الاقتصاد السلوكي والسياسات الاقتصادية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحدثنا في مقالات سابقة عن أهمية دراسة محفّزات الاقتصاد السلوكي ودوافعه في صنع السياسات العامة واتخاذ القرارات الاقتصادية والمالية إضافة إلى أثره على مكونات الاقتصاد الجزئي والكلي؛ فالاقتصاد السلوكي يعد مدخلا فاعلا لعلاج السياسات الاقتصادية وصياغتها كونه يجمع بين علمي الاجتماع والاقتصاد، مما يرفع نسبة نجاح السياسة الاقتصادية ويجعلها أكثر تحقيقا للأهداف المخطط لها، ويساعدها على إيجاد معالجات للظروف الاقتصادية التي تؤثر على نجاح السياسات الاقتصادية الناتجة عن أزمات عدة مثلما حدث فترة تفشي جائحة كوفيد19، وأربكت فاعلية السياسة الاقتصادية المتخذة. ما يميّز الاقتصاد السلوكي هو تقديم تحليلات وتفسيرات أكثر واقعية عبر دمج تطبيقات الاقتصاد التقليدي في نموذج جديد مبتكر قادر على مواجهة التقلبات الاقتصادية بالاستعانة بتطبيقات الاقتصاد السلوكي، مما يكون لهذه التفسيرات دور في رسم السياسات العامة واتخاذ القرار المناسب الذي بدوره سيسهم في تعزيز التنمية الشاملة التي ستنعكس إيجابا على مسار التنمية في محافظات سلطنة عُمان.

وهنا من الجيد أن نعمل على استحداث نظريات اقتصادية تدمج تطبيقات الاقتصاد السلوكي والاقتصاد التقليدي لصنع سياسات اقتصادية فاعلة وتكون مدخلا فاعلا وحيويا لوضع معالجات في حال اتخاذ سياسة اقتصادية لم تحقق المرجو منها أو الأثر المتوقع من اتخاذها؛ حيث إن الاقتصاد السلوكي رغم حداثة ظهوره، إلا أنه بات يمثّل عاملا مهما للدراسات والبحوث الاقتصادية؛ كونه يضع الجانب النفسي والعاطفي في الحسبان عند اتخاذ القرارات ووضع السياسات العامة. وأرى أنه من المهم الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد السلوكي في صياغة السياسات عموما خاصة الاقتصادية منها والتحليل الاقتصادي عوضا عن الاعتماد على النظريات الاقتصادية الحالية وآراء الخبراء الاقتصاديين وتجارب الدول الأخرى التي يعتمد على نتائجها واضعو السياسة الاقتصادية؛ لضمان اتساق السياسة الاقتصادية المتخذة مع الجوانب الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع، أيضا من الجيد مراجعة السياسات الاقتصادية المتخذة وتقييمها بين فترة وأخرى؛ بهدف إيجاد معالجات سريعة لأي تحديات ربما تعترض نجاحها أو فاعليتها، ورغم إيمان البعض بأن النظريات الاقتصادية المعمول بها حاليا في التحليل الاقتصادي عموما وأنها مسلمات غير قابلة للنقاش، إلا أنني أشجّع على الاستفادة من النقاشات حول تعددية المدارس الاقتصادية ونقدها بأسلوب فكري؛ بهدف عدم الانسياق خلف مسلمات في الرؤى والمنطلقات التي يروّج لها بعض الاقتصاديين دون وعي بالأيدولوجيات؛ لظنهم أن المدرسة الاقتصادية بحد ذاتها لا يمكن الحياد عنها أو نقدها أو تحديث النظرية المستندة عليها وإن كان الرأي مبنيا على تجارب دول بعينها في تطبيق سياسة اقتصادية معيّنة؛ لأنني أرى من الصعب إسقاط تجارب دول في تطبيق سياسة اقتصادية لم تظهر نتائجها للعامة أو لم تحقق تطلعات أفراد المجتمع، فالنظريات الاقتصادية حظيت في وقت مضى بتأييد واضعي السياسات الاقتصادية؛ كونها تتناسب مع فترة معينة من الزمن وتتواءم مع متطلبات تلك المرحلة، ومع حالة الفوضى التي يشهدها الاقتصاد بسبب الصدمات الاقتصادية والمتغيرات التي تطرأ عليه وتربك توازنه وتزيد من الغموض أحيانا حول مستقبله لم تعد التحيّزات الفكرية القائمة على نتائج نظريات اقتصادية تقليدية مجدية في وضع يشهد تغيرات على المستوى الفكري والاجتماعي بسبب العوامل المؤثرة على نجاح السياسات العامة، ولست هنا بصدد نقد نظرية بعينها إلا أنني أقترح أن يتم دراسة النظريات الاقتصادية بعمق ومناقشتها؛ بحيث يتم تقييمها وتطويرها وقياس فاعليتها على المستوى العام مع ضرورة الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد السلوكي في استحداث فرضيات واختبارها؛ بهدف الوصول إلى نظرية اقتصادية سلوكية محدّثة لتكون مدخلا فاعلا في صنع السياسات الاقتصادية، وعلاجا للسياسات العامة الحالية في حال عدم فاعليتها؛ بسبب بعض التحديات الاقتصادية المفاجئة مثلما حدث في أزمة انخفاض أسعار النفط عالميا لفترة طويلة، وعمّق الأزمة تفشي كوفيد19 التي زادت من حدة الانخفاض في الأسعار.

إن السياسة الاقتصادية الفاعلة لابد أن تأخذ في الحسبان تطبيقات الاقتصاد السلوكي مع الاستفادة من فرضيات النظريات الاقتصادية الحالية ودراستها بجانب الجوانب العوامل النفسية والعاطفية المؤثرة على اتخاذ القرار المناسب، وأضع مقترحا لاستحداث النظرية الاقتصادية السلوكية لتكون المدخل الأساس في صنع السياسات الاقتصادية عبر تعميق النقاشات في فرضيات الاقتصاد التقليدي ودمجها مع تطبيقات الاقتصاد السلوكي؛ وكون أن الاقتصاد السلوكي بات عنصرا محتملا لنجاح السياسات الاقتصادي؛ فإني أكاد أجزم أنه في حال استحداث النظرية الاقتصادية السلوكية، ووضعها في الحسبان عند التخطيط لإقرار السياسات العامة؛ فاحتمالية نجاح السياسة الاقتصادية سيكون كبيرا؛ لدورها في تحقيق التوازن بين الجانبين الاقتصادي والسلوكي خلال مرحلة التخطيط للسياسة الاقتصادية المحققة لتطلعات أفراد المجتمع والداعمة لتنمية الاقتصاد وتطوّره.

أخبار ذات صلة

0 تعليق