في خطوة مثلت مفاجأة، أعلنت تشاد إلغاء الاتفاق العسكري الذي كان يربطها بفرنسا، في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لأندجامينا بسبب التوترات الداخلية واستعدادتها للانتخابات التشريعية المقررة نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وهو ما أثار ردود فعل متباينة على الصعيدين المحلي والدولي. لكن الحكومة التشادية ترى القرار تعزيزاً لسيادتها الوطنية وتقليلاً لتبعيتها للقوى الاستعمارية السابقة، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.
خلفية الاتفاق العسكري بين تشاد وفرنسا، أن فرنسا كانت حريصة على ارتباط اندجامينا بها بعد الاستقلال فعمدت الى ربطها بالفيلق الفرنسي بإفريقيا باتفاقيات عسكرية وأمنية مكنت فرنسا من التواجد العسكري على الأراضي التشادية، شأنها في ذلك شأن أغلب دول الغرب الإفريقي. وعلى الرغم من أنه بموجب هذه الاتفاقيات كانت فرنسا تقدم من خلالها دعماً قوياً في مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة، وتعزيز قدرات الجيش التشادي، كما اختصت فرنسا تشاد بقاعدة عسكرية فرنسية على أراضيها مثلت جزءاً مهماً من استراتيجيتها في منطقة الساحل الإفريقي كله، ورغم ذلك رغبت تشاد في فك هذا الارتباط لعدة أسباب لعل أهمها:
* الرغبة في تعزيز السيادة الوطنية، حيث رأت في هذا الإلغاء خطوة نحو تعزيز السيادة الوطنية وتقليل الاعتماد على القوى الأجنبية في القضايا الأمنية والسياسية، شأنها في ذلك شأن العديد من الدول الإفريقية التي ذهبت الى إعادة تقييم علاقاتها مع القوى الاستعمارية السابقة. وأيضاً قد يرى البعض أن هذا الإلغاء هو نتاج رغبة الحكومة في تقوية جيشها المحلي وزيادة الاعتماد على قواتها المسلحة بدلاً من الاعتماد على الدعم الخارجي، وهو أمر محمود بكل تأكيد، لكن لا بد أن تسبقه حسابات لقدرات الدولة على سد الفراغ الذي سيحدث نتيجة ذلك الإخلاء المفاجئ.
* ارتفاع وتيرة الرفض الشعبي للوجود الفرنسي على الأراضي التشادية، فقد شهدت بعض دول غرب إفريقيا خاصة في السنوات الأخيرة تنامي الحركات الشعبية التي تدعو إلى إنهاء التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة، حيث ترى تلك الحركات أن الوجود الفرنسي جزء من الهيمنة الاستعمارية الجديدة (ما بعد الكلونيالية) وفي هذا السياق، يمكن أن يكون قرار تشاد جزءاً من هذا التحول الإقليمي في موقف بعض الحكومات الإفريقية تجاه النفوذ الفرنسي.
في الغالب سينعكس هذا القرار بالسلب على العلاقات بين اندجامينا وباريس خاصة في العلاقات الأمنية والعسكرية، وهو ما قد ينعكس على قدرات تشاد في مواجهة التهديدات الأمنية سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي (منطقة الساحل).
كذلك ستلجأ باريس الى إعادة النظر في استراتيجيتها الخاصة بمنطقة الساحل بعد الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا، وغالباً قد تلحق السنغال قريباً بهذا الركب.
من شأن هذا القرار أن يقرّب ويخلق نوعاً من التعاون والتآخي بين دول الساحل إجمالاً، خاصة التي نفرت من التعاون مع باريس من خلال خلق استراتيجية إقليمية موحدة لمكافحة الإرهاب، وهو ما يمكن ملاحظته من سرعة تعاطي الحكومة التشادية مع حكومة مالي بإرسال وفد عالي المستوى لدراسة تجاربها في هذا الشأن، وكذلك الاطلاع على التجربة المالية في تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، ومن المرجح زيادة مجالات التعاون بينهما بسبب الوضع المتشابه في البلدين.
في النهاية يبقي قرار إلغاء الاتفاق العسكري بين تشاد وفرنسا خطوة مهمة في مسار سيادة الدولة التشادية وحرصها على تعزيز استقلالها في مجال السياسة والأمن. هذه الخطوة قد تكون بداية لتحولات أكبر في العلاقات بين الدول الإفريقية وقوى الاستعمار السابقة، في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة.
وسيظل من المهم أن تتبنى تشاد استراتيجيات فعالة لتعزيز استقرارها الداخلي وحمايتها من التهديدات الإرهابية، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع المجتمع الدولي.
0 تعليق