خواطر في الثقافات المنسيّة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ما الذي يعنيه القلم بالثقافات المنسيّة؟ لا ينصرفنّ الذهن إلى كان يا ما كان في سالف العصر والأوان. المنسيّات هنا هي الثقافات المهملة، التي تجاهلها العالم العربي، أغفلها، همّشها، أقصاها، ألغاها من جدول أعمال الفعل والحضور والمصير. الآن، وقد حصحصت استحقاقات الأوضاع، فإن ما تبقى من الوعي العام، بدأ يتحسس عظام جسم الخريطة المشتركة، هل الأضلاع سليمة وغير منقوصة عدداً؟ هل العمود الفقري في مكانه؟ هل الناس لا يزالون يسألون عن أحوال الجغرافيا ومكوّناتها، الطبيعية، البشريّة، الاقتصادية؟ 
الباحثون العرب لم يقولوا لنا حتى هذه الساعة، كيف انحرف استخدام كلمة ثقافة، وما هي الأسباب، فقد سقطت في قرار سحيق، باتت استعمالاتها في وسائط الإعلام والتواصل، تثير الريبة لدى من يعي أخطار التحويلات اللغوية الخطرة: ثقافة العنف والتطرف، ثقافة الإقصاء، ثقافة القمع... فما هي الفيروسات الخبيثة التي اخترقت جهاز مناعة الثقافة، فغدت تعني أسوأ نقائضها أيضاً؟ هل هذا حنين إلى الأصالة بإحياء أسماء الأضداد عند قدمائنا: «كما سمّي اللديغ سليماً»؟ كان على الذين زلّت بهم القدم إلى هذه المهاوي، أن يتساءلوا في لحظة عودة الرشد إلى نصابه، متنبّهاً لمصابه: ماذا لو أوهمت تلك العبارات والصيغ الناس بأن كلمة ثقافة سلبيّة مشبوهة، رجس من عمل الشياطين الاصطلاحية، يجب اجتنابها؟ 
إذا أردت استدلالاً مبيناً، فقل للباحثين العرب في شؤون الثقافة ذات العلاقة بالسياسة والاجتماع: كم مرّةً عثرتم على عبارات من قبيل: ثقافة العمل المشترك، ثقافة التعاون العربي، ثقافة الدفاع المشترك، ثقافة التنمية الشاملة، ثقافة تطوير مناهج التعليم، ثقافة نشر العلوم، ثقافة القضاء على الأمّية..؟ لن يطالبك أحد بأكثر من ألف مثال على هذا المنوال؟ أحرامٌ على بلابل الثقافة دوح الاستخدامات الإيجابية، حلال لغربان العبارات المشوهة لمنظومة القيم الثقافية السامية؟ 
لا أحد يدري بأيّ مقياس وعي يجب أن تقاس سلامة المدارك، حين يقرأ من لديه إحساس بمسؤولية الكلمة، عبارة مثل: ثقافة القتل، ثقافة الإبادة..؟ يعني«كل المدوّر كعك»، فكل عمل شائن ثقافة. الأعمال الأدبية والفنيّة الخالدة، هي الأخرى ثقافة، تماماً مثل العنف والتطرف والتمييز العنصري والإبادة الجماعية. حتى إذا أرادت مؤسسة ثقافية إصدار موسوعة للثقافات، حشرت كل ما هبّ ودبّ من الأضداد والنقائض، فلا يُعلم حابل من نابل، ولا مقتول من قاتل، ولا عالم من جاهل. 
لزوم ما يلزم: النتيجة الكارثية: قد يسأل أحد غداً عن الثقافة، فيقال له: هذا مذهب عصابات خطرة. مقولة شهيرة: «حين أسمع كلمة ثقافة أسحب مسدّسي».

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق