البرابرة على أبواب أوروبا وزعماؤها لاهون - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لعل الانشغال باللهو بينما تحترق روما يمثل صورة منصفة لوصف تصرفات زعماء الأحزاب في البرلمان الأوروبي خلال الأسبوع الماضي. فالاتحاد الأوروبي واقع تحت حصار من المعاصرين لنا من نسل القوط والمغول والفندال. فما الذي يفعله كبار أعضاء البرلمان الأوروبي؟ يتساومون أيهم يحصل على المقعد الأحسن فراشًا في المفوضية الأوروبية، وكأنما لذلك شأن كبير في عالم فوضوي ضارٍ لا تعد أوروبا فيه إلا عنزة مربوطة تصرخ بينما الذئاب محيطون بها.

تتقدم حشود فلاديمير بوتين الروسية من الشمال، ملتهمة الأراضي الأوكرانية ومهيئة المسرح لمزيد من الاستيلاء غير القانوني على الأرض. وفي الشرق نرى الصين بقيادة شي جين بينج تنعم بفائض تجاري سنوي هائل يبلغ مئاتين واثنين وتسعين مليار يورو وتلعب في أوروبا لعبة فرق تسد وتدير عمليات استخبارات سرية عدوانية. وإلى الغرب، بعد فوز انتخابي كاسح في الانتخابات، يتلهف زعيم أمريكا الفندالي إلى خوض قتال.

يحذر ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، من أن «سبب وجود» الاتحاد الأوروبي مهدد. ولكن رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، التي تبدو غافلة عن ذلك كله، قضت الأسبوع الماضي في المقايضة مع زعيم حزب الشعب الأوروبي مانفريد ويبر وغيره من السياسيين المتنافسين. وكان أحد الأسئلة الحاسمة التي شغلت عقول هؤلاء العظماء: هل أوليفر فاريلي المجري أهل للثقة بحيث توكل إليه رعاية الحيوان؟

قال ويبر لمجلة بوليتيكو «إننا نمارس السياسة، وذلك يقتضي وقتا في بعض الأحيان. بينما بدا مسؤول آخر لم يفضح عن اسمه أقل رضا إذ قال: «إن علينا أن نعيش في العالم الحقيقي ونمضي إلى الأمام. لقد منح الشعب الأمريكي لدونالد ترامب تفويضا مفتوحا بينما نحن نعبث ها هنا». لقد تم انتخاب البرلمان في يونيو. وأعيد تعيين فون دير لاين في يوليو، ولكن القيادة الجديدة للاتحاد الأوروبي قد لا «تبدأ العمل» حتى ديسمبر أو بعد ذلك.

وليست بيروقراطية بروكسل وعدم جدواها المزمن إلا أقل مشكلات أوروبا، ففي تقرير رسمي صدر في سبتمبر، دعا ماريو دراغي إلى استثمار سنوي بقيمة ثمانمائة مليار يورو في مجالات من قبيل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الخضراء والدفاع، لتعزيز النمو المتعثر في الاتحاد الأوروبي وقدرته التنافسية وأمنه مقارنة بالولايات المتحدة والصين، وكلا البلدين، شأن روسيا، يتوسع في الإنفاق العسكري.

استجابة لماريو دراغي، أصدر زعماء الاتحاد الأوروبي «الإعلان التنافسي» جليل الصوت في قمتهم ببودابست الشهر الماضي. وتعهد الإعلان، اتساقا مع دأب بروكسل، باتخاذ «خطوات حاسمة» للاستثمار، وإحراز «تقدم عاجل» في اتحاد أسواق رأس المال وزيادة القدرات الدفاعية «دونما تباطؤ». ولكن تحقُّق أي من ذلك كله مرهون في النهاية بالقادة الوطنيين وإرادتهم السياسية.

والإرادة السياسية متعثرة. ففي الوقت الذي انتصر فيه دونالد ترامب رأينا انهيار حكومة ألمانيا ـ التي تعد تقليديا مع فرنسا قوة الدفع داخل الاتحاد الأوروبي. انتهى عهد أولاف شولتز الباهت في المستشارية. وليس مقررا إجراء انتخابات حتى فبراير، وسوف يستمر «العدو الداخلي» الحقيقي لأوروبا ـ أي أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار التي تغذي معاداة الديمقراطية بنزعات ترامبية ـ في التقدم في ألمانيا وغيرها. ومهما يكن الذي سيفوز، ومن المؤكد أن خبراء استطلاعات الرأي يفضلون الديمقراطيين المسيحيين من يمين الوسط بقيادة فريدريش ميرز، فإنه سوف يضطر إلى الدخول في ائتلاف ضعيف آخر من حزبين أو ثلاثة أحزاب، ليواجه الشقوق المنهكة التي أغرقت شولتز نفسها.

وفي الوقت نفسه، في فرنسا، نرى رئاسة إيمانويل ماكرون، التي غاصت إلى ما دون سطح الماء في انتخابات الصيف وتواجه تحديات مماثلة من اليمين المتطرف، تتجه إلى الانخفاض. فقد بلغت نسبة تأييد ماكرون 23%. ولكنه على الأقل مدرك للخطر. ففي حديثه في بودابست، حذر من أن أوروبا ستكون على القائمة إذا ما عجزت عن تحقيق استقلال اقتصادي وأمني أكبر، وقال ماكرون إن «العالم يتكون من الحيوانات العشبية والحيوانات آكلة اللحوم. وإذا قررنا أن نظل من الحيوانات العشبية، فإن الحيوانات آكلة اللحوم ستفوز وسنكون سوقا لها».

وتساءل ماكرون عبر موقع إكس: «هل نريد أن نقرأ التاريخ وقد كتبه الآخرون، والحروب التي شنها بوتين، والانتخابات الأمريكية، والاختيارات التي اتخذها الصينيون في ما يتصل بالتكنولوجيا أو التجارة، أم نريد أن نكتب نحن التاريخ؟». وأضاف قائلا: «إنني أعتقد أن لدينا القدرة على كتابة التاريخ». وإذن ماكرون يتحدث بشكل جيد. ولكن هل من مستمع إليه في هذه الأيام؟

مؤكد أن عودة ترامب تستولي على العقول وتصرفها بعيدا عن البرلمان الأوروبي. فسياسات ترامب المدمرة والرجعية بشأن التعريفات الجمركية الحمائية، وأوكرانيا، وإسرائيل وفلسطين، وإيران، ومستقبل الناتو وأزمة المناخ تتعارض بشكل مباشر مع مصالح الاتحاد الأوروبي. ومن المخاوف الملحة أن حرب تجارة عالمية قد تدفع منطقة اليورو إلى الركود وتجبر أوروبا على الانحياز لأحد الجانبين إما الولايات المتحدة أو الصين، أكبر شركائها التجاريين. يقول ترامب إنه سيفرض رسوما تتراوح بين 10٪ و20٪ على جميع الواردات، وهو ما قد يؤدي، على سبيل المثال، إلى تدمير صناعة السيارات في أوروبا. وقد تواجه الصين تعريفات جمركية تبلغ نسبة 60٪ أو أكثر. وسوف تضطر إلى الرد، وكذلك الاتحاد الأوروبي. والنتيجة: فوضى في السوق العالمية.

ويمثل إنهاء اللعبة في أوكرانيا أزمة ضخمة أخرى تضغط بشدة على أوروبا. فمن المحتمل تماما أن يوقف ترامب المساعدات العسكرية الأمريكية، ويتآمر مع بوتين ويحاول فرض اتفاقية الأرض مقابل السلام على كييف. وفي منعطف كهذا، سوف يواجه الاتحاد الأوروبي عمليا جبهة موحدة من الولايات المتحدة وروسيا والصين حليفة بوتين الوثيقة.

هذا ولأوروبا سجل غير مشجع في زيادة إنتاج الأسلحة. وألمانيا تقلص المساعدات العسكرية. وبلاد من قبيل المجر لم تكترث أصلا. وقد تعهد جوزيف بوريل، رئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، خلال زيارة إلى كييف في نهاية الأسبوع الماضي، بتقديم الدعم الثابت. وقليل من يعتقدون بمصداقية مثل هذه الوعود، وينطبق الشيء نفسه على قول كير ستارمر لمثل ذلك. إذ تزعم أوكرانيا أن بريطانيا تتراجع في ظل حكم حزب العمال.

لعل أوروبا في وقت الخطر ينبغي أن تتطلع شرقا بحثا عن قيادة حازمة وعمل ملموس. فرئيس وزراء بولندا، دونالد توسك، يقوم على أقل تقدير بشيء عملي لردع الوحوش الكبيرة التي تجوب حدود أوروبا. إذ يعمل على تشكيل تحالف من الدول المؤيدة لأوكرانيا داخل حلف الناتو، ومنها فرنسا وبريطانيا ودول البلطيق، بغض النظر عن ترامب.

ولقد قال توسك: إن «هذا المشهد السياسي الجديد يشكل تحديا خطيرا للجميع...وسوف نعمل على تنسيق التعاون بشكل مكثف مع الدول ذات وجهة النظر المماثلة بشأن الوضع الجيوسياسي والوضع عبر الأطلسي، والوضع في أوكرانيا». وكما حدث في العصور القديمة، عندما كانت دفاعات روما تفشل، يتعين على شخص ما أن يتخذ موقفا - فيصد البرابرة، في ما نرجو، عند الأبواب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق