
ويُخصص الكتاب جزءاً كبيراً من صفحاته، للحديث عن المؤسسات النسائية التي تسهم في العمل التطوعي في الكويت، وتشمل هذه المؤسسات: جمعيات النفع العام النسائية: والتي تؤدي دوراً كبيراً في تنفيذ المشاريع الاجتماعية والخيرية، وتأسست بعد استقلال دولة الكويت عام 1961م، ومنها: جمعية المرأة الكويتية، والاتحاد الكويتي للجمعيات النسائية، وجمعية بيادر السلام النسائية.
الجمعيات الخيرية النسائية
وأشار الكتاب إلى الجمعيات الخيرية النسائية الكويتية، التي تهدف إلى تقديم الدعم للأسر المحتاجة وتوفير الخدمات الاجتماعية، والتي ساهمت المرأة الكويتية بتأسيسها بعد صدور قرار وزارة الشؤون الاجتماعية في عام 2002م، بفصل الجمعيات الأهلية المهنية عن الجمعيات الخيرية، وأبرز الكتاب دور تلك الجمعيات، مثل جمعية الرعاية الإسلامية، وجمعية قوافل للإغاثة والتنمية.
وانتقل بنا مؤلف الكتاب للحديث عن المبرات الخيرية النسائية، والتي تُعد رافداً من أهم روافد العمل التطوعي والخيري في دولة الكويت، وكان لنساء الكويت دور بارز بالمشاركة في تأسيس عدد من المبرات، كما استطاعت نساء من تأسيس مبرات خيرية نسائية، منها: مبرة رقية عبد الوهاب القطامي لمرضى السرطان.
وكذلك، المبادرات النسائية لإنشاء مؤسسات تطوعية لتلبية حاجات المجتمع وتطوِّر من خدماته، ومن تلك المبادرات النسائية: تأسيس الجمعية الكويتية لرعاية المعاقين، تأسيس الجمعية الكويتية لرعاية الأطفال في المستشفى، جمعية التوحد الكويتية، جمعية السدرة للرعاية النفسية لمرضى السرطان.
واستعرض الكتاب، دور الفرق التطوعية النسائية في دولة الكويت، والتي شاركت المرأة الكويتية فيها بفاعلية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، حين تشكل فريق تطوعي لجمع التبرعات لفلسطين، وفي 1948م أسست المحسنة موضي السلطان فريقاً تطوعياً لذات الغرض، ومن الفرق التطوعية النسائية: فريق عطاء المرأة الكويتية، وفريق السلام الداخلي التطوعي، وفريق نسائم الخير التطوعي.
الشركات النسائية غير الهادفة للربح
ولفت الكتاب، إلى الشركات النسائية غير الهادفة للربح، والتي ساهمت نساء كويتيات بتأسيس مثل هذه الشركات بعد صدور القرار 2017م بالسماح بتأسيس شركات تجارية غير هادفة للربح، ومن تلك الشركات النسائية غير الهادفة للربح، مثل شركة سنايا، شركة لوياك، شركة أمهات حاضنات.
وكذا اللجان النسائية في جمعيات النفع العام، واللجان النسائية في الجمعيات الخيرية، والتي شاركت المرأة الكويتية في تأسيسها، منذ انطلاقها وإلى اليوم، ولا تكاد اليوم جمعية خيرية في الكويت خالية من لجنة أو مشاركة نسائية، بل تُعد أهم أركان عملها الخيري والإنساني في كل المجتمعات.
واستحضر الكتاب، دور نساء الكويت في المبرات الخيرية، واللجان النسائية في الاتحادات والروابط والنقابات، وكيف كان للمرأة الكويتية السبق في تأسيس عدد من هذه الكيانات، والحضور الفاعل في مختلف أعمالها وأنشطتها.
وتوقف الكتاب عند حرص المرأة الكويتية على التطوع لإنشاء نوادٍ وتجمعات نسائية كمبادرات لخدمة مجتمعها وتطويره، ومن ذلك: لجنة المرأة الدولية الدبلوماسية (فرع الكويت)، لجنة سيدات الأعمال الكويتية، مبادرة تُرى.
والمشاركة النسائية في المؤسسات التطوعية المحلية والدولية: تشارك المرأة الكويتية بفاعلية في المؤسسات التطوعية والخيرية والإغاثية في مجالات عديدة، وقد تقلدت نساء كويتيات رئاسة العديد من المؤسسات التطوعية.
ويختتم تأليف الدكتور خالد يوسف الشطي كتابه، بتسليط الضوء على الجهود التي يبذلها مركز "فنار" لتوثيق تاريخ العمل التطوعي النسائي في الكويت، إذْ يُعد المركز بمثابة منصة مهمة في جمع وتحليل وتوثيق هذه الجهود الرائدة التي تبذلها النساء الكويتيات في مختلف المجالات الإنسانية، كما يسهم في تقديم هذه التجارب للأجيال القادمة.
ويُعد كتاب "العمل التطوعي النسائي الكويتي تاريخ وإنجازات" عملاً موسوعياً مهماً، يعكس إيمان الدكتور خالد يوسف الشطي بأهمية العمل التطوعي في بناء المجتمعات، ويؤكد الدور البارز الذي تؤديه المرأة الكويتية في هذا السياق، ليكون مرجعاً لا غنى عنه للباحثين والمهتمين في مجال العمل الخيري والإنساني بشكل خاص والمجتمع الكويتي بشكل عام.
0 تعليق