ترجمة: أحمد شافعي -
عندما يرجع الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، يتوقع الأكثرية أنه سوف يطلق يد إسرائيل كثيرا في القيام بما تراه ملائما لها في الشرق الأوسط. غير أنه يمكن اختبار هذا التوقع فربما يثبت أنه خاطئ تماما. فمن الواضح بقدر كاف أن ترامب لا يستطيع احتمال تحدي جميع حلفائه له بمثل ما تحدت إسرائيل الرئيس جو بايدن في مسألة تحقيق وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن منذ السابع من أكتوبر 2023. وعلاوة على ذلك، إذا ما أحرج عدوان تل أبيب الإقليمي المستمر الرئيس ترامب بإحباط خططه الطموحة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تتفاقم إحباطات ترامب حتى تصبح محاولة للسيطرة على إسرائيل.
ويكون السؤال الكبير حينئذ هو: كيف يمكنه أن يفعل ذلك؟ تكمن الإجابة في تغيير هيكل التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وذلك تحديدا من خلال جعله أكثر غموضا. ومن شأن تحالف غامض استراتيجيًّا أن يفيد كلا من إسرائيل والولايات المتحدة. إذ إنه سوف يضمن الدفاعات الإسرائيلية ضد الأعداء الإقليميين، ويخفف من حدة المغامرة الإسرائيلية، ويوفر الأساس لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وذلك ما يحرص ترامب حرصا خاصا على القيام به.
تكمن ظاهرة يطلق عليها علماء السياسة «الخطر الأخلاقي» في قلب المشكلات التي من المؤكد أن ترامب (شأن بايدن) سوف يواجهها مع إسرائيل، وينزع الخطر الأخلاقي إلى الظهور عندما تقدم قوة عظمى تعهدا أمنيا قويا لحليف تتغير طبيعته، والمقصود بتغير الطبيعة أن يصبح هذا الحليف دولة متلهفة على حل مشكلاتها الأمنية و/أو تغيير النظام الأمني السائد. فالحماية التي توفرها القوة العظمى تحمي الحليف من عواقب أفعاله، بما يجعله أكثر إقبالا على المخاطر وأقل تلبية لمطالب القوة العظمى. ونظرا لاضطرارها إلى إنقاذ الحليف عندما تظهر المتاعب، تجد القوة العظمى أن تكاليف أمنها ترتفع إلى مستويات لا يمكن الاستمرار عليها.
منذ السابع من أكتوبر سنة 2023، جعل الخطر الأخلاقي واشنطن تحت رحمة شريكها الأصغر، أي إسرائيل. فبدعم من التزام واشنطن الأمني «الصارم» تجاه إسرائيل والإمدادات الضخمة من الأسلحة الأمريكية، يتباهى القادة الإسرائيليون جهارا بتلاعبهم بالولايات المتحدة. فقد قال نتنياهو بثقة في يوليو إن «الولايات المتحدة في ظهرنا». واستنادا إلى هذا التأكيد، تجاهلت إسرائيل إلى حد كبير واشنطن ومضت تتقدم بسرعة، بما أدى مرارا إلى تقويض الجهود الرامية إلى إحلال السلام التي يريد ترامب أن يراها في الشرق الأوسط. ووفقا لقول أحد الخبراء، فإن إسرائيل تقول لواشنطن إن حرب غزة سوف تنتهي لكن «بشروطنا ووفقا لجدولنا الزمني. وليس بشروطكم وجدولكم الزمني».
وهذا ما يؤكده سجل الأحداث. ففي أوائل يوليو، ضغط بايدن على نتنياهو من أجل التفاوض. فإذا بتل أبيب تشدد شروطها التفاوضية، وتشن غارات جوية على لبنان وغزة، وتغتال زعيم حماس السياسي إسماعيل هنية.
وتكررت القصة نفسها في سبتمبر وأكتوبر. إذ دفع بايدن إلى صفقة وقف إطلاق النار «لا تقبل التفاوض». فرفضتها إسرائيل ثم وسعت الحرب بشكل دراماتيكي من خلال ضربات أجهزة البيجر في لبنان وقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله. وقال أحد المسؤولين الأمريكيين إن الحصول على تعاون إسرائيلي «أشبه بخلع الضرس».
وكان ثمن الخطر الأخلاقي الإسرائيلي باهظا. فمنذ السابع من أكتوبر، أنفقت الولايات المتحدة ستة وعشرين مليار دولار للدفاع عن إسرائيل، وتزايدت الضغوط على احتياطيات الأسلحة الأمريكية بسبب المستويات غير المسبوقة للشحنات الموجهة إلى إسرائيل، ولقي ثلاثة من أفراد الجيش الأمريكي مصرعهم، وأصيب مائة وثلاثة وثمانون غيرهم.
وكان من نتائج المكاسب التي حققتها إسرائيل ضد حماس وحزب الله وإيران أن شجعت إسرائيل تشجيعا قد يؤدي إلى إفشال خطط ترامب لتهدئة الصراعات الإقليمية وخفض تكاليف الأمن الأمريكية، وواقع الأمر أن من شأن انتخاب ترامب في ما يبدو أن يجعل الخطر الأخلاقي الإسرائيلي أسوأ من ذي قبل، وليس أفضل. إذ يتوقع القادة الإسرائيليون من ترامب أن «يدعم بلادهم دعما غير مشروط»، وهو اعتقاد تعززه نزعة موالاة لإسرائيل لدى الشخصيات التي عينها ترامب في إدارته القادمة. وبرغم قول ترامب إنه يريد وقفا لإطلاق النار في غزة قبل يوم التنصيب، فقد ساعدت إسرائيل في وأد محادثات وقف إطلاق النار بعد انتخاب ترامب مباشرة ويبدو أنها لم تتغير كثيرا في موقفها من المفاوضات الحالية. وبالمثل، فإن غزو إسرائيل لسوريا ما بعد الأسد يتنكر لرغبات ترامب المعلنة في أن يعمل السوريون على تحديد مستقبلهم بمفردهم، دون تدخل من الخارج.
في حال استمرار الخطر الأخلاقي مشكلة في المستقبل، فيجب على ترامب أن يفعل ما عجز عنه بايدن ـ لافتقاره إلى بعد النظر أو إلى الشجاعة، وهو أن يضيف الغموض الاستراتيجي إلى الشراكة مع إسرائيل. وقد يبدأ هذا بالتخلي عن الالتزام «الصارم» واللجوء بدلا منه إلى تعهد صريح «تحتفظ» بموجبه الولايات المتحدة «بالحق»، كما في حال تايوان، في الدفاع عن إسرائيل حسب اختيار واشنطن على أساس كل حالة على حدة. وأيضا، وشأن الحال مع تايوان، يمكن أن يقلص ترامب إمدادات المعدات العسكرية الهجومية لإسرائيل ويرسل بدلا منها إمدادات دفاعية في الغالب (وواشنطن هي مورد الأسلحة الرئيسي لإسرائيل). ومن شأن انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية المرسلة لحماية إسرائيل أن يساعد في الإشارة إلى الغموض أيضا.
قد يعد البعض هذا تخليا. لكنه ليس كذلك. فالولايات المتحدة لم تتخل مطلقا عن تايوان باتباعها سياسة الغموض الاستراتيجي. إذ تظل تايوان شريكا وثيقا للولايات المتحدة في آسيا وحظيت بحماية القوة الأمريكية من الهجمات الصينية لأكثر من سبعة عقود. وسوف ينطبق مثل هذا على إسرائيل في الشرق الأوسط.
سوف يساعد الغموض في الحد من الخطر الأخلاقي (كما حدث في الماضي مع تايوان) بجعل إسرائيل تتحمل، أو تعتقد أنها ستتحمل، المزيد من تكاليف أمنها. ويترتب على ذلك أن إسرائيل سوف تضطر إلى التعامل الدبلوماسي بجدية أكبر، بما يمنح ترامب المزيد من النفوذ لتهدئة الصراع وتحويل الانتباه بعيدا عن الشرق الأوسط، وفي ظل وجود مشكلات أكبر في أماكن أخرى في آسيا، فإن هذا المسار هو الذي تمليه مصالح الولايات المتحدة.
ويل وولدورف أستاذ مشارك وزميل هيئة تدريس في جامعة ويك فورست، فضلا عن كونه زميلا غير مقيم في مركز أبحاث «أولويات الدفاع» [Defense Priorities].
عن ذي ناشونال إنتريست
0 تعليق