كان العديد من الأمريكيين قلقين بشأن ما قد تحمله الانتخابات من تداعيات. فإلى جانب المخاوف التقليدية حول أولويات أمريكا، والتي تنعكس في التوجهات السياسية المتباينة للمرشحين، ساد الخوف من أن يرفض أحدهم قبول نتائج الانتخابات كشرعية، خاصة مع بقاء ذكرى الهجوم العنيف على مبنى الكابيتول في السادس من يناير2021 حاضرة في الأذهان. لقد خشِي الناخبون من أن يُعرقل انتقال السلطة السلمي مرة أخرى، ولكن من المستبعد أن يحدث ذلك بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية.
منذ عام 2020، أصبح الدور الحاسم للولايات في الانتخابات الرئاسية محل تدقيق واسع. وهذا أمر مفهوم؛ فمع وجود 50 ولاية، لكل منها قواعدها الانتخابية ومسؤولوها المشرفون على العملية، يبدو النظام الانتخابي في الولايات المتحدة مختلفًا تمامًا عن معظم الديمقراطيات الأخرى. ففي معظم الاتحادات، تتولى لجان انتخابية مركزية تحديد القواعد الانتخابية التي تُنفَّذ محليا، بينما يُترك الأمر في الولايات المتحدة للولايات نفسها. وقد رأى البعض أن هذا التنوع ودرجة اللامركزية العالية قد يشكلان، في حال حدوث نزاع آخر على النتائج، خطرًا على الديمقراطية الأمريكية نفسها.
لكن تتجاهل هذه النظرة الجوانب الحيوية التي تمكن الولايات أيضًا من حماية الديمقراطية الأمريكية. إذ يمنح الدستور الأمريكي الولايات صلاحيات واسعة على مجالات القانون والإدارة غير المخولة صراحةً للحكومة الفيدرالية. واعتبارًا من عام 2023، تدير السلطات القضائية على مستوى الولايات والمحليات نحو 19 مليون موظف، مقارنة بثلاثة ملايين موظف مدني فيدرالي؛ وهي أيضًا الجهة المسيطرة على معظم موارد إنفاذ القانون في أمريكا، والمسؤولة عن تنظيم وإدارة جميع الانتخابات، كما تتمتع بصلاحيات التحقيق والملاحقة لضمان سلامة العملية الانتخابية. هذه الامتيازات تعد سمة جوهرية في النظام الأمريكي، ومع التداخل الحتمي بين الولايات وحكومة فيدرالية ذات سلطات شاسعة، أصبح التوازن بين الطرفين قضية محورية في التاريخ الأمريكي.
بفضل سلطات الولايات الواسعة، يصعب للغاية على أي مرشح أو حزب التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية. حتى لو اعتمدت النتيجة على ولاية واحدة، فإن أي محاولة لتغيير مسارها تتطلب دعمًا من عدة حكومات محلية وعلى مستوى الولاية، وهذه الجهات يمكنها استغلال نفوذها لمقاومة مثل هذه المحاولات بشراسة. فضلًا عن حماية استقلالية العملية الانتخابية، تستطيع الولايات، في حالات قصوى، اتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة أي جهود حزبية تهدف إلى التأثير على العملية الانتخابية، مثل رفع الدعاوى القضائية، أو وقف التعاون مع الحكومة الفيدرالية، أو تعبئة الناخبين المحليين لإحباط المساعي التي تهدد الديمقراطية.
لم تنشأ سلطة الولايات في عقد الانتخابات والإشراف عليها بالصدفة، بل هو امتداد لجذور الفيدرالية الأمريكية في القرن الثامن عشر. ففي «الورقة الفيدرالية» العدد 45، أوضح جيمس ماديسون أن «السلطات المخصصة للولايات المختلفة تشمل جميع الأهداف المتعلقة، في السياق العادي، بحياة الأفراد وحرياتهم وممتلكاتهم، بالإضافة إلى النظام الداخلي، وتطوير الدولة وازدهارها». وبحسب رؤية ماديسون، كان دور الحكومة الفيدرالية محصورًا في الأمن القومي، وتنظيم التجارة مع الكيانات الخارجية، وضمان حرية انتقال البضائع والأشخاص بين الولايات. ومع احتفاظ الولايات بدورها كلبنة سياسية أساسية في الجمهورية، وحافظت على سيطرتها على الانتخابات. وبعد مرور أكثر من قرنين، لا يزال هذا التوازن بين سلطة الولايات والحكومة الفيدرالية قائمًا إلى حد كبير.
ومع ذلك، منذ عام 2020، بدأت سلطة الولايات على إدارة الانتخابات تبدو أكثر عرضة للخطر. فبعد تلك الانتخابات، حاول ترامب وحلفاؤه الضغط على ولايات مثل أريزونا وجورجيا وميشيجان لعدم التصديق على نتائجها. ورغم أن هذه الولايات لم تستجب لتلك الضغوط، ولم تُفلح الطعون المقدمة، فقد أثارت تلك الأحداث تساؤلات بين بعض المراقبين حول جدوى اللامركزية الانتخابية، معتبرين أن إدارة الانتخابات ينبغي أن تكون مركزية. ونتيجة لذلك، بات لدى العديد من المواطنين شكوك متزايدة حول قدرة المسؤولين في الولايات على حماية الديمقراطية بفعالية.
أصبحت الطرق المتنوعة التي تتبعها الولايات في إدارة الانتخابات محط اهتمام أولئك الذين يشككون في شرعية العملية الانتخابية. وفي ظل القلق المتزايد بشأن مستقبل الديمقراطية الأمريكية، أسهمت صلاحيات الولايات الواسعة -مثل تحديد تصميم بطاقات الاقتراع، وتحديد مواقع وساعات الاقتراع، والمعايير المطلوبة للمرشحين والناخبين- في تعزيز حالة من عدم اليقين، مما يفتح الباب للهجمات السياسية المشحونة. في نظام يتمحور حول الإدارة المحلية، يُطرح تساؤل حول مدى تأثر بعض المسؤولين المحليين بإغراءات المال أو السلطة.
ورغم أن السيطرة المركزية على الانتخابات تبدو حلًا فعالًا من الناحية النظرية، فإن منح وكالة فيدرالية صلاحيات واسعة على العملية الانتخابية ينطوي على مخاطر من نوع آخر، إذ إن أي محاولة لتقويض الانتخابات ستتركز في جهة واحدة، مما قد يسهل استهدافها. وفي حال حدوث هجوم مركّز، قد يتعرض النظام بأكمله للخطر. أما النظام اللامركزي الحالي، فيوفر ضمانات ديمقراطية مهمة؛ إذ تضمن سيطرة الولايات أن الانتخابات الرئاسية عملية معقدة، متعددة المستويات، تستغرق عدة أشهر، تشمل التصويت، والفرز، والتصديق، ويُعهد بأغلبها إلى مسؤولي الولايات. كما أن التنوع الكبير في الأنظمة المحلية يجعل من الصعب جدًا على أي جهة واحدة محاولة التلاعب بنتائج الانتخابات بشكل شامل.
من المهم أيضًا أن نتذكر المرونة الكبيرة التي أظهرها مسؤولو الانتخابات في الولايات في عام 2020. على الرغم من الضغوط الشديدة، مثل محاولات إدارة ترامب التأثير على الأعضاء الجمهوريين في مجلس مراقبي الانتخابات في ميشيجان لرفض التصديق على نتائج الانتخابات في الولاية، لم يتأثر أي مسؤول في الولاية ولم يغيروا نتائج الانتخابات. فشلت المراجعات الدقيقة في الكشف عن أي حالات تلاعب كبيرة، وحافظ المسؤولون العموميون على نزاهة عمليات الفرز والتصديق على مستوى الولاية. هؤلاء المسؤولون على المستوى المحلي والولائي هم أساس الديمقراطية. ومع ذلك، في ضوء التحضيرات التي يتم تنفيذها في بعض الأوساط للطعن في نتائج الانتخابات الحالية، يصبح من المشروع التساؤل عما إذا كان هؤلاء المسؤولون سيكونون كافين لمقاومة أي هجومٍ معادٍ للديمقراطية يتسم بتضافرٍ أكبر.
في الواقع، فإن خطر الدولة المارقة ظهر بوضوح عندما هاجم مثيرو الشغب مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، في محاولة لمنع الكونجرس من التصديق على تصويت الهيئة الانتخابية. فقد أثاروا احتمالًا صادمًا بأن نتيجة الانتخابات الأمريكية قد تُحبط بفعل العنف السياسي. لكنهم أطلقوا أيضًا شبح تهديد آخر للديمقراطية الأمريكية: ماذا لو أصبح النظام الفيدرالي منقسمًا إلى الحد الذي يدفع إحدى الولايات إلى منح الانتخابات لمرشح مفضل، كما كان يأمل أنصار التمرد؟
كان مسؤولو الحزب في الولاية ملتزمين بالمعايير الديمقراطية، يحترمون النتيجة الانتخابية، وقد فعلوا ذلك في نهاية المطاف في أواخر عام 2020 وأوائل يناير 2021. لكن التمرد وضع الجمهور الأمريكي في حالة تأهب قصوى. ورغم أن النظام صمد في ذلك الوقت، إلا أنه لا ينبغي أن يعتمد على بطولة مسؤولي الانتخابات المحليين الذين وضعوا الديمقراطية فوق الحزب.
في عام 2022، عزز قانون إصلاح إحصاء الأصوات الانتخابية، الذي تم إقراره بدعم من الحزبين، القانون الأصلي من خلال إضافة نظام للإشراف القضائي، حيث تُمنح المحاكم الكلمة الأخيرة في فرز الأصوات القانونية وتحديد قائمة الناخبين المعتمدة. وتُعد هذه الأحكام ملزمة للكونجرس، فهي تحمي الأعضاء من التأثيرات المحتملة من حكام الولايات الذين قد يسعون للتأثير على ممثلي ولاياتهم لتقديم اعتراضات لا أساس لها أثناء عملية فرز الأصوات في الكونجرس. ولا تستطيع الولايات تعديل القواعد المتعلقة بفرز الأصوات بعد بدء الانتخابات.
القدرة على منع ولاية مارقة من تقويض عملية الانتخابات في الولايات المتحدة تتجاوز دور الكونجرس، كما أظهرت انتخابات عام 2020. الفيدرالية في النظام الأمريكي تعزز نزاهة الانتخابات بشكل كبير بسبب القوة التي تتمتع بها الولايات نفسها. في حالة وقوع أزمة انتخابية خطيرة، يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى رد فعل عنيف بما يكفي من الولايات المتبقية، مما يشمل اللجوء إلى التقاضي أو حتى رفض التعاون مع الحكومة الفيدرالية.
في هذا السيناريو المتطرف، قد تستجيب الولايات بشكل معقول من خلال الاستفادة من سلطاتها الدستورية، مثل الانسحاب من ترتيبات الفيدرالية التعاونية أو تأخيرها، أو من خلال رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة الفيدرالية لإثارة المخاوف بشأن المسائل المتعلقة بالديمقراطية التي تم طرحها.
قد تجد الولايات نفسها في موقف يتطلب دعما قانونيا متينا لتبرير أي إجراءات متخذة، وقد يتطلب الأمر تدخل المحامين والعلماء لتقديم استشارات قانونية وأحكام تدعم موقف الولايات. علاوة على ذلك، لتكون الإجراءات التي تتخذها الولايات في صالح الديمقراطية، سيكون من الضروري أن تظهر تحالفات بين الأحزاب السياسية المختلفة لدعم هذه الإجراءات الخلافية. تحالفات كهذه يمكن أن تساهم في تعزيز الشرعية الديمقراطية لهذه التدابير، مما يقلل من تأثير التوترات السياسية ويعزز الشفافية في التعامل مع القضايا الانتخابية المهمة.
في الممارسة العملية، بطبيعة الحال، تعتمد ديناميكيات دور الولاية في النظام الفيدرالي على من يتولى مسؤولية أي مكتب أو فرع. ومن الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، عكس نتيجة الانتخابات إذا كان المتمردون المحتملون يفتقرون إلى حلفاء في قيادة الولاية.
على الرغم من الالتزامات المؤسسية الراسخة بالديمقراطية وسيادة القانون في الولايات المتحدة، فإن العقد الماضي قد قدّم دلائل كافية على أن المؤسسات قد تكون عرضة لتهديدات مباشرة. ويُعد هذا خطرا خاصا في فترات الانتخابات الرئاسية، التي تزداد فيها المخاطر. وعلى الرغم من أن الفيدرالية ليست حلا سحريا، فإنها توفر درجة من الحماية ضد القوى المناهضة للديمقراطية التي قد تسعى إلى تحريف إرادة الشعب. إن النظام الفيدرالي الذي يعتبره الأمريكيون غالبًا أمرًا مفروغًا منه يجعل من الصعب سرقة الانتخابات على مستوى القمة، من خلال توفير توازن أمام الولايات المارقة المحتملة، مما يُوجد بيئة تسمح بأن تؤدي التجارب على مستوى الولاية إلى ممارسات أوسع تخدم الصالح العام بشكل أفضل.
تواجه الولايات المتحدة رياحًا معاكسة قوية نتيجة الصراع الثقافي، بالإضافة إلى الجهود المتعمدة من قبل الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية لزرع الانقسامات، ونشر المعلومات المضللة، وإثارة الشكوك في النظام. وإذا كانت الفيدرالية غير قادرة على منع شلل السياسات في الكونجرس أو القضاء على خطر العنف السياسي، فإنها على الأقل تستطيع سد الفجوة في صنع السياسات من خلال التقدم على مستوى الولايات. والأهم من ذلك، أنها توفر أيضًا دفاعًا ضد الانزلاق المفاجئ نحو الاستبداد.
في النهاية، يمكن للنظام الفيدرالي الذي يمنح الولايات سلطات كبيرة أن يعمل كحارس قوي للديمقراطية، متجاوزًا بذلك مجرد دور المسؤولين الحكوميين في النظام الانتخابي. بالنسبة لأولئك الذين يخشون عملية انتخابية مشحونة أو زعيمًا قد يشكل تهديدات جسيمة لمستقبل الديمقراطية الأمريكية، سيكون استقلال الولايات أمرا محوريا للحفاظ على قدرة أمريكا على الصمود.
0 تعليق