ترامب .. سنوات سياسية مثيرة! - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا يمكننا اليوم أن نقرأ تفسير صعود الترامبية مرةً أخرى، بمعزل عن مؤثرات كبيرة طرأت على العالم منذ عقد التسعينيات، كالعولمة وثورة المعلوماتية والاتصال، فما ظهر على سطح التواصل العالمي من تأثير العولمة وثورة المعلوماتية كانت له آثار إيجابية وسلبية على أكثر من وجه.

وإذا بدا عالمنا اليوم في ظل العولمة وثورة المعلوماتية، في شبه قطيعة مع العديد من مظاهر القرن العشرين، فإن ما بدا واضحًا كذلك أن تلك القطيعة اليوم تتمظهر في بنيات جديدة وظواهر جديدة، لاسيما في عالم السياسة.

الأرجح، إن ما يراه جيل المخضرمين اليوم (أولئك الذين عاشوا طرفًا من حياتهم نهايات القرن العشرين وبدايات الألفية الجديدة) من ظواهر كانت مستهجنة في سياسيات أمريكا خلال القرن العشرين، ستبدو أكثر من عادية في عالم اليوم، بحيث يمكن القول إن التطبيع مع تلك العادات السياسية الجديدة لزمن عالم السياسة الأمريكي منذ بداية الألفية الثالثة سيكون مسألة وقت.

والحال أن إشكاليات التغيير التي تضرب عالم السياسة منذ بداية القرن الحادي والعشرين ليست هي مما يمكن إدراجها في سوية عامة للخطأ والصواب السياسيَين (وهذا ما يعزز الانطباع بأنها عادات سياسية مستهجنة) وإنما هي عادات يتم تصويرها على أنها من مقتضيات الأمر الواقع لعالم السياسة الجديد، وهكذا ما إن بدت غرائبيات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش مع بداية الألفية الجديدة، والقصص التي كانت تحكى عن معلوماته المسطحة عن العالم خارج أمريكا، حتى كانت قصص الرئيس الأمريكي الجمهوري الذي جاء من بعده (دونالد ترامب) أكثر غرابةً وطرافةً.

فإذا كان الرئيس جورح دبليو بوش دخل السياسة من أبواب الإرث الجمهوري العريق لعائلته السياسية، فإن الرئيس دونالد ترامب دخل عالم السياسة من محيط عالم المال والعقارات، والأغرب من ذلك، أن الأخير لم يأت إلى عالم السياسة حتى من أي خلفية للخدمة المدنية أو العسكرية، الأمر الذي كشف عن الكثير من ممارساته السياسية الغريبة إبان ولايته الأولى بين عامي 2016 - 2020م.

هل سيتعين على العالم التطبيع مع تلك المتغيرات الغريبة في عالم السياسة (كالتي ظهرت في سياسيات الترامبية الأولى) وأثرت، بحكم التأثير العالمي لأمريكا، على الكثير من القادة الشعبويين في العالم؟

وهل في أبجديات السلطة السياسية والترتيبات الجيوستراتيجية لعالم اليوم ما يحتمل «خفَّة» عالم السياسة الجديد الذي بدا كما لو أنه هوية سياسية تناظر سرعتها وخفتها إيقاع السرعة الذي تميز به زمن السوشيال ميديا؟

لعل السنوات الأربع المقبلة من الولاية الجديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستتكشف عن الكثير من ممكنات سياسة «الخفة» ومستحيلاتها، لاسيما وأن العالم الذي خلفه ترامب في العام 2020 ليس هو عالم اليوم الذي يعيش على وقع اهتزازات جيوسياسية ضربت حتى قلب القارة العجوز في أوروبا (الحرب الروسية الأوكرانية) إلى جانب تفاقم صراع منطقة الشرق الأوسط.

وإذا ما هيمنت إرادة شعبوية في سياسات دولة كبرى كالولايات المتحدة، خلال الولاية الثانية لرئاسة الرئيس ترامب، وأصبحت احتمالًا واردًا؛ فإن المعادلة الغريبة التي ربما أضمرت تناقضًا يجمع بين التعقيدات الجيوسياسية الصعبة لعالم اليوم والمعالجات السياسوية المسطحة لتلك التعقيدات، هي معادلة قد لا تنجو من نتائج كارثية في مصائر الكثير من بلدان العالم.

ذلك أن التعقيد الذي يهيمن على المعادلات الاستراتيجية - سياسيًا واقتصاديًا - لعالم اليوم عبر تشبيك واسع تعززه شبكات التواصل الرقمي وحركة التجارة العالمية هو أكبر بكثير من أي معالجات مسطحة.

فالصراع الروسي الأوكراني الذي تنخرط فيه أوروبا اليوم تنطوي تداعياته وتعقيداته الجيوسياسية على إمكانية لإحياء أزمات خطيرة نائمة في تايوان وكوريا الشمالية. أما حرب التعرفة الجمركية والزيادات الضريبية التي ينوي ترامب استئنافها ضد الصين فقد تأتي بنتائج عكسية لدول حليفة للولايات المتحدة من خلال التأثيرات الهائلة للاقتصاد الصيني في العالم واعتماده الرئيس على الصادرات. فـــ«الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ستضعف الطلب الصيني على مدخلات التصنيع، بما فيها الطاقة والمعادن، وستكون هذه أخبار سيئة لجيران الولايات المتحدة مثل بيرو وتشيلي والمكسيك -وجميعها من كبار المصدرين للنحاس إلى الصين- ولأستراليا حليفة الولايات المتحدة (وهي مصدر كبير لخام الحديد والفحم).

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق