سالم بن حمدان الشملي .. نال لقب "المصور" قبل أن يعرف! "صورة القمر" حكاية إصرار مصور انتظر من المغرب إلى الفجر. الموهبة المشفوعة بالحب تفتح باب الاستثمار الناجح وتنمي القدرات الفنية. - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ولاية عبري، حيث تمتزج الجبال بالوديان وتتناغم السماء الصافية مع تدرجات الألوان على الأرض، بدأت رحلة المبدع سالم بن حمدان الشملي في عالم التصوير الفوتوغرافي من حيث لا يدري، فقصة سالم مع التصوير بدأت منذ حوالي 13 سنة، عندما كان يتجول بين أحضان الطبيعة الجبلية في قريته "سدادب" بولاية عبري، إذ صعد ذات يوم قمة جبلية، لتأسره القرية من أعلى، فما كان منه إلا أن حمل هاتفه "نوكيا" وأخذ به لقطة لهذا المنظر، وتلا ذلك التقاط صورٍ كانت تعبر عن حبه لجمال البيئة المحيطة به. يقول سالم: "كانت البداية عندما كنت ألتقط صورًا عشوائية للطبيعة، دون أن أدرك حينها أنها ستصبح شغفًا يرافقني طيلة حياتي".

انتشرت تلك الصور التي التقطها سالم في وسائل التواصل، ونالت إعجاب الكثيرين، فمن تلك الزاوية الشاهقة التي لم يعتد الناس رؤية صور منها، تميز سالم بصوره، إذ كانت قبل انتشار الدرون بمدة، لينال بين أبناء قريته لقب "المصور"، بل صار اللقب يلازمه أينما ذهب.

وجد سالم دعمًا من محيطه المحلي، حيث بدأ الناس يتفاعلون مع صوره التي كان ينشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يوضح سالم: "كانت أولى صوري التي لاقت رواجًا هي صورٌ التقطتها لقرية سدادب في عبري، وأذكر كيف أدهشني تفاعل الناس معها، وكيف بدأت تصلني رسائل الإعجاب، مما حفزني على الاستمرار وتطوير مهاراتي".

وكان ذلك دافعًا لسالم لشراء أول كاميرا له من نوع "كانون دي 850"، ومن ثم شراء كاميرا "كانون آر 5".

حكاية القمر

يتحدث سالم عن الدور الذي لعبته الطبيعة في تشكيل أسلوبه الفني، حيث يعتبر أن الطبيعة هي الملهم الأول له. "كل بيئة تزورها تضفي عليك درسًا جديدًا، سواء كانت صحراء مترامية أو شاطئ هادئ أو جبال شاهقة".

هكذا يصف سالم تجربته في التنقل بين المناطق، ليكتشف كل مرة زوايا جديدة تلهمه لالتقاط صور فريدة. وعن كيفية تأثير هذه البيئات على اختياره للزوايا والإضاءة، يقول: "لكل مكان طابعه الخاص، فأحيانًا تحتاج إلى ضوء الشروق لتبرز ألوان الصخور، وأحيانًا أخرى يكون الغروب هو الأنسب لإبراز ظلال الأشجار، بل وفي أحيانٍ تحتاج إلى دراسة المكان قبل زيارته لمعرفة حالة الجو ومكان بروز القمر، وخاصة في تصوير النجوم والقمر".

وعن صورته الأقرب إليه، وهي صورة القمر بجوار جامع محمد الأمين، عاش سالم تلك القصة بحماس ثم إحباط ثم حماس. تمثل الحماس في تجربته مع تطبيق عبر الهاتف يساعده على التحضير مسبقًا لاختيار الزاوية المثالية لتصوير مشهد اكتمال القمر في مواقع معينة. ورغم تحضيره الجيد، يتذكر سالم أن تجربته الأولى لم تكن كما توقع، إذ واجه صعوبات في تحقيق التكوين المثالي بسبب أخطاء في تقدير الموقع والزاوية وربما في استخدام البرنامج بالشكل الصحيح ليخيم الإحباط عليه، إذ انتظر شروق القمر إلى ما بعد الوقت، ليكتشف لاحقًا أن القمر قد برز في زاوية أخرى، فعاد أدراجه إلى البيت بعد أن جهز نفسه قبل ساعة من موعد ظهور القمر.

وفي قمة الإحباط، والتفكير بأن هذا التكوين يحتاج منه أن ينتظر لشهر قادم، راودته فكرة أن القمر على حجمه هذا سوف يغرب، وهي فرصة مناسبة لتكوين المشهد، والوقت مواتٍ لذلك، فما كان منه إلا أن جهز العدة من جديد، وضبط البرنامج مرة أخرى، وبدلًا من وقت المغرب تحولت الخطة إلى وقت الفجر، فها هو يظفر بصورته الأقرب إليه.

وكأي مصور آخر، يواجه سالم تحديات في تصوير المناظر الطبيعية، خاصة في ظل تغيرات الطقس والظروف الجوية المفاجئة. لكنه يرى أن الصبر هو مفتاح النجاح في هذا المجال، ويقول: "أحيانًا يكون عليّ الانتظار لساعات لالتقاط اللحظة المثالية، وأحيانًا أقطع المسافات الطويلة لوجهة معينة في توقيت معين، مثل جبل شمس، حيث اختيار الوقت غير القمري لتفادي التلوث الضوئي في تصوير النجوم، ولكن عدم دراسة الوضع بشكل كافٍ قد يعكر الخطة، من ذلك الجو الغائم أو المغبر، لذلك التصوير يعلمني الصبر، وهذا ما يجعل النتائج تستحق العناء".

وفيما يتعلق باختيار المعدات، يشير سالم إلى أنه يعتمد على كاميرته الاحترافية كأداة أساسية، لكنه دائمًا ما يحرص على امتلاك العدسات المناسبة لكل نوع من التصوير. ويضيف: "الكاميرا التي أستخدمها ليست مجرد أداة، بل هي شريكتي في توثيق جمال الطبيعة، وأسميها بين أقراني (ابنتي) التي لا يمكن أن أعيرها لأحد، لا يمكنني التخلي عنها لأنها تمنحني القدرة على التقاط أدق التفاصيل في المشهد، وفي أي وقت".

وفي لحظة حنين، يستذكر سالم تجربة تصويرية خاصة: "كنت أقف على قمة جبل وقت الغروب، حيث كانت الألوان تملأ السماء بتدرجاتها المدهشة، حينها شعرت أنني بحاجة لتوثيق هذه اللحظة النادرة، كانت تجربة تصويرية أضافت بُعدًا آخر لمهاراتي، وجعلتني أدرك قوة التأمل في الطبيعة وتأثيره على الإبداع، هذا ما أذكره قبل امتلاكي الكاميرا الاحترافية، حينما كانت الصورة بهاتف ذكي، وشاركت بها في مسابقة ونلت المركز الأول".

موهبة للاستثمار

يشير سالم إلى كيف أنه تحول إلى الاستثمار في التصوير، بدأت هذه التجربة حينما بدأ يتلقى طلبات التصوير من أصدقائه، الذين يعرضون عليه المبالغ النقدية. كان في البداية رافضًا لذلك، فهم أصدقاؤه الذين يسعد بتصويرهم وإسعادهم. وبعد نصائح صديقه المصور "يزيد حمد" - الذي وجه بوصلة سالم منذ بداياته نحو تعزيز الموهبة بالفهم الصحيح - دخل المجال مستثمرًا وفنانًا قادرًا على توثيق اللحظات الرائعة وتخليدها لزبائنه. كما يرى أن تصوير المناسبات يمثل فرصة لإضافة لمسته الإبداعية الخاصة، فيقول: "عند تصوير المناسبات مثل الأعراس، أحرص على أن أجعل لكل صورة قصة، أبحث دائمًا عن اللحظات العفوية مثل ابتسامة طفل أو نظرة خاطفة بين العريس وأهله وأصدقائه، تلك اللحظات التي تعكس المشاعر الصادقة يكون لها وقع كبير". ويضيف: "التحدي يكمن في إيجاد التوازن بين رغبات الزبائن وما يرغبون في رؤيته، وبين الرؤية الفنية التي أريد أن تظهر في الصور".

الشغف والاحترافية

يختتم سالم حديثه بتأكيده على أهمية الشغف في مسيرة أي مصور، ويقول: "الشغف هو ما يجعلني أستيقظ مبكرًا لالتقاط صورة شروق الشمس، وهو ما يجعلني أتحمل برد الجبال أو حرارة الصحراء لأوثق لحظة نادرة، التصوير بالنسبة لي ليس مجرد عمل، بل هو وسيلة للتعبير عن الجمال الذي أراه حولي".

ويدعو سالم المصورين الشباب للتمسك بشغفهم والتعلم باستمرار، مشددًا على أن الإبداع لا حدود له إذا كان المرء مخلصًا لما يحب، أيًّا كانت موهبته وهوايته، في التصوير، أو الرسم، أو شتى فنون الحياة، فالمواصلة والتعلم والتجربة بشكل مستمر ستصنع من الإنسان علامة فارقة مهما ازدحمت الساحة بالموهوبين أمثاله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق