مقامات زليخا - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شميسة النعمانية شاعرة عمانية فاز ديوانها «مقامات زليخا» بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب فرع الآداب، ويحتفي ملحق جريدة عمان الثقافي بالشاعرة عبر تخصيص هذه المساحة لنشر مجموعة من نصوصها المنتقاة والتي تمثّل المقامات السبعة التي بني عليها هيكل الديوان الشعري.

مقام العشق

فتوى

يا ربُّ إني صَنْعَتُكْ

فاربِطْ على قلبي الذي

يغزوهُ حُبٌ غامرٌ

شيء شفيفٌ كالمَلَكْ

أنتَ الحضورُ .. وإنَّما

مادَتْ زوايا الكونِ حينَ تركتَهُ يجتاحُ قلبي

مِثْلَ سُلطانٍ

تَمنّى الشمسَ تُشرقُ في يديْهِ على مَداها ..

فامْتَلَكْ

يا صوتَهُ

نهرٌ من الضّوءِ المُبلَّلِ بالحياةِ ..

فلا انكساراتٍ تميلُ ولا ضَنَكْ

خَفَتَ الحَسيسُ جميعَه لما تَبسَّمَ قائلا: «ما أجملَكْ»!

يا وجهَهُ مُتَلألِئًا

وكأنَّهُ خَبَـرٌ سَماوِيٌّ تنزّلَ للرَّسولِ ..

يقولُ: نَصْرٌ في المدينةِ عاصِفٌ ..

آتٍ إليكَ

وإنَّهُ قد آزرَكْ ..

يا وَيْحَهُ

قَطَعَ الفؤادُ حديثَهُ لمّـا تَقَرَّبَ هامِسًا:

«إني بلادُكِ ..

فارْسُميني مِثْلَ وَشْمٍ خالدٍ زانَ يَـدَك»

ورسمْتُهُ ..

وَطَنًا جديرًا بالنُّجومِ يُضِيءُ أضْلُعَ مَنْ سَلَكْ

وَطَنًا كبيرًا فيهِ تَعْبُرُ كلُّ أسمائي؛

البريئةُ والقديمةُ والجديدةُ

والتي صعَدَتْ سلالمَ

والتي سَقَطَتْ .. وما أحدٌ سوايَ لها ارْتَبَكْ

يا ربُّ إنَّ حُضورَهُ وبَهاءَهُ مُتَكاثِرٌ

في قَلْبِ عاشقةٍ مُحاصَرَةٍ بهِ ..

مِثْلَ الشَرَكْ

تتآكلُ الكلماتُ بَينَ شفاهِها

والصوتُ يسري في العيونِ

ونظرةٌ مدَّتْ صَبابَتَها بلا حرفٍ

ولا ترتيبَ للمعنى .. تقولُ: «أنايَ لَكْ»

والقلبُ أفتى صارِمًا:

«إنَّ التَّفَلُتَ من شِراكِ الحُبِّ إثمٌ بَـيِّنٌ ..

يُودي بصاحبِهِ إلى دَرَك الهَلَكْ»

وأنا صديقةُ قلبيَ المُفتي ..

وأتبعُ قولَهُ

أوليسَ هذا الحبُّ سرَّ اللهِ حين أرادَ إبداعَ الفَلَكْ؟

مقام العتاب

من زليخة إلى يوسف: رسالة لم تصل

لم يكن ذنبي كبيرًا

لم أُخاتلْ مالَ أيتامٍ

ولم أَنْهَرْ غريبًا لائذًا بالدمعِ

لم أحثُ على النّملِ التُرابا

لم أنادِ اللهَ في مِنْبرِهِ ظُهرًا

وأمشي خِلْسةً في الليلِ أرتادُ الشرابا

لم أضعْ في ظَهْرِ أيِّ الناسِ سِكِّينًا

ولم أمسحْ عن الطفلِ التماعًا في أمانيهِ استطابا

لم يكن ذنبي سوى أني عَشِقْتُ البدرَ ضاحًّا

غَيْرَ أنَّ البدرَ حيّاني مُصابا

لم يكُنْ ذنبي سوى عِشقي ليوسُفْ

يوسُفٌ

يا أيُّها المعمورُ إحساسًا

وإن ناولتَني منكَ السرابا

لم يكن ذنبي عظيمًا

مَحْضُ أنثىً ترتدي من وَثْبَةِ العِشْقِ ثيابا

وأنا أدري بحَدْسِ المرأةِ الشفّافِ أنَّ اللسعةَ الأولى لصوتي

لم تزل بين حناياكَ لهيبًا والتهابا

فلماذا يوسُفٌ تَرْتَدُّ مذعورًا .. جبانًا

تقتلُ الخُطْواتِ قَبْلَ الحُضْنِ

ترجو أن يصيرَ السَّقْفُ بابا

ولماذا تَكْنِسُ الأشواقَ؟

والإحساسُ فوّارٌ وفَضّاحٌ على عَينيكَ

هل تَسْطيعُ تشري أَعْيُنًا جُوفًَا كِذَابا؟

أنت تدري أَنَّني في الحَقْلِ وحدي ليس لي مِثْلٌ

ولا يدنو إليَّ الوصفُ قَطٌّ

ليسَ بينَ الشمسِ والأرضِ جُسورٌ غَيْرَ عَينيّا

وتدري أنَّ هذا النورَ إِذْ أحْزَنُ يرتَدُّ ضبابا

يُوسفٌ

يا دهشتي الكبرى وما آزرتَها بي!

يا انفطارَ الروحِ لما اختارَ وجهي كعبةً ليسَتْ تراني

يا نحيبَ الكونِ مُرْتَجًّا بقلبي ..

وأنا بالصمتِ داريتُ زماني

يا لظى الإحساسِ بالمنفى بعيدًا

يا احتراقي إذ يجولُ الشوقُ في جوفي ذئابا!

بيدَ أنَّ اللهفةَ الأولى على جفنيْكَ شَمْعٌ شبَّ مبهورًا

ولما جاءَتْ الريحُ السماويةُ ذابا

وأنا أُشْفِقُ تَحنانًا

على النهرِ الذي يزدادُ بُعدًا بينما يَبْغي اقترابا

أنتَ تبكي مثلما أَبكي

ولكنْ صوتُكَ الدينيُّ أخفى آهةَ الحُبِّ

وأغواكَ تبيعُ الشوقَ للمحرابِ

ما أفتاكَ يومًا «إنَّ في الكتمانِ إِثمًا واغترابا»

لا تَقُلْ إني نبيٌّ

أنتَ طينيٌّ

وإِنْ جفَّفْتَ ماءَ الحُبِّ مربوكًا وناظرتَ ارتيابا

أنتَ طينيٌّ

وإن مَسَّحْتَ عن قُمْصانِكَ الفوضى وأوهمتَ الصوابا

أنت طينيٌّ

وطبعُ الطينِ أن يَحْفِرَ في الروحِ التجاعيدَ الغِضابا

وأنا روحي تثنَّتْ من خساراتي بقصرٍ كُنتَ لي فيهِ سؤالًا وجوابا

فامضِ خلفَ الريحِ

واترُكْني على الشطآنِ موجًا يتصابى

مقام الرحيل

صمود

هذا المساءُ الأسودُ

رُغْمَ الحريقِ المُرِّ في جوفِ الكلامِ سأصمُدُ

رُغْمَ الرياحِ

وصوتِها الهدَّارِ في جَمْرِ الشعورِ سأصمتُ

حتى ولا دمعًا سأذْرِفُ

إنَّما أُطفيهِ في عيني

كما يُطْفي السجينُ سِجارةً في كفِّ حيرتِهِ

ورائحةُ الأسى تَتَمَدَّدُ ..

كَثُرتْ سكاكينُ الحياةِ الفارداتُ نصالَها

جَرَحَتْ خريطةَ مهجتي

ونهضتُ ثائرةً

أبادلُ بينَ أسلحةِ الجوى

فتآكلتْ مني اليدُ

وأنا التي ما رُمْتُ حِقْدًا

ما حطبتُ وساوِسًا

ما خُنْتُ قيصرَ ..

بينما خانَ الصديقُ ..

فصحتُ: حتى أنتَ .. ؟

واستولى الظلامُ على الكلامِ الرخوِ

واحتجبَ الغَدُ ..

كثرُتْ سكاكينٌ ..

وما ذنبي سوى أنِّي رفضتُ الموتَ

في صندوقِ حارتِنا ..

وصلّى بي ملاكٌ نحو قِبلَتِهِ

ونادتني إلى بيتِ النجومِ مقاعدُ ..

ولذا أقولُ بِحُرْقَةٍ:

هذا المساءُ الأسودُ

رُغْمَ الحريقِ المُرِّ في جوفِ الكلامِ

سأصمُدُ ..

مقام البكاء

أبكي عليكَ

أبكي عليكَ ومنكَ .. أم أبكي إليكْ

أنتَ الذي ما عُدْتَ أنتَ

ولا أنا الأولى التي فَرَّت لكي تلقاكَ ..

واختبأَتْ بعِقْدِ الياسمينْ

أنتَ الذي امتلأَتْ يدايَ بهِ ..

وحينَ صحوتُ كانَ البحرُ صحراءً ..

وجَفَّ العالمينْ

وتَيَبَّسَ الفرحُ الكبيرُ

تشققَتْ أحلامُهُ

وأنا أَمُرُّ على الشقوقِ ولا أراها

إنما نَكَأَتْ خُطايَ جِراحَ كُلِّ العابرينْ:

الحاملينَ صدى الأماني

الواهبينَ الأرضَ ذكرى

الغاسلينَ عن الصُخورِ شقوقَها

والقائمينَ على الحنينْ

السائرينَ على خُيوطٍ هَشَّةٍ

والسائبين على رصيفِ الأرضِ

والمُتَسَوِّلينَ من الحياةِ رحيقَها

والصافحينَ عن الأنينْ

العابرينَ الوهمَ شُجعانٌ مَضَوا نحو الحقيقةِ واهمينْ

ويحَ الحقيقةِ من بكاءِ العابرين!

أبكي عليكَ

وأنت محرابٌ تخلّى عن سَما موسى

ومادَتْ بعدَهُ الكلماتُ

والأديانُ

إنَّ اللهَ لا يرتادُ قلبًا مُظلِمًا هجرَ اليقينْ

ولا الذي عادى يَسُوعَ

ولا يُحِبُّ الكاذبينَ على النبيَّ محمدٍ والمُسرفينْ

ولا يُحبُّ الساكبينَ على القلوبِ مَهانةً والخائنينْ

وأنتَ أنتَ سكبتَ في روحي لظىً وتركتني أذوي

إلى قبري بصمت الغارقين

مقام الحنين

«كل الحكاية اشتقت لك»

«كل الحكاية اشتقت لك»

تبكي «نوالُ»(1) وصوتُها المبحوحُ يُبكيني مَعَهْ

وأنا التي سارت بي الذكرى على الرَمْضاءِ

وارتجفَ الترابُ

وسَاقَطَ الروحُ المشظّى كلَّهُ

لكنَّ شوقًا مستبدًا جَمَّعَهْ

لو تجمعُ الأحجارُ رائحةَ الكفوفِ العابراتِ

ولو يُخلِّدُ قاربٌ صَدِئٌ عذوبةَ هَمْسَةٍ

لمضيتُ آسفةً لَهُ

ولقلتُ «شوقٌ بائسٌ ما أجزعَهْ»

لكنَّ صوتَكَ (نهرُ) من سكنوا الضفاف

و(بيتُ) من زرعوا لدى الصحراءِ نخلًا

ثم عاشوها كَفافا

أنتَ ختمٌ في فؤادي

كالحُسينِ بقلبِ من يَهواهُ

يَسْكُنُ أَضْلُعَهْ

«كل الحكاية اشتقت لك»

وهفوتُ لكْ

وأتوقُ لكْ

من يستطيعُ يُجفِّفُ الذكرى التي صعدَتْ

إلى الأحداقِ أمواجًا

وسارتْ في مدامعِها السفائنُ

وارتوى من مِلْحِها النهّامُ غنّتُهُ الليالي اللاسعة

من يُلجمُ الذكرى التي تغزو رُبى الماضي

وتسفكُ من دمِ الأيامِ حاضرَهُ

ولا تُبقي سَعَة ..

وأقولُ كَمْ أَسْرَتْ بنا الذكرى وقافلةُ الحنينِ

أيا حنينًا كافرًا ما أوجَعَهْ!

«كل الحكايةْ اشتقتْ لكْ» يا سيدَ الحُبِّ القديمِ وأروعَه!

مقام التأمل

حنينٌ إلى الذات الأولى

اشتقتُ يا صديقتي أن نَختبي عن حُزنِنا

في شاطئٍ مُحايدٍ لا يعرفُ الظلامْ

واشتقتُ أن نبكي

ولا نغتالُ من عيونِنا غُيومَها

ولا نُواري دَمعَنا عن الذينَ يُرهِقونَ القلبَ بالمَلامْ

واشتقتُ إن قالوا عن المولى كلامًا موجِعًا

نقولُ:

إن اللهَ عاشقٌ

ومُبدعٌ

وراحمٌ لعابثٍ وناسكٍ

فما لهم لا يرحمونَ طائرًا

لا يرحمونَ قُبلةً..

ويرجمونَ بالكلامْ

وما لهم عطشى..

وماءُ اللهِ عندَ البابِ بالمجانِ

ماءُ اللهِ صافٍ أبيض

ويشربونَ حُجّةً تعيشُ في مُستنقعِ الخِصامْ

وما لهم لا يشرحونَ صدرَهم بوردةٍ

لا يطمئنُ قلبُهم لغِنْوَةٍ

وكُلُّ ما في كَفِّهم أشواكُ صَبّارٍ

وحُكْمٌ جائِرٌ على فيروزَ

أو على دندنةٍ تخطو على شفاهنا

بأنها خطيئةٌ حَرامْ

واشتقتُ يا صديقتي

بأن نرى بلادَنا وسيعةً ..

ولا تَضُمُّ «فرقةً ناجيةً»

ولا تَضُمُّ «سارقينَ فَرْحَةٍ»

أولئك الذينَ أَوْجسوا من ياسمينٍ ناصعٍ

فأحرقوا بياضَهُ

وضيّعوهُ في القطيعِ -قاصدينَ- أن يُصاحِبَ الزحامْ

واشتقْتُ يا صديقتي أن نحتفي

بمن تفاءَلوا بلمعةِ الصفاءِ في عيونِنا

فمادَتْ الورودْ

ومن غَزَوا فؤادَنا

بلا قذيفةٍ ولا جنودْ

بل أشعلوا في القلبِ قنديلًا وقالوا:

يا سليمانَ الذي مَدَّ إلى بلقيسَ عرشا

نحنُ أحفادُ الغَرامْ

فَطيِّر الهُدْهُدَ والحَمامْ

وأَشْعِلْ النجومَ في سماءِ شاطئٍ مُحايدٍ

لا يعرفُ الظلامْ

مقام الشفاء

إيمان بالعودة

وحدي انتظرتُكَ،،

كُلُهم هَجَروا مُعَلَّقَةَ الأماني

واشتهوا أن يرجموكَ على الجليدِ

أو يقرؤوا الآياتِ .. فاتحةَ التخلي عن فقيدِ

قتلوكَ في صحرائِهم

ومضيتُ وحدي

لا أُفَتِّشَ عن صدى الماءِ الشريدِ

ووجدتُ صوتَكَ نائيًا

كالنارِ تكبرُ

ثم تُعلنُ موتَها العاديَّ في صمتٍ مديدِ

وهجعتُ أبكي خلفَ ظِلِّ غمامةٍ ..

سَكَرَتْ من المِلْحِ المُؤَجَّجِ ..

من شَجى الموجِ التَليدِ ..

عَبَثًا أعبئُ أعينَ الغرباءِ باللونِ المُحايدِ والوحيدِ

وحدي انتظرتُكَ ..

كانتظارِ مُزارِعٍ مُتَيقِنٍ من بَذْرةِ التُفّاحِ تُثْمِرُ..

من حَبّةِ الرُمّانِ تُزهِرُ في بَساتينِ المُريدِ..

ما صَدَّقوكَ ..

وأسدَلوا من دونِ ذِكْرِكَ ألفَ ألفَ سِتارةٍ

والريحُ والأمطارُ والأنواءُ ضِدُكَ

ما عدايَ

أنا مَنْ وقفتُ وقلتُ:

«سوف يعودُ»

«سوفُ يكونُ في كفي سِوارًا من قَصيدِ»

وحدي انتظرتُكَ

فلتكنْ في حاضري شيئًا يليقُ بما احتملتْ:

وردًا تناثرَ في الرمادِ

وعادَ وردًا من جديدِ

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق