مازالت المفاوضات الجارية حول صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن في غزة، تواجه الوضع ذاته الذي عرفته في جولات سابقة من صراع بين الهدنة والحرب، ولو أن هذه المرة يبدو التفاؤل أكثر وثوقاً من إنجاز اختراق لأسباب سياسية وموضوعية تشير إلى أن هذا العدوان الذي تشنه إسرائيل على القطاع الفلسطيني بلغ مداه ولم يعد له من هدف غير إبادة الأبرياء.
منذ الاثنين الماضي، بدأت جولة محادثات موزعة بين القاهرة والدوحة، رافقتها تصريحات تؤكد أن الطريق لإبرام الصفقة ممهدة بتفاهمات واعدة، وبضغط أمريكي مزدوج، من الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها والجمهورية التي تتأهب لتسلم زمام البيت الأبيض الشهر المقبل، وعلى الميدان لم يتغير شيء يذكر، فآلة الحرب الإسرائيلية لم تتوقف عن شن الغارات المدمرة وقصف مخيمات النازحين، واستمرت في استباحة حرمات المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء المختلفة، وفي كل ساعة يسقط ضحايا جدد، وتُسوّى أحياء سكنية بالأرض، بالتزامن مع منع دخول المساعدات الإغاثية والطبية، بينما تكشف هذه الحرب كثيراً من فصولها المؤلمة، وآخرها ما تم نشره من شهادات في الإعلام الإسرائيلي لجنود وضبــاط في جيش الاحتلال عن ارتكاب جرائم حرب لا تصدق، وممارسة إبادة للسكان بدم بارد ومن دون أي خشية من محاسبة أو ردع.
اليوم يتجاوز العدوان على غزة يومه الـ443، ويبدو أنه لن يتوقف، وتحول إلى حرب عبثية لا هدف لها غير قتل النساء والأطفال المروعين، ونسف كل العوامل التي تساعد على بقاء كل الكائنات الحية وليس البشر فحسب. أما المفاوضات، التي يراهن كثيرون على إنجازها، ربما لن تكون نهاية المطاف، وقد تكون فرصة لفتح جبهة أخرى في الضفة الغربية المحتلة، فما يجري في مدنها وقراها من اعتداءات وحملات استيطانية ومواجهات مسلحة، لها أهدافها ومغازيها، التي ستتجلى في مقبل الأيام والأسابيع، خصوصاً في ظل ما استجد من تطورات في سوريا ووضع خاص في لبنان، وما يمكن أن ينجر عن هذا الفراغ الاستراتيجي من تداعيات ومخاطر.
يقول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إنه لا يريد حرباً في الشرق الأوسط عندما يتولى السلطة في واشنطن في العشرين من يناير المقبل. ومن الواضح أن هذا الضغط قد عجَّل بالعودة إلى المفاوضات حول غزة، ليس لأن إسرائيل اكتفت بما حققته من أهداف، ولكن لا أحد يمكن أن يتخيل الخطوة التالية، التي ستعقب الهدنة المؤقتة، فالحكومة المتطرفة في تل أبيب لا تبدي نية واضحة في الاتفاق على إنهاء الحرب والبدء في معالجة ما سببته من أهوال على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، كما لا تعير اهتماماً للنداءات الدولية وللقرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية إلى حل القضية الفلسطينية وتمكين هذا الشعب المضطهد لعقود من إقامة دولته المستقلة، ومحاسبة كل من أجرم في حقه، وخصوصاً هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي تجاوزت في انتهاكاتها وجرائمها كل الأعراف والسِّيَر المعروفة عن الحروب.
0 تعليق