هدية ترامب القصوى لنتنياهو - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد ستة عشر شهرا من أحداث السابع من أكتوبر، اختتم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارته الرسمية إلى واشنطن منتصرا.

تلقى الزعيم الإسرائيلي ـ الذي أمضى سنين في تعزيز حكم حماس في غزة ويتحمل مسؤولية عميقة عن الأحداث التي أدت إلى أسوأ كارثة في التاريخ اليهودي الحديث منذ الهولوكوست ـ معاملة ملكية باعتباره أول زعيم أجنبي يزور البيت الأبيض في ولاية الرئيس ترامب الثانية. وفي حين لم يتضح بعد الأثر الفوري للزيارة على القضايا الرئيسية من قبيل اتفاق الرهائن ووقف إطلاق النار والتهديد النووي الإيراني والمساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، فإن من نتائجها نتيجة واضحة تماما بالفعل. إذ قدم الرئيس ترامب لنتنياهو هدية لا تقدر بثمن، حينما أمدَّ حكومته بشريان حياة.

في الأيام السابقة للزيارة، توهم اليسار الإسرائيلي، وتخوف اليمين، من أن يعمل الرئيس الأمريكي على دفع نتنياهو إلى الالتزام بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بما يستوجب إعلان نهاية الحرب. وتكهن آخرون بأن ترامب قد يدفع رئيس الوزراء إلى حد التذمر بموافقته على احتمال قيام دولة فلسطينية لتعزيز هدف الرئيس بعيد المدى المتمثل في التوصل إلى اتفاق تطبيع مع المملكة العربية السعودية.

وبدلا من ذلك، وضع ترامب خطة لم يجرؤ نتنياهو نفسه على اقتراحها: وهي خطة نقل الفلسطينيين نقلا جماعيا من غزة، ويعقب ذلك استيلاء الولايات المتحدة على المنطقة وإعادة بنائها لتصبح «ريفييرا الشرق الأوسط». ثم حاول مساعدون للرئيس في وقت لاحق تخفيف الاقتراح بعض الشيء، لكن ترامب أكد الخطة الإجمالية.

بطرح فكرة كهذه تتوافق توافقا وثيقا مع أهداف اليمين المتطرف في إسرائيل طرح الرئيس حلا لمشكلتين سياسيتين يواجههما نتنياهو الأولى هي أن الاقتراح قوبل بترحيب من اثنين من الساسة اليمينيين المتطرفين كانا يهددان بانهيار حكومة نتنياهو الائتلافية، وهما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي أصر على أنه سوف يستقيل إذا ما أنهت إسرائيل الحرب في غزة بشروط لا يوافق عليها، وإيتامار بن غفير، الذي استقال من منصب وزير الأمن القومي الشهر الماضي احتجاجا على اتفاق وقف إطلاق النار، ويمهد الآن للانضمام مرة أخرى إلى الحكومة.

خلال مؤتمر صحفي بعد اجتماع واشنطن، أشار ترامب أيضا إلى أنه سوف يتخذ قرارا بشأن ما إذا كان سيدعم ضم إسرائيل للضفة الغربية في غضون أربعة أسابيع، ملوحا أمام ضيفه بما قد يمثل هدية أخرى لليمين المتطرف.

يتعرض نتنياهو أيضا لضغوط للموافقة على الميزانية بحلول نهاية مارس. وفي حال عجزه عن الوفاء بهذا الموعد النهائي، فقد يؤدي ذلك إلى انتخابات جديدة من غير المرجح ـ بناء على استطلاعات أخيرة للرأي ـ أن يفوز بها. وفي هذا أيضا، يمنح اقتراح ترامب لنتنياهو دفعة. فقد حظي الاقتراح على الفور بقبول كبير بين الإسرائيليين، حيث حصل على 72% من التأييد في استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الإعلان الصادم. ولا مفاجأة في هذا. فجاذبية خطة مدعومة من الولايات المتحدة من شأنها أن تزيل حماس من غزة، وتقضي على مخاوف إسرائيل الأمنية من الأراضي الفلسطينية، تشكل أهمية كبيرة للشعب الذي أصيب بصدمة نفسية واستنفدته الحرب وتحول بشكل كبير إلى اليمين.

وتطغى الضجة المثارة حول رؤية ترامب لمستقبل غزة على القضية الأكثر إلحاحا المتمثلة في اتفاق الرهائن ووقف إطلاق النار الذي يمر الآن بمنتصف مرحلته الأولى. ومن المفترض أن تشهد المرحلة الثانية الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من غزة وتبادل الرهائن المتبقين مع عدد كبير ولا شك من السجناء الفلسطينيين بمن فيهم من عدد كبير من كبار المقاتلين. والانتقال إلى هذه المرحلة يعني فعليا نهاية الحرب، وانسحاب اليمين المتطرف من حكومة نتنياهو.

لقد تردد أن نتنياهو يسعى إلى تمديد المرحلة الأولى. وقد يؤدي كسب الوقت إلى إطلاق سراح عدد إضافي قليل من الرهائن وتخفيف بعض المعاناة عن الجانب الفلسطيني، وهذان في ذاتهما إنجازان مهمان. غير أنه في ظل غياب نهاية حقيقية للحرب، لن تطلق حماس سراح جميع الرهائن الذين قد يتضمنون أمريكيين، وسوف يستمر القتال والمعاناة دون أن تلوح نهاية في الأفق. لقد كسب ترامب الوقت لنتنياهو. فقد يتمكن رئيس الوزراء الآن من صد ضغوط شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف من أجل استئناف الحرب بإخبارهم بأن خطة ترامب ستساعد إسرائيل لا على حل مشكلة حماس فقط ولكن على حل المشكلة الفلسطينية بالكامل وأن تعريض الخطة للخطر بعملية كبرى جديدة قد يفسد فرصة لا تتكرر مرتين في جيل واحد.

وقد تقدم الخطة أيضا، على عكس المتوقع، شريان حياة لحماس بأن تعزز قبضتها على غزة. فوهم نقل سكان غزة بشكل دائم ـ وإن يكن غير ممكن ـ لا يزيل فقط الضغوط المفروضة على إسرائيل لتدبير طريقة للتعامل مع الأراضي، ولكنها ترفع أيضا الرهان على ما إذا كانت غزة نفسها ستظل فلسطينية. ومن شأن هذا أن يمنح حماس الوقت والمساحة لإعادة البناء، وتعزيز صورتها كمدافعة عن الفلسطينيين وإعادة تأكيد سيطرتها الفعلية على المنطقة. وفي ظل هذا السيناريو، فمن شبه المؤكد أن حربا أخرى سوف تنشب، فتصبح ستة عشر شهرا من إراقة الدماء محض جولة في القتال.

ليس تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بالخطة الجادة. فهو سياسيا غير قابل للتطبيق، في ظل رفض مؤكد من جانب عشرات البلاد والدول العربية. فمن سيدفع الثمن؟ ومن سيقوم بالتنفيذ؟ وما البلاد التي سوف تستقبل الفلسطينيين؟ وأهم من ذلك كله: هل يريد الفلسطينيون الرحيل؟

ومع ذلك، فالفرصة سانحة للفلسطينيين والقادة العرب للتقدم باقتراح مضاد موحد وعملي يروق لأهداف ترامب مع إضعاف حماس، وتوفير الكرامة للفلسطينيين والأمن الدائم لإسرائيل. إن المقصود لسياسة ترامب الخارجية أن تكون ديناميكية ومزعجة ومن المؤكد أنها ستزداد تحولا في الأسابيع المقبلة وعلى من يعارضون رؤية الرئيس لغزة أن ينتهزوا الفرصة لإقناعه برؤية مختلفة قد تساعد في تحقيق أهدافه الخاصة وهي إعادة الرهائن وإنهاء الحروب. والقمة العربية الطارئة المتوقع انعقادها في مصر في السابع والعشرين من فبراير فرصة لتقديم مثل هذا الاقتراح.

وإسرائيل من جانبها ينبغي أن تحذر الوقوع في أوهام غير واقعية، حتى لو جاءت من رئيس أمريكي. فالتاريخ الإسرائيلي حافل بعواقب كارثية من جراء أمثال ذلك، بدءا بالمحاولة الفاشلة لتغيير النظام في لبنان في ثمانينيات القرن العشرين، وحتى غرور ما قبل السابع من أكتوبر إذ تصورت إسرائيل أنها ردعت حماس عن العمل العسكري. ونتنياهو سياسي ماهر، وقد تكون حكومته الآن ـ بعد شهور من الترنح من أزمة إلى أزمة ـ في أقوى موقف لها منذ هجوم حماس.

وأعداء إسرائيل تضرروا، لكنهم لم يموتوا، ويواجه الائتلاف الحكومي انقسامات داخلية بشأن القضايا الداخلية والمسألة الملحة المتعلقة بمصير الرهائن المتبقين ووقف إطلاق النار ذاته. ولقد كان المظهر الهزيل والمشهد الصعب لإطلاق سراح الرهائن الثلاثة الأخيرين يوم السبت دليلا آخر على الضرورة الملحة لإعادتهم. فضلا عن أن مجرد الحديث عن طرد الفلسطينيين من غزة أوجد حالة غضب لدى شركاء إسرائيل العرب، ويهدد بمزيد من التدهور في الضفة الغربية المتوترة.

ولا بد أن تعترف أي رؤية عظيمة لنتنياهو بحدود الممكن والأخلاقي وأن تتذكر أن هذا الصراع لا يمكن حله بالمال أو لمجرد أن تقول دول قوية: إنه يجب حله. وإلا فإن إسرائيل سوف تهدر وقتا ثمينا في قصر الأحلام، فلا يكون من أثر إلا إهدار فرص التقدم الحقيقي.

شيرا إفرون كبيرة زملاء ومديرة أبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية. سبق أن قادت برنامج إسرائيل في مؤسسة راند وكانت مستشارة للأمم المتحدة في القدس بشأن الوصول إلى غزة.

خدمة نيويورك تايمز

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق