خطأ بايدن الفادح: كيف تحولت الحرب في أوكرانيا إلى كارثة عالمية؟ - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة: أحمد شافعي -

بدت استراتيجية جو بايدن مألوفة، بما انعكس فيها من غرائز محارب قديم من زمن الحرب الباردة، فهي استراتيجية احتواء الصراع. عندما تحدث الرئيس الأمريكي في وارسو في مارس من عام 2022، بعد شهر من الحرب الروسية الأوكرانية، رسم خطا أحمر عند أصابع قدمي فلاديمير بوتن. وحذر قائلا «إياك أن تفكر حتى في التقدم لبوصة واحدة داخل أراضي الناتو».وتعهد بايدن بأن يمد الحلفاء الغربيون كييف بالأسلحة والمساعدات، وبأن يفرضوا عقوبات اقتصادية ومالية شاملة على موسكو ويخفضوا قيمة الروبل فيجعلونه والهباء سواء. وبرغم أن أوكرانيا ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي، فسوف تساعدها الولايات المتحدة في الفوز بهذه المعركة الرمزية الجارية من أجل الحرية والديمقراطية. لكنها لن تواجه روسيا مواجهة مباشرة ما لم تبدأ روسيا بمهاجمة الحلف أولا.

وها هي استراتيجية بايدن، بعد ثلاثين شهرا، تحقق فشلا ذريعا. فالأزمة الأوكرانية، شأن السرطان الذي لم يلق علاجا، تنتشر بشكل لا يمكن السيطرة عليه. فهي أبعد ما تكون عن الانحصار في طين دونباس وجليدها، وإنما تزداد تداعيات الحرب السامة المنتشرة تدميرا على مستوى العالم يوما بعد يوم. وتلوث كل ما تلمسه وتفسده. صحيح أن الحرب «الساخنة» بين روسيا وحلف شمال الأطلسي قد اجتنبت حتى الآن. ولكن أراضي بولندية ورومانية تأثرت بالصواريخ الضالة والهجمات البحرية. ومنطقة البحر الأسود بأكملها متورطة، وكذلك بيلاروسيا. ويزعم بوتن أن الغرب يشن بالفعل حربا على روسيا ويهددها بالأسلحة النووية. ويتعهد متخصصو الدعاية بتبخير بولندا.

أثارت الأزمة انقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا داخل حلف شمال الأطلسي وداخل الاتحاد الأوروبي. فقد اندلعت خلافات بشأن إرسال قوات وصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، ودعوة كييف إلى الانضمام إلى الحلف، وصياغة «هوية دفاعية» أوروبية منفصلة. كما ألغى الحذر الألماني موقف فرنسا المتشدد الجديد.

أصيبت السويد وفنلندا المحايدتان بالذعر وانضمتا إلى حلف شمال الأطلسي. وتخشى جمهوريات البلطيق العدوان الروسي المتجدد. والمجر وصربيا تسترضيان الكرملين. وإيطاليا مترددة. ولا أحد يشعر بالأمان.

تغذي الحرب التطرف السياسي اليميني واليساري مع تزايد الدعم للمدافعين الشعبويين المأجورين من بوتن. وفي مولدوفا، تعرض الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي في نهاية الأسبوع الماضي للتشويه الشديد بسبب ما وصفته رئيستها مايا ساندو بعملية رشوة ضخمة من «مجموعات إجرامية تعمل مع قوى أجنبية» هي على وجه التحديد عملاء الكرملين.

والآن ترقب موسكو انتخابات هذا الأسبوع في جورجيا حيث تتآمر سرا لضمان خسارة الأحزاب المؤيدة للغرب. لقد انتشرت مثل هذه الحرب الهجينة ـ أي حرب التخريب، والتضليل، وعمليات التأثير، والهجمات الإلكترونية، والاحتيال، والتصيد عبر الإنترنت - في جميع أنحاء العالم منذ عام 2022، حيث تحذو الأنظمة الاستبدادية حذو روسيا.

ويشجع العجز عن احتواء الحرب على حدوث تحولات جيوسياسية رهيبة، أبرزها الشراكة «غير المحدودة» بين الصين وروسيا. فالرئيس الصيني شي جين بينج يحصل على نفط رخيص ويحصل بوتن المنبوذ على تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام تكسر العقوبات بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي. لكن الأمر يتجاوز ذلك كثيرا. ففي قمة البريكس التي استضافها بوتن الأسبوع الماضي انضمت إلى إيران وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا فضلا عن تركيا ـ وهي العضو في حلف شمال الأطلسي (ومنظمات كثيرة أخرى) إلى روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. ويتصور بوتن تحالفا عالميا مناهضا للغرب، في حين يتصور شي نظاما عالميا جديدا في القرن الحادي والعشرين تقوده الصين خلفا لأمريكا.

وما هذه بأحلام فارغة. فبالنسبة للعديد من بلاد الفئة الثانية، تمثل إدانة الغرب للعدوان الروسي في أوكرانيا ورفضه إدانة العدوان الإسرائيلي في فلسطين بل وتسهيله فعليا له معايير مزدوجة لا تطاق. مما يجعل هذه البلاد تبدل مواقفها.

ولكن أي شيء أكثر إيضاحا للطبيعة غير المحدودة لهذا الصراع دائم التوسع من الأخبار المذهلة التي تفيد بأن كوريا الشمالية، في مقابلة صارخة مع التدخل العسكري للولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الحرب الكورية قبل ما يقرب من خمسة وسبعين عاما، تنشر قواتها في مسرح أوكرانيا؟

وما أبشع أن يستعمل دونالد ترامب «الحرب الأبدية» في أوكرانيا لإقناع الناخبين الأمريكيين بأن الديمقراطيين من أمثال كامالا هاريس لا يمكنهم السيطرة على عالم فوضوي، وأن حلف شمال الأطلسي عبارة عن خدعة يديرها الأوروبيون المتطفلون وأن الأمم المتحدة عديمة الفائدة.

وهذه الحرب أيضا تصرف الانتباه عن صراعات خطيرة أخرى، من السودان إلى ميانمار. وقد تسببت الهجمات على صادرات كييف من الحبوب في نقص الغذاء وارتفاع الأسعار مما أضر بالدول الأكثر فقرا. كما تعطل الحرب العمل التعاوني بشأن المناخ، بل إنها زادت بشكل كبير من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. وفي حين لا يلقي بوتن، المتهم بارتكاب جرائم حرب، أي عقاب، يتراجع احترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ويزدهر الإفلات من العقاب.

وتتصاعد التكاليف الاقتصادية الهائلة للحرب. إذ يقدر البنك الدولي أن العامين الأولين من الحرب تسببا في أضرار مباشرة في أوكرانيا بلغت 152 مليار دولار. وتتوقع الأمم المتحدة أن تبلغ التكلفة اللازمة للتعافي وإعادة الإعمار 486 مليار دولار. وكل يوم ترتفع هذه المبالغ. وفي الوقت نفسه، تعمل روسيا على بناء شبكات دولية مشبوهة ــ سوق سوداء معتمدة رسميا ــ للالتفاف على العقوبات وتقويض هيمنة الدولار.

والتكلفة في الأرواح مفجعة. فتقديرات الأمم المتحدة المتحفظة تشير إلى مقتل نحو عشرة آلاف مدني وإصابة مثلي هذا العدد. وربما يكون أكثر من ثلاثين ألف جندي أوكراني قد لقوا مصرعهم. وتشير تقديرات إلى مقتل مائة وخمسة عشر ألف شخص وإصابة خمسمائة ألف آخرين في صفوف الجيش الروسي. أما التكلفة التي يتحملها المجتمع الروسي في الواقع لا يمكن قياسها.

لم تخسر أوكرانيا الحرب، وهذا في حد ذاته إنجاز رائع. ولكنها أيضا لا تفوز. فالدعم الغربي يضعف، على الرغم من الخطب المفوهة، والقوات الروسية تتقدم. و«خطة النصر» التي اقترحها الرئيس فلاديمير زيلينسكي لم يقبل بها كثيرون. والشتاء قادم.

كم من هذا كان يمكن اجتنابه؟ بعض التطورات، من قبيل محور الصين وروسيا وصعود الشعبوية اليمينية، كان ليحدث على أي حال. ولم تزده الحرب إلا تسارعا. ولكن كثير من الأضرار الأوسع نطاقا كان من الممكن تجنبها، كليا أو جزئيا.

في وارسو، كان بايدن صريحا وأقرب إلى التباهي: فقد علمت الاستخبارات الأمريكية ـ منذ يناير 2022 ـ أن الغزو وشيك. وقد قال بايدن: إنه حذر بوتن مرارا من أن الغزو سوف يكون خطأ كبيرا. ومع ذلك، وفي ضوء اعتقاده العاطفي بأن نضال أوكرانيا من أجل الديمقراطية والحرية أمر ذو أهمية مطلقة وحيوية، فمن المؤكد أن ما كان ينبغي أن يفعله بايدن هو أن يقولها لبوتين بشكل صريح: «انس الأمر. لا تقم بالغزو. وإلا ستجد نفسك تقاتل حلف شمال الأطلسي الأقوى والأكثر تسليحا».

هذا ما يسمى بالردع. وهذا هو الغرض من وجود حلف شمال الأطلسي. والاحتواء لم يكن كافيا قط. فربما ما كان بوتن ليصغي أصلا. ولكن نظرا لجبنه المعهود، فمن المحتمل أنه كان يمكن أن ينصت ويعفي الجميع من ألم كبير.

سايمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في أوبزرفر البريطانية.

عن الجارديان البريطانية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق