أزمة منتصف العمر - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

التقيتُ مؤخراً أحد الأشخاص الذين أحب تبادل الحديث معهم، وبدأنا حواراً بسيطاً حول الحياة والعمل، سألته عن أحواله، فتردد قليلاً قبل أن يقول: «بصراحة، أشعر بأنني ضائع. لا أعلم ماذا أريد حقاً. أعيش بين أحلام تركتها خلفي، ومسؤوليات تثقل كاهلي، كل يوم أستيقظ وأكرر نفس الروتين، وأتساءل: هل هذا ما أردته لحياتي؟» نظرت إليه ملياً، وشعرت بأن كلماته تحمل ثقلاً مألوفاً، ذلك الإحساس الذي يراود الكثيرين في منتصف الطريق.
كلماته كانت صادقة ومؤلمة في آنٍ واحد، لكنها ليست غريبة، فالكثير من الأشخاص يمرون بهذه المرحلة في حياتهم، حيث يبدؤون بمراجعة مساراتهم، والتساؤل عن القرارات التي اتخذوها، وما إذا كانوا يعيشون الحياة التي حلموا بها، هذه الحالة تُعرف بأزمة منتصف العمر.
أزمة منتصف العمر ليست مرضاً، بل هي مرحلة يمر بها الإنسان عندما يجد نفسه أمام أسئلة صعبة: هل أنا سعيد بما أنجزته؟ هل اخترت المسار الصحيح؟ كيف يمكنني استعادة الحماس الذي شعرت به في شبابي؟ وغالباً ما تترافق هذه الأسئلة بمشاعر مختلطة من الحنين إلى الماضي، والخوف من المستقبل، والرغبة في تغيير كل شيء دفعة واحدة.
هذا الشخص كان يواجه تلك المشاعر، لكنه لم يكن وحده. إن الكثيرين يمرون بهذه المرحلة، وتختلف طريقة التعامل معها من شخص لآخر، بعضهم يشعر بالحاجة الملحة إلى تغيير جذري، فيترك وظيفته، أو يسعى لمغامرات جديدة، أو حتى يدخل في دوامة من الإنفاق المفرط على أشياء لا يحتاج إليها، بحثاً عن شعور مؤقت بالسعادة، في المقابل، هناك من يتعامل مع هذه المرحلة بوعي، فيراها فرصة للتأمل وإعادة ترتيب الأولويات.
المبالغة في تصوير أزمة منتصف العمر، سواء من خلال الإعلام أو المحيط الاجتماعي، قد تجعل بعض الأشخاص يعتقدون أنها مرحلة حتمية من الانهيار، لكن الواقع مختلف؛ ليست كل أزمة منتصف العمر كارثية، بل يمكن أن تكون بوابة لإعادة اكتشاف الذات وتطويرها.
الحياة ليست سباقاً يجب الفوز به، بل رحلة تستحق أن تُعاش بكل مراحلها، وأزمة منتصف العمر، بدلاً من أن تكون عائقاً، يمكن أن تكون محطة تأمل ومراجعة، كما يقولون: «الضائع ليس من لم يجد طريقه، بل من توقف عن البحث».
في النهاية، العمر ليس مقياساً للإنجاز، بل هو مقياس لما نفعله بما نملك الآن، وبين الماضي والمستقبل، تبقى اللحظة الحالية هي الأهم، فلا بأس بالتوقف للحظة، والتفكير في ما هو قادم، طالما أننا على استعداد لاستكمال الرحلة.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق