حماس بعد رحيل السنوار !! - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
المؤكد أنها كانت فاجعة كبيرة وخسارة مفاجئة للنضال والمقاومة الفلسطينية فقد اختار يحيي السنوار قائد المكتب السياسي والعسكري لجماعة حماس الفلسطينية أن يرحل وهو في وضع اشتباك مباشر مع العدو ودون أن يستشير أحدا، ولذا كان رحيله فاجعة ومفاجئا ليس فقط للأعداء أنفسهم الذين فوجئوا بوجوده في قلب معركة لم تكن موضع تخطيط مسبق من قبل وكذلك للجميع، إخوة وأصدقاء ومعارف وجميعهم علقوا على قيادته وحرصه وذكائه الكثير من نوعية عملية طوفان الأقصى التي أربكت إسرائيل على امتداد عام من حدوثها في السابع من شهر أكتوبر من العام الماضي، ولأن السنوار كان طرازا خاصًّا من القيادة فإنه كان موضع قلق لإسرائيل منذ أن تولى موقعه على رأس السلطة السياسية والجناح العسكري لحماس، وتفاءل الكثيرون في حماس وعلى المستوى العربي بتوليه موقعه، ومن ثم لم تكن مصادفة أن وجهت إليه التهديدات على لسان قيادات إسرائيلية كبيرة ومسؤولة وساعد على ذلك أن الخلافات التي ظهرت على السطح حول اختيار خليفة لإسماعيل هنية سرعان ما اختفت ليتكرس الاختيار حول يحيي السنوار لما عرف عنه من خصائص قيادية تزكيه في موقعه خاصة في هذه المرحلة من الصراع مع إسرائيل بكل ما تعنيه من معنى على مختلف المستويات. من جانب آخر فإنه لم تكن مصادفة أبدا أن يتكرس الاختيار الفلسطيني الجماهيري على مختلف المستويات حول اختيار السنوار لقيادة الجناح العسكري والسياسي لحماس للقضاء على أحد مصادر الخلافات المتجددة في قيادة حماس، وهي خلافات امتدت بين قيادات الداخل وقيادات الخارج وانعكست أحيانا على رؤى الجانبين للقضايا المختلفة وأنسب المواقف للتعامل معها وهو ما عطل أو أجل بعض القرارات على مستوى حماس وأظهر خلافات كانت مستترة لفترة طويلة. وعلى أية حال فإنه يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب من أهمها أولا، إن وضع الخلافات بين مسؤولي أو قيادات الداخل وبين مسؤولي أو قيادات الخارج تحت السجادة لإخفائها أو للتقليل من أهميته التي استمرت أحيانا سنوات غير قليلة، يضاف إلى ذلك أن دور القيادات المخضرمة وما تحظى به من احترام استطاع في حالات الخلافات الشديدة أن يستوعب الجوانب الأكثر سلبية منها أو أن يضعها في إطار يقلل من آثارها السلبية على المنظمة وقدرتها على التعاون على المستويات المختلفة. كما أن دائرة العلاقات الواسعة لقيادات حماس وتنوع علاقات قياداتها ساهم في احتواء الخلافات الأسوأ والحفاظ عليها بعيدا عن التناول الإعلامي والتوظيف السياسي الذي يضخم المشكلات ولا يقلل منها في الواقع كعادة خبراتنا العربية في معظم خلافات قياداتنا العربية صغيرة كانت أم كبيرة، وبقدر ما عزز تولي يحيي السنوار قيادة الجناحين السياسي والعسكري لحماس بقدر ما أثار المخاوف والتساؤلات خاصة في قيادة حماس حول سبل حل ما قد ينشأ من خلافات يمكن أن تحدث لسبب أو لآخر في بعض الأحيان من أجل التقليل منها، ولعل ذلك هو ما ساهم في العمل بين قيادات حماس في شبكة العلاقات فيما بينها وانعكاس ذلك من أجل الحد من أهمية الخلافات التي تعكس ذلك على شبكة العلاقات والانسجام والتوافق فيما بينها حول القضايا المختلفة والحفاظ على درجة عالية من التوافق للحفاظ على حد أدنى للانسجام والتوافق الذي لا غنى عنه بين القيادات المختلفة. جدير بالذكر أن جمع السنوار لقيادة الجناح السياسي والعسكري تحت قيادته أسهم في طرح التساؤلات بالذات في بداية توليه منصبه حول إدارة حماس وحول توزيع الاختصاصات وحول علاقة يحيى السنوار مع القيادات الأخرى في حماس، وكذلك حول تأمين منصبه وتحركاته في الظروف المختلفة، خاصة وأن المخابرات المركزية الأمريكية كانت تتبع تحركات يحيي السنوار وتتعاون في ذلك مع المخابرات الإسرائيلية سواء داخل الأنفاق أو خارجها بما في ذلك توفير معدات وأجهزة قادرة على تتبع واكتشاف حركة السنوار برغم أنه كان شديد الحرص في حماية نفسه والنجاة بالتالي من محاولات الإيقاع به لدرجة أطلق عليه « الرجل ذو التسعة أرواح». ورغم كل هذا الحرص يشاء القدر أن يتم اغتياله صدفة ودون علم من الإسرائيليين بوجوده في المعركة التي قتل فيها الخميس الماضي الموافق 17 أكتوبر الجاري والأعمار في النهاية بيد الله سبحانه وتعالى.

ثانيا، أن طبيعة شخصية السنوار أضفت صلابة وتشددا على مواقفه من التعامل مع مقترحات الوسطاء حول وقف القتال في غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس منذ السابع من أكتوبر العام الماضي. وبرغم تعدد محاولات تعديل المقترحات لتقريب المواقف بين إسرائيل وحماس إلا أنها فشلت في المحاولات وفي الجولات جميعها برغم المحاولات المصطنعة لبث التفاؤل حول قرب نجاحها أحيانا. صحيح أن الجميع في إسرائيل وخارجها شعر بأن نتنياهو يتعمد عرقلة المفاوضات لإطالة أمد الحرب في كل مرة من أجل مصالح سياسية تخدم موقفه الشخصي بالأساس، ولكن ذلك كان يقدم للرأي العام ومن خلال التصريحات الغربية على أن السنوار هو سبب عرقلة المفاوضات وذلك في كذب واضح وعلى أعلى المستويات لإلقاء مسؤولية الفشل على عاتق الفلسطينيين وعلى عاتق السنوار بشكل خاص وتجاهل الدور المعرقل لرئيس الوزراء الإسرائيلي وهو ما اقترن بكذب مفضوح وعلى رؤوس الأشهاد، وبالفعل بشهادة عملية الخداع المتعمد هذه تصور الكثيرون بفعل الدعاية الإسرائيلية والغربية أن السنوار هو من يعرقل التوصل إلى اتفاق لوقف القتال وبشأن إطلاق سراح الرهائن أيضا. وللأسف فإن من يتابع التصريحات الأمريكية والإسرائيلية والغربية عموما يشعر بالحقد والشماتة اللاإنسانية في اغتيال قائد عسكري شجاع سلم روحه في الميدان دون أن يتعرف عليه جنوده ولا حتى أعدائه إلا بعد فحص جثمانه بعد استشهاده، ونتيجة لذلك تصور كثيرون خطأ أن اغتيال السنوار إنما أزاح عقبة من طريق السلام أو أن التوصل إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين بات وشيكا، وهو تصور خاطئ تماما لأن نتنياهو لم يغير موقفه بل ازداد تشددا في الواقع. نعم خسر الفلسطينيون قيادة كبيرة كانوا يعولون عليها في نضالهم ولكن التجربة الفلسطينية هي في الواقع غنية بالدروس والتجارب وقادرة على الاستفادة منها إذا خلصت النوايا والتقت الجهود جميعها على قلب رجل واحد، أما إذا تشتتت الجهود واختلف فرقاء الجهاد وحاولت كل قيادة الاستقواء بأصدقائها بغض النظر عن اعتبارات المصلحة الوطنية الفلسطينية فإن ذلك سيكون مؤشرا سلبيا، ونتمنى ألا يكون تعدد المرشحين لخلافة السنوار في الأيام الأخيرة ذو طابع أفغاني بشكل ما لأن ذلك يثير المخاوف بدرجة غير قليلة.

ثالثا، إنه يمكن القول بأنه رغم القسوة الشديدة وألم المرحلة فإن السنوار برغم كفاءته إلا أن الوقت لم يمهله ليصنع لحماس وبها ما كان يتمنى لها وللقضية الفلسطينية التي عاش لها ما مضى من عمره ولذا فإن الكثيرين داخل حماس وخارجها وعلى المستوى العربي العام سيتابعون الساحة الفلسطينية لأسباب متعددة، خاصة وأن هناك قناعات بأن السنوار ترك حماس والساحة الفلسطينية عموما أضعف حالا مما كانت عليه قبل انتخابات 2006 . صحيح أن الزمن لم يمهله ولكن الصحيح أيضا أن المشكلة الآن أوسع بكثير مما كانت علية من قبل، فرحيل السنوار ترك القضية الفلسطينية والخلافات داخل حماس وبين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية وعدد آخر من المنظمات الفلسطينية أوسع مما كانت، هذا إلى جانب الخلافات التي فشلت معها جهود عربية ودولية متكررة دون جدوى، مما يعني أن تتسع رقعة الخلافات وتصبح أوسع مما يمكن التغلب عليه؛ لأن أطرافا عربية وإقليمية ودولية وغيرها ستعمد إلى شد الجغرافيا الفلسطينية، ولأن الاستمرارية وربما التدخلات العربية أو بعضها بسبب حالة الهزال الراهنة والتي لا تعوضها الشعارات ولا الاستعراضات ولا الانضمام إلى مجموعات تنشأ كرد فعل هنا أو هناك يمكن أن تعوض ذلك. رحم الله السنوار وألهم الفسلطينيين الصواب حتى يستعيدوا حقوقهم المشروعة بما فيها الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو في إطار حل الدولتين.

أخبار ذات صلة

0 تعليق