الأوطان لا تشبه بعضها، ولا تتشابه شعوبها، والأوطان جزء من الكيان البشري الذي عاش عليها، وتأقلم وتنفس هواءها، واستظل بسمائها وتشرّب من عطائها وأعلى من قيمتها، وقادها إلى مصاف الحضارات التاريخية التي أثرت في مسار البشرية وتطورها وازدهارها الذي بلغ ذروته.
وعُمان فاعلة في الحضارة الإنسانية منذ نشأتها على هذا الكوكب، وتجدد مسارها كل عام عبر مناسبة العيد الوطني الذي يمثل إنجازًا وانطلاقًا إلى آفاق أرحب ونحن نحتفل بـ54 عامًا على مسيرة الخير والعطاء التي غيّرت وجه الأرض وفكر الإنسان وأعادت قاطرتها إلى مسار التاريخ والتأثير في محيطها وتربعها على قمم السلام.
وفي علاقتنا بالوطن يجب أن تكون استثنائية ومصيرية؛ فالوطن لا يعادله شيء في الحياة، ولا يساويه في قيمته شيء، ومن دون الوطن لا يمكن أن تكون لنا هوية ولا قيمة ولا مكانة، نختلف ونتفق معه، لكنه في إطار تلك المودة الأبدية التي لا تنفك. وتجارب كثيرة أمامنا، فمن تشرّد عن وطنه وعصفت به الظروف ومن تقاطع مع الوطن واختار المنافي عاد ليطلب الوطن ليكون ظهره وظهيره، بعد أن تراجعت جذوة خلافاته التي تهون كلها أمامه.
الأعياد الوطنية هي مرآة حاضرة لتعرف قيمة الوطن، وبها نراجع علاقتنا معه، ونقيم إنجازاته ونشارك في بنائه ونطور من إمكانياته ونعظم فوائده ونعيش لحظات ذكرى ميلاده، ونجدد عهدنا به ونصوب مساراته وندعم سلطانه وحكومته ونوسع مساحة حوارنا البنّاء من أجله ونعزز قيمته في أجيالنا الناشئة ونساهم في إعمارِه كلٌّ بقدر استطاعته.
هذا الوطن الذي كان في أوجه ممتدًا عبر أكثر من قارة، تعرّض لهزات ونكبات كادت أن تلغي وجوده من هذا الكون، لكن إرادة أهله التي اتسمت بروح الوطنية والتضحيات استطاعت أن تبقيه على قيد الحياة وأن يستعيد دوره عبر مراحل التاريخ بعد كل مطمع مر عليه، فطرد الغزاة ولاحقهم برًّا وبحرًّا وقدّم من التضحيات التي روت دماؤها ترابه ليسترجع مكانته، لعل أقربها قبل 54 عامًا وعبر منها إلى السلام والاستقرار.
علينا أن نعلّم أبناءنا أن الأوطان رويت بالدماء الطاهرة لتكون وطنًا نستظل بسمائه وعلينا أن نحافظ عليها حتى في سلوكنا اليومي الذي أصبح سمة عالمية ينشد البعض الوصول إليها، وهي قيمة أخلاقية توارثناها منذ حقب التاريخ على هذا البلد المعطاء.
وعلينا أن ندرك أن التفريط في الوطن يعني الشتات وملاجئ الدنيا، كما يحدث من حولنا، وعلينا أن نتمسك به بأهداب أعيننا لأنها وصية سلاطينه التي يقود مسيرتها نجل تلك السلاطين، السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله.
0 تعليق