هكذا يخطط فريق بايدن للسلام بعد السنوار - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: أحمد شافعي -

لا شك أن وفاة يحيى السنوار زعيم حماس أمر جلل، فهي تتيح إمكانية لا لمحض إنهاء حرب غزة، وإعادة الرهائن الإسرائيليين وإتاحة الإغاثة لأهل غزة، ولكنها تتيح إمكانية لأكبر خطوة فـي سبيل حل الدولتين بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ أوسلو، وكذلك لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، بما يعني تقريبًا العالم الإسلامي كله.

ذلك حدث جلل.

ولكن، ولكن، ولكن.

ليست وفاة السنوار وحدها هي الشرط الكافـي لإنهاء هذه الحرب ووضع الإسرائيليين والفلسطينيين على الطريق إلى مستقبل أفضل. صحيح أن السنوار وحماس طالما رفضا حل الدولتين وألزما نفسيهما بالتدمير العنيف للدولة اليهودية، وصحيح أنه لم يدفع أحد ثمنًا أكبر مما دفعه الفلسطينيون من أبناء غزة، لكن فـي حين أن وفاته كانت «ضرورة» من أجل تمكين الخطوة التالية، فإنها لم تكن قط لتمثل كل شيء.

فالشرط الكافـي هو أن يكون لإسرائيل قائد وائتلاف حكم مستعدين لانتهاز الفرصة التي سنحت بوفاة السنوار. ولأقلها صريحة: هل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قادر على الارتقاء إلى صورته التشرشيلية عن نفسه فـيمضي نحو شيء سبق له أن رفضه؟ أي مشاركة السلطة الفلسطينية فـي الضفة الغربية بعد إصلاحها فـي قوة حفظ سلام دولية تتولى أمر غزة بدلا من حماس بقيادة السنوار.

على مدار الشهر الماضي أو نحوه، بحسب ما قالت مصادري الدبلوماسية الأمريكية والعربية والإسرائيلية، انخرط وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن -بتوجيه من الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس- مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وحاكم الإمارات محمد بن زايد فـي مناقشة أفكار حول ما يمكن القيام به فـي اليوم التالي لانتهاء هذه الحرب من حيث إعادة بناء غزة فـي ما بعد حماس وتمهيد الطريق لتطبيع سعودي-إسرائيلي وإيجاد ظروف مواتية لمحاولة أخرى من إسرائيل والفلسطينيين للتفاوض على مستقبل مختلف فـي كل من غزة والضفة الغربية. تتمثل الفكرة العامة فـي أن يوافق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على تعيين الاقتصادي ورئيس الوزراء السابق سلام فـياض -أو شخص له مثل سمعته وطهارة يده- رئيسًا فلسطينيًا جديدًا للوزراء ليقود مجلس وزراء من التكنوقراط ويصلح السلطة الفلسطينية ويعمل على تحديث الحكم وقوات الأمن.

وتقوم هذه السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها بالمطالبة -والمشاركة- رسميا فـي قوة حفظ سلام دولية تتضمن قوات من الإمارات ومصر ويحتمل أن تضم قوات من دول عربية أخرى بل ومن بلاد أوروبية. وتحل هذه القوة على مراحل محل الجيش الإسرائيلي فـي غزة. وتكون السلطة الفلسطينية حينئذ المسؤولة عن إعادة بناء غزة بتمويلات إغاثة تقدمها المملكة العربية السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى، وأوروبيون، والولايات المتحدة على الأرجح.

وتسعى السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، بتمويلات عربية ودولية هائلة، إلى استعادة مصداقيتها فـي غزة، ومصداقية منظمة فتح التي تعد قلب السلطة الفلسطينية فـي السياسات الفلسطينية، وتهميش فلول حماس.

يعمل دبلوماسيون أمريكيون وعرب -بمساعدة هادئة من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير- على هذا المفهوم مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، أقرب المستشارين إلى نتنياهو. ولا يتطلب الأمر، حاليا، من إسرائيل أكثر من السماح فـي هدوء باشتراك السلطة الفلسطينية فـي إعادة بناء غزة ضمن قوة دولية، وليس مطلوبا منها أن تتبناها رسميا.

ولكن نتنياهو يفهم أن العرب سوف يشاركون فـي قوة حفظ السلام العربية/الدولية لتنظيف فوضى غزة فـي حال أن يكون ذلك جزءا من عملية تؤدي إلى دولة فلسطينية.

لقد كان الأمير محمد بن سلمان، بصفة خاصة، شديد الوضوح مع الجميع فـي أن المملكة العربية السعودية لكي تمضي قُدمًا فـي التطبيع مع إسرائيل -بعد كل وفـيات الفلسطينيين فـي غزة ـ فإنه لا بد من إنهاء حرب غزة ولا بد من أن تكون أي قوة حفظ سلام عربية خطوة تؤدي يوما ما إلى دولة فلسطينية. ويصدق هذا على الإمارات وعلى مصر.

يحتاج محمد بن سلمان فـي غداة حرب غزة إلى أن يظهر أنه حصل على شيء من إسرائيل لم يسبق لقائد عربي أن حصل عليه، لأنه قد يمنح إسرائيل شيئًا لم يسبق أن حصل عليه قائد إسرائيلي، أي علاقات مع موطن أقدس مسجدين فـي الإسلام، كما أن محمد بن سلمان أساسي فـي حمل الرئيس عباس على تعيين إصلاحي من قبيل فـياض. لأن عباس يحترم محمد بن سلمان.

ولأكرر مرة أخرى: فـي نهاية المطاف، سوف تقتضي مبادرة دبلوماسية لإنهاء حرب غزة وفقًا لهذه الخطوط -ولتهيئة التطبيع السعودي-الإسرائيلي وقوة حفظ السلام العربية- التزاما من إسرائيل بمسار يفضي إلى دولة فلسطينية. وذلك سوف يثير معارضة شرسة من شريكي نتنياهو اليمينيين المشيحانيين المتطرفـين أي وزير الأمن القومي إيتمار بن غفـير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. فلا بد أنهما بحماقة سوف يعدان مقتل السنوار وانهيار حماس فرصة للظن بأنهما قادران على قتل كل عضو من حماس فـي غزة والأمر بتنفـيذ أجندتهما بإقامة مستوطنات يهودية فـي غزة وتوسيعها فـي الضفة الغربية. طالما أراد نتنياهو أن يظهر أنه شخصية تاريخية، وليس مجرد لاعب تكتيكي يناور دائمًا للنجاة سياسيا، لكنه لم يبد قط مستعدًا للقبول بمخاطرة من أجل تغيير التاريخ.

والآن حانت لحظته.

فهل يقدم على تلك الخطوة التي لا تراجع بعدها، أم يفعل ما دأب على فعله، فـيمضي حتى منتصف الطريق ثم يقول لكل الأطراف إنه فـي الطريق إليهم؟

ولكن هذه أيضًا لحظة تاريخية لمحمد بن سلمان. فلو أنه يريد معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة، فلا بد من إطلاق العملية بينما لا يزال بايدن رئيسا. (فلن يصوت الديمقراطيون فـي مجلس الشيوخ لصالحها أبدا فـي ظل رئاسة دونالد ترامب). يعني هذا أنه سوف يكون لزاما على محمد بن سلمان أن يطبّع العلاقات مع إسرائيل قبل إقامة دولة فلسطينية فعليًا، ولكن على أساس أن كلًا من الإسرائيليين والفلسطينيين يتحركون فـي هذه الوجهة تحديدا.

وبوصفـي شخصًا قام بتغطية اضطرابات الشرق الأوسط بكثافة منذ السابع من أكتوبر سنة 2023، يطرأ عليّ تفاؤل حيال إمكانية توقف قتل الفلسطينيين فـي غزة، ورجوع الرهائن، والشروع فـي دبلوماسية حقيقية. ولو أن القادة المعنيين أصبحوا على قدر هذه اللحظة، فقد يكون هناك المزيد مما يدعو إلى الأمل. اليوم هو البداية. وما يجري فـي اليوم التالي لهذه الحرب هو كل شيء.

توماس فريدمان كاتب رأي متخصص فـي الشؤون الخارجية فـي نيويورك تايمز ومؤلف كتاب «من بيروت إلى القدس».

خدمة نيويورك تايمز

أخبار ذات صلة

0 تعليق