أحلام التاجر الأصفر في البيت الأبيض - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

على عكس النهاية السعيدة لتاجر البندقية في مسرحية ويليام شكسبير الشهيرة بإنقاذ التاجر الصالح «أنطونيو»، وزواج صديقة «سانيو» من حبيبته «بورشيا»، ومعاقبة المرابي اليهودي «شايلوك»، فإن كل الدلائل تشير إلى أن نهاية التاجر الأصفر القابع في البيت الأبيض الذي يتحالف مع صهاينة العالم، ويعدهم ويمنيهم بإفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين وتحويله إلى منتجع سياحي مثل الريفيرا، سوف تكون نهاية مأساوية له وللمرابين اليهود الذين يعملون معه. «وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا» (سورة النساء:120).

الرفض العربي والدولي الشعبي والرسمي الواسع لخطة ترامب، يؤكد أن أحلام يقظة الرئيس الأمريكي سوف تتحول بالنسبة له إلى كابوس حقيقي قد يعصف بكل أوهامه، ويعجل بنهاية حكمه في القريب العاجل، إذا لم يتراجع ليس فقط عن مخططاته العجيبة لغزة وأهلها، ولكن أيضًا عن كل الأوامر التنفيذية والقرارات الغريبة التي طالت الأمريكيين أنفسهم مثلما طالت معظم دول العالم. ومن المؤكد أن هذا الرفض قد يؤدي إلى عواقب وخيمة ليس على مستقبل ترامب السياسي فقط، وهو مستقبل مظلم في ظل حصول وثيقة تطالب بعزله على أكثر من مائة ألف توقيع بعد أيام قليلة من توليه السلطة، ولكن أيضا على مستقبل ومصالح الولايات المتحدة كقوة عظمى شبه وحيدة في العالم. وبصرف النظر عن صعوبة بدء إجراءات عزله في الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، فإن النتيجة الحتمية المتوقعة أن ترامب والولايات المتحدة سوف تخسر كثيرًا من تدهور علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع حلفائها في المنطقة العربية، كونها سوف تزيد من التوترات فيها وتعرض -بالتالي- المصالح والأمن القومي الأمريكي للخطر.

لن يقف العالم -أو هكذا أظن- مكتوف الأيدي أمام شراهة تاجر واشنطن، وأطماع المرابي اليهودي المجرم بنيامين نتنياهو وعصابته، اللذين يعتقدان أن كل شيء في هذا العالم قابل للبيع والشراء والمساومة عليه، بما في ذلك الأرض والأوطان، ولم يتعلما شيئًا ذي قيمة من درس حرب الإبادة الجماعية التي شنتها أمريكا وإسرائيل على غزة لأكثر من خمسة عشر شهرًا، والتي أكدت أن الفلسطينيين في غزة لن يتنازلوا عن شبر واحد من أراضيهم التي ولدوا وعاشوا واستشهد أبناؤهم وآباؤهم وأمهاتهم وإخوانهم عليها.

علينا في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي أن نعزز الرفض العالمي لخطط ترامب بشأن غزة، خاصة أنه جاء من قوى عالمية مهمة وفاعلة في النظام الدولي مثل دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا التي اعتبر هذه الخطط غير مقبولة ومخالفة للقانون الدولي، وكذلك فرنسا وإسبانيا، وروسيا التي توافق موقفها مع الموقف العربي الرافض لأوهام ترامب.

ما الذي يمكن للعرب القيام به إذا استمر ترامب في هذيانه، خاصة بعد تهديد مصر والأردن بقطع المساعدات الأمريكية عنهما إذا لم يوافقا على تهجير الفلسطينيين لهما؟ في تقديري أن العرب لم يعد أمامهم سوى المواجهة المباشرة مع ترامب وفريقه الصهيوني في شأن غزة والقضية الفلسطينية ككل. لا يفل الحديد إلا الجديد، وجنون ترامب يجب أن يواجه بجنون مضاد، وتهديداته يجب أن تقابلها تهديدات عربية واضحة. هذا الرجل لا يعرف إلا لغة القوة، فهو -أي ترامب- «متنمر وليس قويا.. ويحب الأقوياء، ويفترس كل من يلتمس فيه ضعفا، ويتراجع أمام أية مقاومة حقيقية، ويعتمد على أسلوب التهديد والضغط لتحقيق أهدافه، بدلًا من بناء تحالفات قوية واستراتيجيات دبلوماسية فعالة، وهو نهج قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن أن يعزل الولايات المتحدة عن حلفائها ويزيد من التوترات الدولية. وبدلًا من تعزيز قوة الولايات المتحدة، قد يؤدي هذا الأسلوب إلى تقويض مكانتها على الساحة العالمية»، كما يقول البروفيسور جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، مؤلف كتاب «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية» بالاشتراك مع البروفيسور ستيفن والت من جامعة هارفارد، وقد أثار الكتاب ضجة واسعة عند نشره لأول مرة في عام 2007، لفضح أساليب اللوبي الإسرائيلي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وقد طور ميرشماير نظرية «الواقعية الهجومية» في العلاقات الدولية، والتي تركز على كيفية تفاعل القوى العظمى في النظام الدولي من خلال التنافس الأمني المستمر، والذي قد يؤدي أحيانًا إلى الحرب، وهو ما يؤكد أن الهجوم يبقي خير وسيلة للدفاع في العلاقات الدولية.

لست بالطبع من أنصار دخول الدول العربية بشكل فردى أو جماعي في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، إذ أن لنا مصالح كثيرة معها كدولة عظمى وليس مع ترامب، ولكني مع مواجهة هادئة متصاعدة ومحددة المستويات، تبدأ بتأكيد الموقف العربي الجماعي برفض خطته بشأن تهجير أهل غزة، ومجمل رؤيته لمستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي، خاصة تلك المتعلقة بزيادة مساحة إسرائيل التي وصفها بالصغيرة جدًا، وتعادل المساحة التي يشغلها قلم صغير على طاولة كبيرة. تأتي بعد ذلك مرحلة العمل مع الدول الصديقة التي يزعم ترامب أنه يتواصل معها لاستقبال الفلسطينيين، وتحذيرها أو تهديدها إذا اقتضى الأمر من الرضوخ لرغباته.

المرحلة الأهم من وجهة نظري في حالة استمرار عناده هي مرحلة التهديد المبطن الذي يركز على الثمن الذي يمكن أن تدفعه أمريكا نتيجة هذه الأحلام المزعجة لترامب. ولنا فيما قامت به كندا والمكسيك في الرد على أمر ترامب التنفيذي بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات من الدولتين، بقرارات معاكسة، عبرة ودرسا لخضوعه لمنطق القوة.

يجب أن تكون الرسالة العربية واضحة، وهي أن المصالح الأمريكية في جميع الدول العربية سوف تتضرر كثيرًا إذا أصر ترامب على مواقفه وسياساته المعادية للعرب والفلسطينيين والمتماهية مع أحلام اليمين اليهودي المتطرف.

كنت أتمنى، وما زلت، ألا يذهب رئيس أو ملك عربي إلى واشنطن إلا بعد أن يعلن ترامب تخليه عن خططه المجنونة بشأن غزة ويعود إلى حل الدولتين الذي ارتضاه العرب والعالم كله. واعتقد أن القمة العربية الطارئة التي تستضيفها مصر في السابع والعشرين من فبراير الجاري لمناقشة التطورات في القضية الفلسطينية، قد تكون فرصة تاريخية لن تتكرر لوضع استراتيجية عربية شاملة، دبلوماسية وإعلامية، وشعبية، تتعامل مع كل التهديدات والمخاطر التي جلبها ترامب على المنطقة. إن على هذه القمة أن تعلن بصوت واحد عال رفض التهجير تمامًا سواء قسري أو طوعي للفلسطينيين من غزة، وإنشاء صندوق لإعمار القطاع وتحسين الظروف المعيشية لأهله، والتأكيد على ضرورة التمسك بحل الدولتين باعتباره الحل العادل والدائم لقضية فلسطين. لا نريد المزيد من بيانات الشجب والإدانة والرفض السلبي، نريد أفعالًا قويةً تضع حدًا للتجار والمرابين جميعًا الذين يريدون؛ كما كان يريد المرابي اليهودي الاقتطاع من لحم تاجر البندقية الحي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق