صفقة ترامب لغزة.. جرائم الحرب في مقابل بيوت شاطئية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة أحمد شافعي -

عندما أعلن دونالد ترامب الأسبوع الماضي، وهو يتكلم مجاورا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن الولايات المتحدة سوف تستولي على غزة وتعيد توطين سكانها «توطينا دائما» في أماكن أخرى، لم يأخذه إلا قليل من الساسة الأمريكيين مأخذ الجد.

ففي نهاية المطاف، سبق أن أطلق ترامب تهديدات إمبريالية خرافية ضد جرينلاند وكندا وبنما، ولكنه حتى الآن لا يبدو مستعدا لدعم صخبه بقوة عسكرية. وفي حين أن بعض أقسام قاعدة أنصاره يجدون إثارة في التجديد الوطني المحتمل من خلال الغزو، فليست لدى البلد ككل رغبة تذكر في القيام بحملات جديدة لبناء دول.

في الأيام التالية لإعلان الرئيس اقتراحه السخيف، حاول أعوانه وحلفاؤه ـ بنمط مألوف ـ أن يعيدوا صياغة الاقتراح لإضفاء شيء من العقلانية عليه. فتظاهر وزير الخارجية ماركو روبيو ـ على سبيل المثال ـ بأن ترامب ما فعل إلا أنه طرح عرضا سخيا للمساعدة في إعادة بناء غزة. غير أن إسرائيل فهمت الأهمية الزلزالية لكلمات ترامب. فمن الواضح أن الولايات المتحدة لن تقيم ريفييرا الشرق الأوسط على حدود إسرائيل. ولكن ما فعلته هو أنها منحت إسرائيل رخصة جديدة استثنائية لسحق الفلسطينيين في غزة، بل وفي الضفة الغربية أيضا على سبيل الاحتمال.

ولطالما حلمت أقسام من اليمين الإسرائيلي بطرد الفلسطينيين من أرضهم، وهو طموح جنوني لم يزدد إلا احتداما وانتشارا منذ السابع من أكتوبر. والآن جاء ترامب بهذه الفكرة التي كانت ذات يوم من قبيل المحرمات وجعلها حلالا موافقا للشريعة اليهودية. لقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان يوم الخميس: «إنني أرحب بمبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشجاعة التي يمكن أن تتيح لقسم ضخم من سكان غزة أن ينتقلوا إلى وجهات عديدة في العالم»، وأصدر أوامره للجيش ببدء الاستعداد لـ«خيارات خروج» الفلسطينيين.

قال الخبير عامين سيجال في قناة 12 الإسرائيلية إن اقتراح ترامب «ليس ما يريده نتنياهو 100%، وإنما 200%». وحتى الآن، بدا الساسة الإسرائيليون الذين ناقشوا تلك الأفكار علنا يخاطرون بردة فعل أمريكية سلبية. فإدارة بايدن -وإن عزفت عزوفا مخزيا عن كبح جماح نتنياهو- كانت توبخ الوزراء الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين عندما يتوهمون إقامة مستوطنات يهودية في غزة. فقد قال أنطوني بلينكن وزير خارجية بايدن العام الماضي إنه «لا يمكن، ولا يجب الضغط على الفلسطينيين للرحيل عن غزة». وكان لزاما على نتنياهو أن يتظاهر على أقل تقدير بالموافقة، مصرا أنه ليس من «الواقعي» الحديث عن تسوية غزة.

قد يبدو الأمر الآن أكثر واقعية بالنسبة له. في يوم الخميس كتب ترامب على موقع التواصل الاجتماعي الخاص به سوشيال تروث أن «إسرائيل سوف تحول قطاع غزة إلى الولايات المتحدة عند انتهاء القتال» وبعد أن «يعاد توطين الفلسطينيين بالفعل في مجتمعات أكثر أمنا وجمالا، ببيوت حديثة وجديدة، في المنطقة». دعكم من أنه بموجب شروط وقف إطلاق النار الذي يرجع الفضل فيه إليه، يفترض أن يكون القتال قد انتهى الآن. يبدو أن ترامب يعرض على إسرائيل صفقة بأن تؤيد الولايات المتحدة التطهير العرقي في غزة طالما أن أمريكا سوف تحصل على قطعة رئيسية من الممتلكات المطلة على البحر في نهاية الأمر.

لقد تحدثت إسرائيل والولايات المتحدة حتى الآن بطبيعة الحال عن إخراج الفلسطينيين من غزة كما لو أنه سوف يحدث طوعا. ولا شك في أن بعض الفلسطينيين سوف يختارون مغادرة الأرض التي جعلتها إسرائيل غير صالحة للسكن إذا توافر لهم بديل لائق، وهو ما ليس متحققا. (فقد أفاد أحد المواقع الإخبارية الإسرائيلية أن من الوجهات التي يجري النظر فيها للفلسطينيين بونتلاند وصوماليلاند أو أرض الصومال، وهما منطقتان في الصومال). لكن العديد من سكان القطاع الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، ممن مزقهم تاريخ السلب والنهب، عازمون على البقاء في أماكنهم. وسوف يكون طردهم جريمة حرب. ولا يمكن تحقيقه دونما أعمال وحشية.

قد يتجاهل الجمهوريون كلمات ترامب باعتبارها محض مقترح جريء، ولكن ترامب بمحض فتحه الباب لغزة بلا فلسطينيين، قد جعل العالم بالفعل أكثر وحشية واضطرابا، ففي الوقت الراهن، يفترض أن تتفاوض إسرائيل وحماس بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، التي يفترض أن تؤدي إلى وقف دائم للقتال، وإطلاق سراح الرهائن الأحياء المتبقين، وانسحاب القوات الإسرائيلية. لكن الوفد الإسرائيلي لم يغادر بعد إلى قطر للمشاركة في المحادثات، وها هو ترامب وقد أزال حافزا مهما لحماس لإطلاق سراح الرهائن. فقد تساءل صموئيل هيلمان في صحيفة تايمز أوف إسرائيل عما يدعو جماعة حماس الآن إلى إطلاق سراح الرهائن «في حين أنه في نهاية العملية لن تكون لهم سيطرة على غزة ولا أمل في دولة فلسطينية ذات سيادة».

ثمة فكرة متداولة مفادها إنه حتى لو كانت خطة ترامب غير قابلة للتنفيذ، فإنه يستحق الثناء عليها لأنه اعترف بأن الوضع الراهن لا يمكن الدفاع عنه. فقد قال الأكاديمي البريطاني لورانس فريدمن لصحيفة نيويورك تايمز إن «ترامب يتطرق إلى مشكلة حقيقية، تتعلق بكيفية إعادة بناء غزة». ولكن لا شيء يثير الإعجاب في طرح حلول سخيفة ومستحيلة لمعضلات مستعصية. ولو أقنع الأشخاص الأذكياء أنفسهم بغير ذلك، فهذا يعني لي محاولة للبحث عن المنطق حيثما لا أثر للمنطق.

حتى قبل أن يتولى ترامب منصبه، كان «النظام الدولي القائم على القواعد» متدهورا حتى أعماقه، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى تواطؤ بايدن في إبادة غزة. والآن مات هذا النظام، وماتت معه البقايا الباقية من أزمنة أقل فوضوية، من قبيل القوة الناعمة التي بنتها أمريكا بالمساعدات الأجنبية والمثل الديمقراطية. قد لا تسفر تهديدات ترامب لكندا والدنمارك ومخططه لإنشاء مستعمرة جديدة على البحر الأبيض المتوسط عن أي نتيجة. ولكنه بخطابه المتجدد عن الإمبراطورية الأمريكية، أزال أي زعم بأن الدول الأخرى يجب أن تتقيد بأي شيء إلا قوتها. لقد خلق مبررا فعليا لا للتوسع الإسرائيلي فقط، وإنما للتوسع الصيني والروسي أيضا.

صحيح أن القواعد القديمة لم تنجح قط النجاح الذي كان يرجى لها. لكن هذا لا يعني أننا عما قريب لن نشتاق إليها.

ميشيل جولدبرج من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ عام 2017.

خدمة نيويورك تايمز

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق