بدأت روحانيات شهر رمضان المبارك تحيط بنا في كل مكان، فلا حديث إلا حديثه ولا انتظار إلا انتظاره.. وهو شهر يستحق الانتظار، بل يستحق الشوق خاصة من الناس الذين يفهمون حقيقته وفلسفته العميقة.
وفلسفة شهر رمضان ليست فلسفة استهلاكية فهو ليس شهرا لبسط الموائد وكأن حاجة الإنسان للأكل تختلف خلال شهر رمضان، بل إن هذا المستوى من مستويات فلسفة الصوم يشير إلى عكس الاتجاه الاستهلاكي بحيث يعتدل الإنسان في الأكل حتى في مساءات رمضان. أما الفلسفة الحقيقية لشهر رمضان فهي روحانية ولذلك فإن الاستعداد للشهر الفضيل لا بد أن ينطلق من هذه الفلسفة، كيف نعمّر ليالي رمضان روحانيا، وكيف نطهّر نفوسنا من كل أدرانها، وكيف ننشر التسامح بين الناس، وننشر التضامن ونطهّر قلوبنا من الأحقاد ونعمّرها بالحب.
وإذا كان رمضان مدرسة للتقشف من الناحية المادية فإنه مدرسة للإسراف من الناحية الروحانية وهذا التوجه وحده الذي يشعرنا بالروحانيات الحقيقية لشهر رمضان.
لم يعد الجوع موجودا في نهار رمضان مع توفر وسائل الراحة التي جلبتها تحولات الحياة التي نعيشها ولذلك فإن الجوع الذي يعلمنا إياه شهر رمضان لم يعد جوع الجسد، بل هو جوع الروح إلى النقاء والصفاء. ولا جدوى من أن يمسك الإنسان عن الطعام في نهار رمضان إن لم يُمسك عن الأحقاد! وما فائدة العطش إن لم ترتوِ النفس من ينابيع المغفرة؟ لذلك فإن علينا ونحن نقترب من شهر رمضان ومن أيامه التي نشتاق لها أن نستعد له روحانيا كما نستعد له ماديا عبر رحلات التسوق الكثيرة، وكما نسأل عن أسعار المنتجات التي نستهلكها في رمضان لا بد أن نسأل عن القيم والمبادئ والطقوس التي علينا استحضارها في رمضان لتتحول إلى سلوك حياتي بعد رمضان.. فإحدى أهم فلسفات رمضان أن يكون رياضة للقلب ليخفّ، وللعقل ليصفو، وللنفس لتتحرر من قيود المادية.
الأكل مطلب مهم وهو معين للإنسان على عبادته لكن لا يجب أن يتحول إلى تنافس وتفاخر وبذخ قد يوقع الإنسان في المحظور شرعا حينما يتحول الأمر برمته إلى مجرد إسراف وتبذير، فيما تغيب حقيقة الصيام وفلسفته.
وكما يتهيأ الناس في الأسواق هذه الأيام فإن الأوجب عليهم أن يستعدوا روحانيا لأيام عظيمة لا تأتي إلا مرة واحدة في العام وأعظم ما يتهيأ به الإنسان هو تطهير قلبه من الأحقاد ونشر التسامح والعفو والرحمة والتكافل.. وعلى الجميع أن يبحث في زوايا روحه عن نور كان خافتا لنعيد له توهجه؛ ففي توهج القلوب توهج للمجتمع وتوهج للحياة كلها.
ورمضان لا يأتي ليملأ موائدنا، بل ليملأ أرواحنا.. وهذا هو الطريق الوحيد الذي يوصلنا إلى فلسفة الصيام وإلى جوهر فلسفة الحياة.
0 تعليق